الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
وماذا عن الكسب غير المشروع للأحزاب؟

في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2005، وأعمال الإرهاب كانت على أشدّها في العراق، خرج ملايين العراقيين من بيوتهم متحدّين الجماعات الإرهابية ليصوّتوا لصالح أول دستور دائم منذ 1958.

الدستور الذي كان حافلاً بالنواقص والعيوب، ألزم أول مجلس نواب يُنتخب استناداً له (انتُخِب بعد شهرين وبدأ أعماله مطلع العام 2006 ) بتعديله في غضون سنة واحدة لتلافي النواقص والعيوب، وبتشريع جملة من القوانين (23 قانوناً)، أهمها قوانين بناء الدولة، كقانون مجلس الاتحاد، وقانون الأحزاب، وقانون النفط والغاز، وقانون الخدمة العامة، وقانون حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وقانون النقابات والاتحادات .. ألخ.

استحقاق التعديل لم يُنجَز حتى الآن، مع أن أول مجلس نواب أعدّ صيغة لتعديل وإضافة 50 مادة لكنّ المجلس لم يناقشها تمهيداً لطرحها على الاستفتاء العام. ومعظم القوانين المتوجّب سنّها لم تُشرّع إلى اليوم. الذريعة التي درجت الطبقة السياسية الحاكمة على تقديمها هي أن الخلافات في ما بين أطراف هذه الطبقة على صيغة القوانين هي ما تعوّق عملية التشريع.

لم تكن تلك سوى حجّة واهية، فالأساس أن هذه الطبقة لا تريد بناء دولة تشبه دول العالم الأخرى القوية، بسلطة القانون. هذه الطبقة تريد العمل بموجب شريعة العصابات، وتريد التعامل مع الدولة بوصفها البقرة الحلوب. ظاهرة الفساد الإداري والمالي التي لا مثيل لها في تاريخ العراق، ويندر مثيلها في العالم كله، دليل قاطع.

قانون الأحزاب كان من المُفترض تشريعه في السنة، أو السنوات الأولى بعد انتخاب أول برلمان. المنطق يقول إن الجميع له مصلحة في هذا القانون وإن مجال الخلاف بشأنه يُفترض أن يكون ضيّقاً. لكن قانون الأحزاب لم يُشرَع ولم يدخل حيز التنفيذ إلا بعد عشر سنين (أيلول/ سبتمبر 2015) !

بلفتة إلى الوراء لتفحّص لماذا تأخرت الطبقة السياسية المتنفذة كل هذه السنين لكي تشرّع قانون الأحزاب، سنجد أن السبب الجوهري يعود إلى رغبة هذه الطبقة في العمل خارج سلطة القانون. قانون الأحزاب يتضمّن أحكاماً تتعلق بتمويل الأحزاب، بما يضع الحال المالية لكل حزب تحت أنظار سلطات تنفيذ القانون. أحزاب الطبقة الحاكمة التي وضعت الدستور جانباً وعطّلت تشريع القوانين اللازمة لبناء الدولة، واعتمدت نظاماً غير دستوري في إدارة الدولة هو نظام المحاصصة، تقاسمت في ما بينها مناصب الدولة من كبيرها إلى صغيرها، واستغلّت هذه المناصب في السطو على المال العام بواسطة اللجان الاقتصادية غير القانونية التي شكّلتها وأشرفت عبرها على عملية السطو عبر الرشى المستوفاة عن العقود الداخلية والخارجية البالغة قيمتها مئات مليارات الدولارات وكوميشناتها عشرات مليارات الدولارات.

قانون الأحزاب لم يزل قاصراً في فرض أحكامه على الأحزاب المتنفّذة، وخصوصاً لجهة تمويلها.. مفوضية الانتخابات التي أنيطت بها مهمة الترخيص للأحزاب، وأجازت حتى الآن 100 حزب، لم تتوقف عند قضية التمويل خلال الفترة السابقة .. إنها مثلاً تتحقّق مما إذا كان مؤسسو الاحزاب مشمولين بقانون المساءلة والعدالة، ومما إذا كانوا قد ارتكبوا جرائم إرهابية أو مخلّة بالشرف، لكنّها لا تتحقق من مالية هذه الأحزاب.. كم تملك من العقارات وكم لديها من الأرصدة وكم تمتلك من الأسلحة، ومن أين لها كل هذا!

هذا يمثّل تواطؤاً من المفوضية مع الأحزاب، وبخاصة المتنفذة.. هذا التواطؤ مفهوم لأن مجلس المفوضية والكثير من موظفيها اختارتهم هذه الأحزاب على وفق نظام المحاصصة. وملف التمويل إذا ما فُتح سيرى العراقيون العجيبة الثامنة والعجيبة التاسعة من عجائب الدنيا. . عقارات عامة وخاصة منهوبة وأخرى "مشتراة" بسعر التراب، وأموال متدفقة من خارج الحدود ...الخ.

الحكومة منكبّة الآن على تشريع قانون الكسب غير المشروع لموظفي الدولة.. لكن ماذا عن الكسب غير المشروع للأحزاب؟

هذه القضية سبب آخر للمطالبة الملحّة بأن تكون مفوضية الانتخابات الجديدة مستقلة قولاً وفعلاً، لضمان حياة سياسية سليمة، من دونها لن يحيى العراقيون الحياة التي يستحقها البشر.

المدى

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 16-08-2017     عدد القراء :  1686       عدد التعليقات : 0