الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الفنان فاضل خليل نموذج المحبة والتسامح

كان ربيع 1978 كالحا مرا بالنسبة للشيوعيين العراقيين، لأن النظام البعثي الفاشي المقبور اقدم على إعدام أزيد من ثلاثين مواطنا عسكريا (كان بينهم اللاعب الدولي بشار رشيد) بتهمة الانتماء إلى الحزب الشيوعي العراقي، خلال الهجمة المسعورة التي قادها النظام السابق على الحركة اليسارية والديمقراطية المعارضة واجبار الجميع للتعايش تحت خيمته!

في تلك الأيام كانت فرقة المسرح الفني الحديث - مسرح بغداد تستعد لتقديم مسرحية «أضواء على حياة يومية» وهي من إعداد واخراج الفنان الراحل قاسم محمد وبطولة يوسف العاني وفاضل خليل والفنانة المناضلة الراحلة زكية خليفة ومجموعة أخرى من شباب الفرقة، واسند إلي تصميم وتنفيذ الإضاءة المسرحية قبل ان تتسلل مفردة «سينوغرافيا» إلى لغتنا. وفي احد المساءات جلسنا في إدارة الفرقة وطلب مني الراحل يوسف العاني ان اوصل إعلاناً عن المسرحية إلى مطبعة «طريق الشعب» التي كانت مقابلة لدائرة الأمن العامة في القصر الابيض!

اعتذرت عن تنفيذ هذه المهمة العسيرة، وبالمقابل اقترحت ان يقوم الفنان الراحل فاضل خليل بإيصال الإعلان ما دام يمتلك سيارة! اعترف الآن بأنه كان اقتراحا لا يخلو من مشاكسة مع فاضل الذي أجاب على المقترح بدعابته المعهودة : « لك طه إذا أنت ايعدموك مرة اني ايعدموني مرتين»! ضحكنا ضحكة مرة واقتنع رئيس الفرقة يوسف العاني ان يتم إيصال الإعلان صباح اليوم التالي إلى إدارة تحرير الجريدة!

كان فاضل خليل ممثلا من طراز خاص وحقق نجومية من خلال المسرح ، ورغم انضوائه تحت عباءة النظام السابق، إلا أنه بقي وفيا لمبادئه الانسانية ولاصدقائه وزملائه ولعراقيته، وشكل نموذجا فريدا للتسامح والعيش المشترك مع « المختلف»! ولم تثنه « الحزبوية» الضيقة عن الدفاع عن فرقته، فرقة المسرح الفني الحديث، المتهمة بالشيوعية آنذاك.

ولا أنسى موقفه ( أثناء عرض المسرحية المذكورة، حين حاول أحد المتفرجين المغرضين بالتشويش على العرض المسرحي) حيث اوقف العرض وطلب من ذلك المتفرج ترك القاعة الذي خرج تحت وطأة استهجان الجمهور !

كيف لنا أن نعوض هذه الخسارة بفقدان فاضل خليل المحب والمتصالح مع نفسه، قبل أن يتصالح مع محيطه، في ظل تنامي التعصب العشائري والطائفي والعرقي المقيت؟!

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 11-10-2017     عدد القراء :  2151       عدد التعليقات : 0