الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
دولة يعقوبيان

حتى تكون المهمة سهلة على القارئ، ونفتح له باب الاختيار والمفاضلة بيسر بين المدينتين، ودون مشقة، ولا نحرجه فى اختياراته، نعرض عليه فى سهولة ما يميز مدينتنا الفاضلة عن الأخرى، ولما كان الأمر محسوماً للمدينة الفاضلة، مدينة العلم والحداثة والإنسانية، فنكون قد ذلّلنا له الصعاب، ويسّرنا له الاختيار، واستبعدنا عنه الضيق والحرج. ولأن مساحة المقال لا تحتمل الإثارة أو التطويل أو التشويق، وحتى لا ينصرف القارئ عنا، فسنعدو فى الأمر سريعاً. هاتان مدينتان تقعان على خطوط طول وعرض واحدة، لكنهما متباعدتان بُعد المشرق والمغرب، وبعد الأولين والآخرين، وبعد الزمن أوله وآخره، وبعد الإنسان البدائى والحجرى عن الإنسان العصرى والحالى، وبعد الجاهل عن العالم. مدينتان بين اختيارين، إما اختيار المدينة الأولى الفاضلة، أو اختيار المدينة الثانية الناقصة، والمدينتان يفصل بينهما أزمان وأزمان، كل مدينة وإن كانت على نفس الساعة واليوم والعين، لكنهما مختلفتان فى الشكل، ميادينهما وأزقتهما، شوارعهما وزينتهما، أنوارهما وضوضاؤهما، روادهما وسكانهما، زيهما ولباسهما، سيارات الأحياء وسيارات الأموات، بيوتهما العامرة وقبورهما الخاوية، مدارسهما ومبانيهما، كل مدينة تعيش على خط، وعلى فاصل، تعرف كل مدينة برائحتها وألوانها، وزى نسائها ورجالها. مدينة الدكتور مجدى يعقوب العالم المدينة الأولى، للعلوم والطب والأبحاث العلمية والتكنولوجيا والعلماء. ومدينة الشيخ حسين يعقوب الثانية لزواج القاصرات، وسبى النساء الأسيرات، وقتال الكفر أينما حل ووُجد. مدينة مجدى يعقوب العالم لعلوم المستقبل، والأبحاث، والغد، ونقل الأعضاء وزراعتها. والمدينة الثانية لحسين يعقوب الشيخ لعلوم الماضى، وتراث الأجداد، والأنتيكات التاريخية، والكتب الصفراء والحمراء، وقراءة الطالع وفتح المندل وضرب الودع، والتداوى ببول الإبل، ودراسة تحريم نقل الأعضاء ودفنها سليمة مع الأموات، وغسيل الأموات. مدينة مجدى يعقوب العالم، تتخطى الفواصل والمسافات، لا ترى فرقاً بين الأوطان، الإنسان هو الإنسان، حقه فى الحياة مهما اختلف اللون أو الجنس أو العمر أو الأديان، تسافر فى كل الدنيا، تداوى كل المرضى وكل الآهات، من أطفال إثيوبيا وأفريقيا، من مسلم ومسيحى ويهودى، غنى وفقير، رجل وامرأة، إلى أوروبا، لا ينظر إلى دينه أو جنسه أو لونه، العلم لكل الناس، يصلح القلوب للأطفال وللكبار، ينقل القلوب فى دعة ومحبة، ويبتسم فى وجوه الأطفال، ثم يعود فى خير وسلام. ومدينة حسين يعقوب الشيخ ترى الفارق كبيراً، بين بلاد الكفر وبلاد الإيمان، فلا دم يتساوى مع دم المسلم، ولا حق فى الحياة يسبق حقه، والأصل فى غير المسلم، أن لا حق له فى العلاج أو فى البقاء، وما جاءت هذه النفوس إلى الدنيا إلا لقتلها، فإذا مرضت واعتلّت، فإن حظه ونصيبه وحكمه فى الموت قد جاء، وإلا يقتل أو يدفع جزيته، أو يعلن إسلامه، حتى لو كان نفاقاً. مدينة مجدى يعقوب العالم، أسواقها لبيع التكنولوجيا، والورقة والقلم، والموسيقى والفن، والدواء والعلاج، ومدينة حسين يعقوب الشيخ تبيع الأسيرات والسبايا والعبيد من الغلمان، فهذا يبيع العلم فى أسواقه، وهذا يبيع الإنسان. مدينة يعقوب العالم تزف البشرى للإنسان عن رفع الآلام، ونجاح العلم فى نقل الأعضاء، وإطالة الأعمار، والتحكم فى الجينات الوراثية فى الذكاء والجمال والخير والشر، سيكون المولود يوماً بالطلب، طويلاً أو قصيراً، أصفر أو أسمر، لون العينين، طول القدمين، وطويل النظر، قصير اللسان، وافر الذكاء. مدينة يعقوب الشيخ، هذا كله حرام وتعديل فى خلق الله، ما جاءنا ناقصاً لا نستكمله، وما جاءنا مريضاً عليلاً فلا نشفيه، فرب الخلق يرجوه وينتظره، ومن جاء على دمامته لا نغيره ولا نحسّنه، ومن جاء بعِلة فلا نجاة منها، ومن جاءنا بعاهة يظل أسيرها طوال العمر، حتى يحمد السليم ربه على نعمة سلبها غيره. هذه مدينة الله، يؤتى العلم فيها من يشاء، يسعد به الناس ويشفى به العليل، غايتها راحة البشر جميعاً، لا تفرق بين دين أو لغة أو جنس. كل الناس خلق الله وعياله. والأخرى مدينة، يتربع أصحابها وسكانها على كرسى الأنانية والنرجسية، أشداء على غيرهم لا يعرفون طريقاً للرحمة سواهم، ولا يرون سوى أبناء دينهم، ويغلقون باب الرحمة والعدل عن غيرهم. الأولى تنام قريرة العين مطمئنة راضية، أما المدينة الثانية، فلا تنام، تسهر الليل تستغفر ربها من آثام النهار.

لا أظن أن عاقلاً واحداً ورشيداً فى حكمه، سيختار أن يعيش فى المدينة الثانية، ويترك مدينة العلوم والفنون، سوى المتطرفين والمهابيل ومهاويس أجساد النساء، ولا أظن أن أباً من الآباء، أو أماً من الأمهات العاقلات، ستقر عيونهم وتسعد وتطمئن على الأبناء، إذا وقع اختيار الابن على تلك المدينة الغائبة عن ركب الحضارة، والراكبة ركب التخلف. وسيسعد الآباء والأبناء إذا لحق الأولاد بمدن القمة، يخرج الابن عالماً طيباً إنساناً يحب البشرية كلها، بلا تفرقة على أساس اللون أو الدين أو العرق أو الجنس. دلونى على أب أو أم يتمنى لولده أن يلتحق بالمدينة البائسة، ويترك مدينة مجدى يعقوب الفاضلة؟ دلونى على هذا المعتوه الذى يطرق أبواب هذه المدينة الناقصة إلا إذا كان قليل البخت والعقل، فاقد الأهلية والحكم الرشيد، أو كان ذا عاهة عقلية تثنيه عن طريق الله، والخير والرحمة بعباد الله، فليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يُرى، هكذا يجب أن يكون سعى الإنسان، التسابق فى الخيرات، هذه هى المدينة الفاضلة، وهذا هو الإنسان حافظ عهد الله فى الخير والحب والسلام، حتى لو كان بلا دين أو وطن أو عنوان.

adelnoman52@yahoo.com

"الوطن" القاهرية

  كتب بتأريخ :  الجمعة 22-12-2017     عدد القراء :  2781       عدد التعليقات : 0