الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
النرجسية المرضية والسادية عِلّتان يتميز بهما حكام الشرق الأوسط..!

الحكام العراقيون لا يختلفون بكثير أو قليل عن حكام الشرق الأوسط، فهم جميعاً ودون استثناء من طينة واحدة عجنت في مضمون العلاقات الإنتاجية السائدة في هذه الدول، بالرغم من التباين النسبي في مستويات تطور القوى المنتجة ووعي الفرد والمجتمع في كل منها. إن هاتين السمتين السلبيتين أو العلتين لا تقتصران على الحكام فحسب، بل وعلى الغالبية العظمى من السياسيين، إن لم نقل جميع الأشخاص الذين يحترفون السياسة ويعملون ضمن أحزاب سياسية أو على رأس عشائرهم. والحكام العراقيون يقدمون نموذجاً صارخاً لكل الحكام في هذه المنطقة المشحونة بالتوترات والنزاعات والحروب والمليئة بالمشكلات المعقدة المرتبطة عضوياً بما في هذه المنطقة من خامات أولية وتعدد في القوميات والديانات والمذاهب وما رسم لها من حدود بين الدول بعد الحرب العالمية الأولى والمستمرة حتى الآن.

تشير المعطيات التاريخية إلى أن أغلب الحكام العراقيين الذين تميزوا بالنرجسية المرضية أو النرجسية والسادية في الحكم انتهوا بقتلهم بصيغ مختلفة على أيدي منافسيهم الذين لم يختلفوا عنهم بذات السمات السلبية. والحاكم الوحيد الذي مات بشكل طبيعي ولم يكن يحمل السمتين هو عبد الرحمن محمد عارف. فمنهم من قتل أو أعدم علناً، ومنهم من قتل بطريقة غامضة، ومنهم من دس له السم الزعاف فمات بشكل تدريجي، ومنهم من ينتظر.

لا اتحدث هنا عن عبد السلام محمد عارف، ولا عن أحمد حسن البكر، ولا عن صدام حسين، ولا على الزعانف التي كانت معه ومارست نهجه وأصيبت بعلاته، فهم كانوا معروفين بما يعانونه من علل لم تساهم بموتهم فحسب، بل وبتدمير العراق، بل أتحدث هنا عن رئيس الوزراء العراقي السابق، الذي ما يزال يحتل مركز نائب رئيس الجمهورية والمرشح لرئاسة التحالف الوطني للبيت الشيعي العراقي، والطامع في رئاسة وزراء جديدة ليكمل ما ساهم بتدميره بالعراق وصب الزيت المزيد منه على نار الطائفية والتمييز خلال فترة حكمه والتي كان قد مارسها رئيس الوزراء الذي سبقه في الحكم. هذا الرجل يشارك في سماته وعلله النفسية مع أغلب حكام المنطقة الذين يعانون من العلل النفسية والاجتماعية ذاتها والتي تبرز بشكل صارخ في اختلال علاقاتهم مع المجتمع ومع القوى والأحزاب الأخرى أو مع أتباع القوميات والديانات والمذاهب الأخرى ومع العالم. فالنرجسية نجدها بهذا القدر أو ذاك لدى جميع البشر، ولكن صاحبنا مصاب بالنرجسية الخبيثة Malignant narcissism التي تجلت بنهجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي، حيث عمت الرثاثة والخراب والنهب والسلب لأموال العباد والتخريب في كل أنحاء البلاد، وهو ما يزال من منصبه الجديد يمارس ذات الخباثة النفسية في نهجه وممارساته اليومية. ومثل هذا الشخص لا يمكن ولا يجوز له أن يبقى في السلطة أو في أي موقع عام، بل لا بد من حجزه والحجر عليه ووضعه في مصحة للعلاج النفسي مدى الحياة، لأن وجوده طليقاً يؤدي إلى عواقب وخيمة على المجتمع، خاصة وأنه في مجتمع وفي دولة هشة وفي محيط حكومي وإعلامي يساعد في تعجيل تحول الحالة النرجسية إلى نرجسية مرضية خبيثة وإلى سادية مفرطة واستبداد مريع، ولاسيما لمن له الاستعداد الذاتي على ذلك. لم يكن رئيس الوزراء السابق بهذه السمات خلال وجوده في المعارضة، كما يشير إلى ذلك أكثر الناس معرفة به، إلا إن الحكم وتلك المجموعة من الانتهازيين والطبالين والمرتزقة هم الذي ساهموا في النفخ بصورته المشوهة وحولوه تدريجياً إلى شخصية مصابة بالنرجسية الخبيثة والفساد الفكري والسياسي والاستبداد. فأحد أعضاء حزبه، وهو يدرك علل رئيسه، ولكي يتقرب منه، أكد في مقابلة صحفية "إذا مات المالكي نستنسخ من خلاياه مالكي أخر.." ليؤكد إخلاصه له، ولكي يواصل إرهاب القوى الأخرى، وهو الذي تسبب في سقوط الموصل بأيدي عصابات الرذيلة والإجرام والتكفير، عصابات داعش. من يرغب أن يتعرف على هذه العلل التي يعاني منها هذا الرجل عليه أن يقرأ في كتب علم النفس، لاسيما علم النفس الاجتماعي ليجد من يغنيه.          

ولكن الغريب بالأمر أن هذا الرجل الذي تسبب في سقوط الموصل وعموم نينوى، وقبل ذك الأنبار وصلاح الدين وغيرها، والذي فرط بمئات المليارات من الدولارات الأمريكية من خزينة الدول العراقية، والذي أخضع القضاء العراقي لإرادته السياسية، والذي اعتقل ووضع بالسجن نائب محافظ البنك المركزي العراقي وعدداً من الموظفين والموظفات، وفلت من الاعتقال محافظ البنك المركزي، ثم أفرج عنهم وعين نائب المحافظ من جهاز القضاء نفسه ثم عين مستشاراً لرئيس الوزراء الجديد، والذي وضع جميع الهيئات المستقلة في خدمته الشخصية ومارس التجاوز الفظ عل الدستور، كما في سلوكه مع مفوضية الانتخابات "المستقلة!"، ما زال هذا الرجل ليس طليقاً فحسب، بل ويحتل واحداً من أعلى المناصب التنفيذية بالدولة العراقية ليمارس من خلاله ما يمكنه لإشعال الفتنة بالعراق ومواصلة الفساد والتعتيم على الفاسدين وعلى الملفات التي كان يتحدث عنها بأنه لو فتحها لزكمت الفضائح أنوف العراقيين والعراقيات!  

ولو تابعنا اليوم ما يمارسه تلفزيون العراقية لوجدنا جمهرة من العامين فيه والمسؤولين عنه يعملون بالنهج ذاته وبثبات انتهازي صارم مع رئيس الوزراء الجديد في محاولة منهم للنفخ في صورته وجلب من يمدح به ولا يتعب، وهو الأسلوب البائس الذي من شأنه أن يمارس التأثير ذاته عليه، كما حصل مع من سبقه، وهو الأمر الذي يبدو صارخاً في هذه الفترة. وهو نفس السياسة التي مارسها بعض المستشارين والسياسيين بالإقليم مع رئيس الإقليم، دون أن يكونوا صريحين معه فيما يفترض أن يقولوه له.

في لقاء مع أحد كبار المسؤولين الكرد سألني عن الوضع بالإقليم، أجبته بصراحة تامة وبوجود السكرتير الشخصي، بأن الوضع غير جيد وأن الكثير من الناس غير مرتاحين من الوضع والسياسة ومن انتشار الفساد، كما إن مستشاريه ومن حوله، بمن فيهم السكرتير الذي هو الآن معنا، لا ينقلون لك ما يجري بالإقليم، بل ينقلون لك ما يطيب خاطرك ويريحك، وفي الغالب ما تريد أن تسمعه. وأن شئت الحقيقة فليس لك إلا أن تذهب إلى الناس لتسمع منهم ما يريدون قوله لك وبصراحتهم المعهودة. ولم يحصل ما كان يفترض أن يحصل!

إن واجب ومسؤولية رئيس وزراء العراق أن لا يبدأ بالحيتان الصغيرة التي التهمت فتات الموائد، بل عليه أن يبدأ بالقيادات التي نشرت الفساد وأفسدت الناس وسمحت لهم بشراء العمارات في بريطانيا وفنلندا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وغيرها وأن يملأوا حساباتهم بالسحت الحرام، وأن ينتهي بالحيتان الصغيرة. عند ذاك يقتنع الناس بأنه يسعى إلى البدء الفعلي بمحاربة الفساد!! وأول الفساد الذي يجلب محاربته وفيه تجاوز فظ على الدستور هي المحاصصة الطائفية ذاتها التي سمحت لكل أنواع الفساد الأخرى بما فيها الفساد الإداري والاجتماعي والثقافي والبيئي والعسكري أن يسودا بالعراق!!! 

  كتب بتأريخ :  الأحد 03-12-2017     عدد القراء :  2160       عدد التعليقات : 0