الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مواجهة الخرافات.. دولة مدنية هو الحل

نحن في مواجهة صريحة مع تراث مضلل، استنْفدنا مهادنته واستمالته، فإصراره وعناده على سلب حقوق الناس في التطوّر والتحضّر واللحاق بركب الحضارة تحت دعاوى الحفاظ عليه وتقديسه، قد دمّر حاضرنا، وسيدمر مستقبلنا كما دمّر من قبل تاريخ أجدادنا، ولم نر لهذا التراث فضلًا أو مربحًا أو مغنمًا، بل فقرًا على فقر وهزيمة على هزيمة، ووهمًا على وهم، واختبارًا وامتحانًا بدأ ولم ينتهِ، وحقدًا وبُغضًا وعداءً ملأ نفوس الأبناء فعزلهم عن العالم، وتشفيًا وشحناءً وغلًّا على خلق الله، إذا ما أصابهم مكروه أو أذى، أو ألمت بهم نائبةٌ أو مصيبةٌ أو حاق بهم ضُرٌّ، وبدلًا من الدعاء للناس بالخير والنجاة، ندعو عليهم بخراب ديارهم وتشتيت شملهم، وتفريق جمعهم وقطع آجالهم وأعمارهم، ونحن لا نأكل ولا نشرب ول انلبس ولا نتداوى ولا نسافر ولا نتعلم إلا من عرق عقولهم، ولو كنّا رأينا من وراء طائر الشؤم هذا خيرًا رماه لنا، لكنّا سلمنا له مقود أيامنا القادمة، وكفانا خيرنا وجنبنا خلق الله شرور أعمالنا وسيئاتنا، لكنه يحمل على جناحيه الخراب، وفي عينيه شؤم البوم، وعلى شفتيه نعيق الغراب.

ونحن في مواجهة أيضا مع المجتمع بلا مجاملة أو مداهنة أو مصانعة، فقد استسلم وبرك على ركبتيه يحمل خرافات التراث برضا وألفة، يبيعها ثقافة فاسدة، يخرب بها عقولًا ناضجة، ويتلف بها نفوسًا على الخير راضية ومستبشرة، حتى نفصل بينهما فصلًا، ونفرّق بينهما تفريقًا،ونعزل كلًا منهما عن الآخر عزلًا، إلى أن يتحرر العقل، ويرى الحقيقة كاملة واسعة، وهي أن ما يعانيه من تخلف وفوضى وجهل وتأخر، ليس مؤامرة على المسلمين أو الإسلام، بل هو الحقيقة مؤامرة منا وإلينا، نحن نزرعها ونرويها ونحصدها ونطبخها بأيدينا، ونفتحح أفواه أولادنا ونطعمهم طعامنا المسموم، فإذا ماتوا أو ضلوا أو قتلوا خلق الله أو حرقوا كنائس ومعابد الغير، صرخنا وبكينا، وقلنا مؤامرة، ولو كشفنا غطاء طعامنا لرأينا أن السمَّ سمَّنا والضحية ضحيتنا والقتلى بأيدينا.

ونحن في مواجهة مع الماضي دون مداراة أو مخادعة، فهو يستحق المكاشفة والمصارحة والمجاهرة ولا نخشى ولا نخجل من تعريته وكشف سوءته وفحشه، فنغلق عينيه ونرفع عنه غطاءه، ونحرره من هوس مضاجعة الأموات والبهائم ومفاخذ الرضيعة ورضاعة الكبير، وقتل الأنفس قربًا إلى الله، فنفصل الحقائق عن الأساطير، والخرافة عن الواقع، والخداع عن الصواب، والصدق عن الباطل، لنحرر عقولنا من الاستعمار العقلي، وقضبان السجن وسلطان الكهنة والسجّان، حتى ننعم بمتعة العقل وحرية الفكر والقرار، ونفوز بحرية تقرير المصير، بعيدًا عن هذا الكابوس الذي يلازمنا من الميلاد حتى الممات، من الخوف من الله، ومن عذاب القبر ومن اختبار الصراط، وسلطان رجال الدين، لتهدأ النفوس وترتاح القلوب حبًا وقربًا إلى الله بلا خوف، ويشعر الإنسان حين تستقر به أمواج الحياة على الشاطئ الآخر أنَّ الحبَّ مع خالقه مصيره، وإلى واحة الإله أمانه وراحته، وإلى الغفور الرحيم مستقره ومنتهاه.

الصراع قائم ومتواصل بين الدولة المدنية والدورة الدينية، وكلما فاز أنصار الدولة المدنية بنقطة، زاد التيار الديني من جبروته وسلطانه وعنفوانه، وحارب بشراسة بكل أدواته غير الشرعية، وزاد من جرعة الأساطير والتخويف والوعيد، وجرجر المجتمع من عقله إلى سرداب الخرافة والوهم، ورفع اتهام الازدراء والزندقة وهدم ثوابت الدين في وجه معارضيه، واستجاب لهذه السطوة من استجاب، ورضي بالظلم من رضي، حتى زُجَّ بالمظلومين الذين لا يملكون في مواجهة هذا السيف إلا أقلامًا مقصوفة الأسنان إلى السجون وخلف القضبان، وكل يوم ينقص فيه من هؤلاء التنويريين واحدٌ في طلعة الصباح، يُولد مع شمسه حر ومفكر جديد، فلا مجال للدولة الدينية بعد اليوم ولا أساس لها، فقد انقطع وحي السماء بالأرض بعد وفاة النبي فلا عصمة ولا قداسة بعد يومه ذاك، بل محاسبة للرئيس ومراقبته وسؤاله، ورفعت معجزات الأنبياء إلى السماء فلا معجزة تتحقق إلا بالعمل والعلم والمثابرة، وسكنت نصائح الأنبياء فلا سؤال إلا في محله ولا مشورة إلا لأصحاب الشأن والخبرة من العلماء والمتخصصين، دون العمائم واللحى التي لا تجيز نقل الأعضاء فتدفن وتبلى ويأكلها التراب، ولا يستفيد منها محتاج أو مريض تحت دعاوى أنها ملك الله ولا تُصرف لحامله، وحبس مدد الملائكة إلى الأرض فلا مددًا ولا عونًا سوى الأيادي العاملة والعقول المستنيرة والبحث العلمي، وأوقف اتصال الخلفاء بالسماء، فلا حلَّا من السماء قادمٌ على جناح جبريل، ولا انتصارًا قادمٌ لهم على رماح الملائكة والناس نيام كالسكارى، فليست الحروب اليوم بالسيف والرمح بل حروب بالعلم والاستثمار، والغزو ليس غزوَ بلاد الكفر بل غزو الصحراء وزراعتها وتنمية موارد الدولة بالعلم والعمل تحت مظلة الدولة المدنية التي تقف مع الأديان جميعها على مسافة واحدة.

adelnoman52@yahoo.com

"مصراوي" القاهرية

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 19-09-2017     عدد القراء :  2508       عدد التعليقات : 0