الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
كُنْ عراقيّاً

لم تتردد الحكومة البريطانية في ان تضع صورة الكاتبة جين اوستين على عملاتها النقدية، بدلا من الرجل الذي قادها للنصر في الحرب العالمية الثانية ، واعني به ونستون تشرشل ، لان الروائية البريطانية برأي الجميع تمثل الجزء الاهم من تاريخ البلاد .. فيما يعتقد معظم ساسة كولومبيا حكومة وفصائل مسلحة، ان بلادهم لا مكان لها في خارطة العالم من دون ماركيز.

منذ ايام انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي اخبار عن الحفل الذي اقيم في الامارات لاستذكار العراقي بدر شاكر السياب ، الشاعر الذي لم يحلم : " بأكثر من.. حياة كالحياةِ، وأن نموت على طريقتنا: عِراقُ.. عراقُ.. ليس سوى العراقْ ".

مَن منا قام بهذا الاستذكار ؟ ما هي المدارس التي تنظم لطلابها رحلات للتعرف على الشاعر الذي قال عنه محمود درويش :" أَتذكَّرُ السيَّابَ... إن الشِّعْرَ يُولَدُ في العراقِ ، فكُنْ عراقيّاً لتصبح شاعراً يا صاحبي! " ، لكننا ايها الشاعر الغريب ، يُراد لنا اليوم ان نزرع الكراهية والحقد والضغائن في النفوس .

تتذكر الامارات السياب ونحن نعيش أعمق ازماتنا ، ودروبنا وَعِرَةٌ وضيقة ، بلاد لايعرف شعبها متى يضحك ساستهم ومتى يكفهرّون، لماذا كان البعض يشتم الدستور ويعتبره قنابل ملغومة ، ثم يخرج بعد أشهر بلحمه وشحمه ليطالب باحترام الدستور.

منذ اللحظة الأولى لاصرار وعناد ساسة اقليم كردستان على اجراء الاستفتاء ، كنت اخاف من لغة الحروب واعادة رسم الخرائط ، كما بشرنا البعض. لقد علمتنا تجربة الحروب التي عشنا معها منذ اكثر من ثلاثين عاماً ، أن الحجارة يمكن اعادة اعمارها ، لكن النفوس التي تُخرب يصعب ان تعاد اليها الحياة من جديد.

كان تشرشل يردد دائما ، من الصعب ان نترك مصائر البلاد لاصحاب الأمزجة المتقلبة . هناك نوع من البشر ، كلما عثر على أزمة ، بادر بالقاء الحطب عليها ، ، كان العراقي يأمل ان سنوات التغيير ستكون براقة ومفرحة ، وان هذه البلاد التي عانت من الظلم طويلا ستعيش في ظلّ تعددية سياسية، وديمقراطية تحسدها علينا بلاد المشرق والمغرب ، نظام يسع الجميع في كل المدن والقرى والنواحي ، لا مكان لخطب الطائفية والإقصاء ، لكننا واجهنا للاسف ساسة وزعماء كتل يعتقدون ان المشهد العراقي لن يستكمل صورته الحقيقية إذا لم يهجر العرب من كركوك ، ويطرد الكرد من بغداد ، ويمنع اهالي الانبار من دخول كربلاء ، ساسة لايريدون ان يؤمنوا أن هذا الوطن ارض مشتركة بين الجميع ، وان العراق مصير واحد سماء واحدة.، لأنهم جميعا مصرّون على أن نعيش معهم في سعي محموم إلى حروب الكراهية والبغضاء.

ولهذا فسّر ساسة الشيعة والسنة والكرد ان انتصارهم في الانتخابات يعطيهم الحق في الغاء شئ اسمه العراق .

اليوم نقرا ونسمع هتافات تطالب العبادي باطلاق رصاصة الحرب الاولى ، بل ذهب الامر ببعض نشاط الفيسبوك من اطلاق صفة المتخاذل على رئيس الوزراء الرجل لانه قال :" لن نستخدم جيشنا ضد شعبنا أو نخوض حربا ضد مواطنينا الكرد وغيرهم " .هناك من لا يريد للغة السلام ان تسود ويصر على اشاعة لغة العنف والدماء ومصطلح " الفقاعات " .

ايها السادة دعاة " بيان رقم واحد " ، ليس هناك ما هو أعظم من رجال المصالحات. الثأر مرض لاشفاء له. العراق في حاجة إلى مسؤول بحجم مانديلا والاسباني سواريث ، وليس إلى محارب من وزن المالكي والبرزاني ، إلى رجال فوق الحزبيات وشهوات سرقة المال العام وتصفية الحسابات المنفعية ، واستبدال الوطن بخطاب الطائفية والقومية .

  كتب بتأريخ :  الجمعة 13-10-2017     عدد القراء :  2472       عدد التعليقات : 0