الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
تعديل الدستور ضمان الحل الشامل في الفيدرالية العراقية

لا وجود لشيء في بلادنا يجري الحديث حوله بمختلف اللهجات، الحادة والمنفعلة، غير قضية كردستان والاستفتاء حول انفصالها او استقلالها عن الدولة العراقية الاتحادية، خالقا اجواء سياسية -اجتماعية- عسكرية مشحونة ومتوترة حول الحقوق العامة والخاصة، مما ينذر بهزيمة وسائل الحوار الديمقراطي وقيام منازعات السيوف الضعيفة.

قرأتُ، ذات يوم، من ايام الماضي، قولا محددا ذا معنى غير محدد، ملخصه: (ان الاسلحة القديمة لا بد ان تفسد مع توالي الايام، فلا بد من تجديد صناعة الاسلحة بين آونة واخرى).

لا ادري هل ينطبق هذا القول على الافكار الاعلامية وعلى القضايا السياسية ايضاً، ام أنه لا ينطبق؟ هل ينطبق على النموذج العراقي؟

بصراحة: انني استطيع رؤية انطباق هذا القول في جميع القضايا الانسانية والعقلية والانتاجية، المادية العمومية والاستهلاكية الفردية، في العالم الرأسمالي الغربي المعاصر. الافكار الاعلامية والقضايا السياسية تتغير وتتبدل وتتجدد كل يوم، تماما مثلما يرى كل انسان تجديدا في كل مقالة ادبية نقدية او قصة او رواية او مسرحية، او في اغنية او فيلم سينمائي من المعروض بغزارة، امام عينيه.

في كل عمل ادبي او فني يجد المواطن في الغرب هروبا من القديم وتطلعا الى الحداثة والتجديد. هكذا فعل دانتي وفرجينيا وولف ودستويفسكي والبير كامو وصولا الى الكاتب الامريكي المعاصر دان براون.

ترى هل يمكن الهروب من تعقيدات القضية الكردية في الدولة العراقية الفيدرالية؟ هل يمكن الهروب من قطار الدولة العراقية الاتحادية البطيء، الشديد الحرارة؟ هل يمكن التحرك في بلادنا المتعبة نحو الامام على الطريقة الفرنسية سواء في قطار او مترو سريع الحركة ومكيف الاجواء؟

حاولت مع نفسي ان استخلص فكرة او افكارا عن الفرق بين (الهروب من الواقع) أو(السفر السياحي) الى رؤية مستقبل اقل ضوضاء وصراعا مع الآخر.

الهروب من الواقع العراقي الحالي هو عملية غامضة في اكثر الاحيان لأنه نوع من هروب لا ضمان في الوقاية من مستقبل مشابه للحاضر، او ربما اتعس منه، تماما كما هو حال الادب العالمي الذي دفع الكثير من عباقرته الى الهروب من واقعهم حالمين ليس بـ(العيش السعيد) بل بـ(الموت السعيد) امثال البريطانية فرجينيا وولف 1882 – 1949 والامريكية سيلفيا بلاث 1932 – 1961 والروسي مايكوفسكي 1891 – 1930 والامريكي همنغواي 1899 – 1961 والياباني يوكو ميشيما 1925 – 1970 واللبناني الشيوعي خليل حاوي 1919 – 1982 وغيرهم من الذين التزموا بذاتهم حين وجدوا ان الدولة وحكامها غير ملتزمين بالشعب. هربوا من دنيا فيها تركيبات قانونية متناقضة وفيها اختلافات كثيرة بين الاخلاق والدين واساليب السلوك الاجتماعي .

العالم كله هرب من الفاشية بعد نهاية الدولة الهتلرية عام 1945 لكن العالم، نفسه، ظل حتى الآن يعاني من تصلبات فاشية كثيرة في دول اوربية متقدمة مدنيتها وحضارتها، وفي امريكا وفي العالم كله. في بلادنا، بلاد الرافدين من زاخو حتى الفاو، تشكلت تصلبات فاشية جديدة النوع، شديدة وخطيرة كان ذلك في دولة صدام حسين وفي الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش). بسبب ذلك لم نتخلص، بعدُ، من الحركات التحطيمية حتى مع وجود مسميات (دولة الديمقراطية العراقية) المولودة في دستور عام 2005 . النتائج التحطيمية واجهت شعبنا العراقي، كله، بما فيها معاناة شعب كردستان والاقوام الاشورية والتركمانية والايزيدية وغيرها من اتباع ديانات ومذاهب اخرى.

لذلك يمكن القول ان (الهروب من الواقع) قد لا يقود الى ابداع حياة سياسية جديدة، كما كان يحلم بها الشعب العراقي كله. خلال الفترة ما بعد 9 نيسان عام 2003 توهم المواطن العراقي انه صار في إمكانه ان ينام كفارسٍ فوق حصانه، لكنه سرعان ما اكتشف حقيقة أن ليس في إمكانه ضمان وصول حصانه الى مكان آمن وسعيد.

صاغ بعض العراقيين - وهم ركوبا على احصنتهم - دستورا بعبارات مختلطة، سريعة وناقصة ومبهمة، لبناء دولة النظام الجديد سميت (الدولة الاتحادية الديمقراطية الحرة) لكنها لم تخلص قادة السياسة العراقية من التفكير، كل يوم، وفي كل قضية، من خط الهروب من الواقع الصعب.. لم تواجه الحكومات المتتالية، بدءا من حكومة بول بريمر المؤقتة حتى حكومة الدكتور حيدر العبادي، المجرى المظلم لمسيرة الدولة الدستورية الجديدة، التي لم تقدم لصبر الجماهير العراقية من زاخو حتى الفاو أي نوع من انواع الكمون..! صار الشعب العراقي يعيش في ظل تكهنات وصراعات وانكسارات وانواع التربصات محمية ببرلمان لا يجيد السير وسط احجار صلبة وفي ظل عقول سطحية جامدة ليست رصينة ظلت تشتغل بخطوات عشائرية بأخلاقية اقطاعية، لم تجنب الشعوب العراقية، كلها، من الوقوع بحفر سوداء لم يستطع فيها المواطنون، حتى الآن، معرفة الفرق بين الجذور والاغصان في الانظمة الانتخابية بممارساتهم كل اربعة اعوام إذ لم يميزوا بعملياتهم الانتخابية بين النبلاء وعامة الشعب، بين النزيهين والناهبين، بين الساعين من وراء البرلمان الى الغنى والثراء وبين المدافعين الحقيقيين عن الفقراء. كانت تجارب 14 عاما مرورا خطيرا ضيقا في مسارات التحالف السياسي، في الانتخابات النيابية، في كشوفات الفساد المالي والاداري، في تزوير اصفار كل البدايات والنهايات الرقمية، في ميزانيات الدولة السنوية، في السلطة المركزية الاتحادية وفي السلطات المحلية في المحافظات.

غرور اغلب القادة في الدولة العراقية وفي البرلمان الاتحادي وفي البرلمان الكردستاني وجهلهم لم يدفعهم إلى رؤية واستخلاص ما جرى ويجري في تجارب بلدان العالم الديمقراطية، وفي تجارب انظمة حكومات دول اتحادية سبقتنا في بناء وتطوير النظام الفيدرالي والاطلاع والاستفادة من خبرات علمية وتجريبية في بناء (دولة مؤسسية) وضعت وتضع آلياتها، كلها، بمعناها الاجتماعي في رفع مستوى حياة المواطنين وفي مسرى السلوك الحضاري بهوية المواطنة المتساوية بما ليس فيها اسبقية الا للقانون والعدالة والحضارة والمدنية.

كان المفترض برجال القانون في العراق وفي الحكام ان يدرسوا خلال السنوات الاربع عشرة الماضية تجارب وافكار وتطبيقات الدستوريين والقانونيين في ابرز البلدان الفيدرالية العالمية مثل امريكا والمانيا وبريطانيا والهند وغيرهم من الذين قدموا ويقدمون خلاصات دراسية – علمية ناتجة عن الصراع بين (المركزي) و(اللامركزي)، بين قرارات السلطة المركزية الاتحادية والسلطات الفيدرالية المرتبطة بها، بما في ذلك دراسة الجوانب النظرية والعملية في واقعية بلدان الاتحادات الفيدرالية في مختلف انحاء العالم، كذلك دراسة الجوانب النظرية الفلسفية في مسيرة تطور وعثرات انواع العلاقات السلبية والايجابية في الاتحادات الفيدرالية العالمية في 24 بلدا من بلدان العالم، ومواكبة بناء اسسها القانونية والاجتماعية، التي قامت عليها هذه النظم وصعوبات الظروف المعاصرة في تشكيلاتها وافعالها.

مما يؤسف له ان (صناع الارادة الاتحادية العامة) في بغداد و(صناع الارادة الفيدرالية) في اربيل لم يكونوا، جميعهم، في مستوى الحكم الاتحادي.. لم يكونوا في مستوى الثقافة الفيدرالية إلاّ بالنسبية العادية.. لم يكونوا متابعين ومتفهمين لصراع يمكن ان ينشأ بشكل يومي، حتمي وميكانيكي، خاصة في بلد مثل العراق يريد الانتقال من مستوى دولة تهدمت اغلب أركان مؤسساتها بآلاف الأخطاء من المحتلين الامريكان ومن سياساتهم التفريقية، كما صرحت الوزيرة الامريكية كونداليزا رايس، بينما كان الديمقراطيون العراقيون يتطلعون الى بناء دولة اتحادية مشتركة، اريد لها ان تكون متقاربة ولو بأدنى المستويات مع السواد الاعظم من دول الديمقراطيات الغربية، خاصة بعد ان تفككت وانحلت دول فيدرالية – اشتراكية في الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا ودول اخرى في شرق اوربا.

نشأ في العراق اقليم كردستان بقصد تعزيز كيانه الفيدرالي بعد نيسان عام 2003 بينما كان في طور التجريب الصعب خلال عقد من الزمان الصعب بعد انتصار انتفاضة عام 1991 من القرن الماضي.

كما نشأت في بغداد سلطة مركزية ذات تكوين اتحادي، مادي ومعنوي، بعد صدور دستور عام 2005 لكن اغلب قادة السلطتين في (المركز) و(الاقليم) لم يكونوا مالكي رؤية كاملة، متميزة، للواقع الاقتصادي والجغرافي، الذي يربط بين مصالح ابناء الشعب في (المركز) وفي (الاقليم)، بل يمكن القول ان النظرية التعاقدية في الدستور العراقي اصبحت مفهوماً ملموساً للعقد الذاتي وليس للعقد الاجتماعي، مما جعل الاصل السياسي في (المركز) و(الاقليم) يقوم على الالتزامات الفردية التعاقدية بين رئيس السلطة الاتحادية ورئيس السلطة في الاقليم الكردستاني، ضيعت العلاقة بين الوطن والمواطن، بين الدولة ومؤسساتها ايضا .

لم تبادر لا الحكومة المركزية ولا حكومة الاقليم ولا احزابهما في النظر الى الصورة الفيدرالية نظرة عراقية متكاملة، ولم يدرسوا العوامل المؤثرة في واقع ومستقبل تطور الاساليب الفيدرالية ولا في واقع ومستقبل الشعوب الاتحادية داخلها.

هذان التشكيلان بنيا نفسيهما على اسس متخلفة جدا برغم انهما حملا نسبهما بالديمقراطية وصلتهما بماض نضالي مشترك ضد الدكتاتورية، وهو ماض لم يستطع اسقاط نظام صدام حسين بغير صواريخ الحرب الامريكية – البريطانية. ثم ظل التشكيلان غير فاهمين معنى (الشراكة) النضالية الجديدة في العملية السياسية الجديدة لبناء دولة جديدة، خاصة في ظل دستور ناقص وبغيض. لم يعرف قادة التشكيلين على ان جميع الدول المتقدمة حققت نجاحاتها الادارية بنفس اساليب ( ادارة شركة متعددة الجنسية) من تلك الشركات التي تتطور، الان، تطورا مذهلا في كل بلد من بلدان العالم الرأسمالي، خاصة في اوربا وامريكا، تلتقي جميعها في طريق مختصر لضمان مصالحها، بينما اتخذ قادة المركز في بغداد والاقليم في اربيل شكل الشركات الاحتكارية الكبرى المتصارعة حول مصالحها الخاصة، التي ادت بمثيلاتها الاوربية في التاريخ الحديث خلال القرن العشرين الى حربين عالميتين والى حروب فرعية اخرى راح ضحيتها عشرات الملايين من الناس.

سادت خلال 14 عاما اختلافات بين المركزية واللامركزية شملت قضايا اللغة الديمقراطية المتبادلة بين الاطراف المتعددة القومية والدينية والمذهبية.. لم تتوحد جهود قادة الدولة واحزابها في العادات والتقاليد والثقافة وتعزيز التجاور الثقافي والجغرافي، خاصة في كركوك وفي اماكن سموها اماكن او مناطق متنازعا عليها .

ظل الشعور الوطني والوجدان الاخلاقي في هذه المناطق بندا متوترا في المادة 140 من الدستور.. كانت مادة من نوع تتراجع فيه الى وراء،كل يوم ولا تتقدم فيه الى امام، مما ادى الى تراجعات اخرى كثيرة اكثرها تأثيرا كان بعد حزيران عام 2014 حين احتلت قوات (داعش) محافظة نينوى متوغلة الى انحاء اخرى في ما حواليها.

هذا الواقع انفرد منه وله وعنه كيانات سياسية داخل الدولة وخارجها.. تكتلات غير متجانسة، غير متآلفة. وبدلا من اتجاه القادة الحاكمين في المركزية ببغداد واللامركزية في اربيل وفي المحافظات نحو ترصين المواقع الاتحادية، فأن الفرقة اتسعت في (الشراكة التعددية ) الحاكمة حتى بلغ الخلاف اعلى مراحله بين نظام الاتحاد المركزي والادارة الكردستانية قبيل وبعيد يوم 25 ايلول، كأن هذا اليوم وليس غيره هو يوم المقاومة والصراع بين حاكمين ومحكومين!

في الحقيقة يمكن نفي قيام الدولة العراقية على اتحاد تعددي يحقق حلم العراقيين عربا واكرادا وتركمانا واشوريين في دولة ديمقراطية مدنية بصيغة علمانية على حطام دولة دكتاتورية منهارة، بل قامت خلال 14 عاما على اتحاد مركزين سلطويين وفقا للدستور العراقي نفسه. الاول في بغداد مركز ثيوقراطي يظن انه، كما قال أفلاطون، يمثل سلطة الله على الحقيقة والارض. والمركز الثاني في اربيل قام على صيغة قومية مكثفة متطلعة الى تأسيس اول دولة كردية بمخططات طموحة في عصر حقوق الانسان، بعد محاولات عديدة سبقتها آخرها في مهاباد الايرانية.

في ايلول عام 2017 كان مقطع واحد من القضية الكردية اسمه (الاستفتاء) قد حرّك انواعا عديدة من الشهوات الطائفية والقومية، حرك انواعا متعددة من التعصب الاجتماعي، المرئي وغير المرئي، سواء في المجتمع الكردي ام في المجتمع العراقي كله. كل مركز من المركزين ظن انه مؤهل اكثر من الاخر في الغلبة بالساحة السياسية. احدهما اصر على انجاز (الاستفتاء الكردي) برغم اعتراض الدول الرأسمالية ومؤسساتها في العالم كله.. الثاني في بغداد اصر هو الاخر جاهدا على رفض (الاستفتاء الكردي) على اعتبار ان كل بلاد العراق وطن واحد لا يجوز تجزئته .

شيء غريب هو ظهور سياسات ومواقف متعددة الجنسية بصلابة في الموقف الدولي -حكومات واحزاب ومنظمات- امتنعت عن تأييد الاستفتاء بدعوى ان موعده لم يحن بعد موعده، وان توقيته ليس مناسبا. في بعض جوانب هذا الموقف قد يحمل نفعا وفي جوانب اخرى قد يكون مضرا. هناك الكثير من الديمقراطيين العراقيين احزابا وافرادا في داخل العراق كانوا يدعون ان من الخير التفكير في تأجيل موعده الى زمان اخر، لكن قيادة الاقليم الكردستاني رفضت بإصرار تمديد او تغيير المسافة الزمنية .. بهذا سكتت كل القوانين في اقليم كردستان بعد ان تعطل من قبل لمدة عامين سكوت السلطة التشريعية الكردستانية.

يمكن ان يكون هذا الظهور السياسي الغريب لا يحمل في بعض جوانبه خيرا، وقد يشجع و يجر الدولة العراقية الى حرب اهلية قائمة على مصالح خاصة وعلى حسد خاص وعلى تنازع اشخاص او قيادات ينقصها الوعي بإتقان الوظيفة والتجربة والكفاءة في ادارة اعمال الدولة العراقية الفيدرالية.

غابت في هذه الايام عدالة اللجوء الى القوانين والدستور. كما غابت عقلية المساواة البسيطة بين المواطنين العراقيين من العرب والكرد والتركمان والاشوريين وسواهم من اتباع ديانات ومذاهب اخرى في مراقبة وتعديل الاصلاح الحقيقي التدريجي السلمي للديمقراطية العراقية المنحرفة وضرورة تحديد وتجديد قوانين الشراكة المتعددة الاشكال كي يستعيد العراق نفسه واتحاده على اساس دستور معدل جديد.

اليوم بعد استفتاء 25 ايلول ونتائجه الرقمية يواجه الجميع سؤال كبير: كيف يمكن التوفيق بين النتائج الاحصائية للاستفتاء وبين ثلاثة ارادات عمومية:

ارادة الشعب الكردي.

ارادة الشعب العراقي.

ارادة الدول الصديقة، العالمية والمجاورة.

من البديهي ان النية الاولى، النية الاكبر، ينبغي ان تكون مكرسة لجمع الإرادات الثلاثة بهدف تحقيق التوازن العقلي في الدولة الاتحادية حيث لا يمكن ان يتم ذلك إلاّ بتجديد التفكير التشريعي للتوجه نحو القيام بمهام استثنائية على وفق تأملات كردية -عربية- عالمية غزيرة في العلم السياسي وبارعة في العلم الاداري تساعد على انهاض حجم كبير من التحليلات الماهرة لحسابات صعبة نوعا ما امام القضية الاتحادية العراقية بمجملها، حيث تبرز النقطة المركزية الأولى بالحل في تعديل الدستور تعديلا ديمقراطياً جوهريا. .

ليس من الضروري اتخاذ قرارات او اجراءات انفعالية متسرعة، لكن من الضروري جدا ان يتجه الجميع، في المركز الاتحادي وفي الاقليم، بسلسلة من الافكار الواضحة الناجمة عن تجارب بلادنا وتجارب البلدان الفيدرالية الاخرى. كما ينبغي الابتعاد عن اساليب التصريحات التلفزيونية المشوشة والالتزام بأكثر وسائل التعبير عقلانية و كلفة، من اجل ايجاد الحلول بين (حدّين متطرفين) فالسلم بين هذين الحدين متنوع وممكن.

اول خطوة في اختبار الحلول الصائبة والنافعة هي في اختبار فنون الحاكمين في المركز والاقليم في القدرة على تحديد (النقطة المركزية) التي يبدأ منها الشروع في السير باستقامة نحو المستقبل.

من الضروري تحديد (نقطة واحدة) تمتزج بها قوة وارادة الحكومة الاتحادية، مع قوة وارادة الاقليم .. قوة وارادة عموم الشعب العراقي، مع عموم وارادة الشعب في كردستان، خاصة في ما يتعلق بتطوير المنظور الشعبي المشترك للتمييز بين اشكال الحكم الاتحادي الفيدرالي، بتقسيم مسؤولية الحكومات والمؤسسات، وليس بتقسم الوطن والتاريخ والجغرافيا.

على الجميع ان يتآلفوا لكي تكون الارادة الشعبية العامة هي القانون وان تكون الحكومات المركزية والمحلية مندمجة مع القانون.. بذلك فقط تتوفر الظروف امام المواطنين جميعا ليكونوا مواطنين ليسوا عاديين، بل مواطنين يحكمون انفسهم بأنفسهم.

المطلوب فورا ان ينظر القادة العرب والكرد والتركمان والاشوريون واتباع الديانات والمذاهب الى ضرورة توسيع وتعزيز النظرية الاتحادية والتطبيقات الاتحادية من خلال (النقطة المركزية الواحدة) وهي اليوم نقطة الجميع في صياغة دستور ديمقراطي جديد يضمن بتفاصيل واسعة المصالح المشتركة بين اربيل وبغداد من زاخو حتى الفاو، فالمصالح المشتركة هي اكثر بكثير من المصالح المتنافرة إذا ما تم صياغتها دستورياً.

ان امكانيات الواقع العراقي من زاخو الى الفاو تتميز بمقوماتٍ مشتركة و متعددة، كانت اصيلة في تفاعلاتها خلال المائة عام الماضية. برهن فيها الجميع من ابناء القوميات المختلفة على انهم ناضلوا نضالا مشتركا في تربة واحدة صالحة للعيش المشترك، استطاعوا فيها التغلب على الفرقة والخلاف وعلى التصادم العسكري.

الانتقال الى مرحلة اكثر تقدما في العلاقة الاقتصادية بين بغداد واربيل امر ممكن بعد (الاستفتاء) في حوار متواصل مهما كان عرض طاولته وطول زمانه، بشرط التخلص من المخلفات الثانوية والتركيز على بناء نظام حكم اتحادي فيدرالي او كونفدرالي يقوم على اسس الديمقراطية العلمانية من دون التفرقة بسبب الدين او المذهب او القومية او الميول الحزبية.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 17-10-2017     عدد القراء :  2790       عدد التعليقات : 0