الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الأوضاع القائمة بمحافظة نينوى وتلكؤ معالجتها والعوامل الكامنة وراء ذلك! 5-6

المشكلات العشائرية والتقاليد البالية والمشكلات القومية

** منذ الثمانينيات من القرن العشرين بدأت الأجواء العشائرية تنتعش بالعراق بفعل سلوك رئيس الدولة حينذاك الدكتاتور صدام حسين، وسعيه لتوظيفها لصالح حروبه وتجنيد المزيد من أبناء العشائر لتلك الحروب وفي قواته الأمنية. ولكنها تفاقمت في أعقاب سقوط النظام البعثي واحتلال العراق وفرض النظام الطائفي والأثني والعشائري على البلاد. وزاد في الطين بلة رثاثة الفئة الحاكمة ونهجها وسياساتها في تنشيط الجو العشائري وربطه بالدين وشيوخه وأحزابه المشوهة وبالملالي الذين يمارسون الدعاية الدينية بين أبناء العشائر، سواء أكان ذلك بالمدن أو في القرى والأرياف. ويمكن أن يتابع القاري والقارئة هذه الحقيقة فيما حصل مع الاجتياح الداعشي للموصل ومحافظة نينوى والاعتداءات على المسيحيين والإيزيديين والشبك والتركمان والشيعة، ثم ما حصل للسنة من أهل الموصل أيضاً، إضافة إلى التحاق جمهرة غير قليلة من أبناء هذه العشيرة أو تلك بعصابات داعش وتقديم فروض الطاعة "للخليفة النكرة ابي بكر البغدادي"، ونشوء قتلى وثارات بين الناس واعتداء جيران على جيرانهم...الخ، مما يجعل استعادة الصفاء المطلوب بين سكان مدينة الموصل وضواحيها وأقضية ونواحي محافظة نينوى، ومحافظات أخرى، عملية غير سهلة في ظل الجهل والأمية والتخلف الفكري والطائفية السائدة والفساد وانتشار السلاح في كل بيت. ومن هنا يستوجب أن تكون هناك قدرات كبيرة لحكومة ديمقراطية تستطيع استعادة العلاقات بين البشر، إلا إن مثل هذه الحكومة غير متوفرة حالياً. وهي من الإشكاليات الكبيرة التي تواجه المجتمع بالموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى والحويجة وتلعفر وغيرها من المدن التي تعرضت لاحتلال داعش، إضافة إلى المشكلات العشائرية الأخرى في المحافظات الجنوبية ومنها على سبيل لا الحصر المشكلات العشائرية الملتهبة بالبصرة والسلوك العشائري العام بالبلاد.

** كما أن عدم حل المشكلات المعقدة في المناطق المتنازع عليها قاد عملياً إلى نشوب صراعات إضافية ودفع بإجراء استفتاء بإقليم كردستان العراق وبالمناطق المتنازع عليها، مما ساعد تفاقم الخلافات وفرض سيطرة قوات الحكومة الاتحادية على أغلب المناطق المنازع عليها، ومنها كركوك وبعض مناطق نينوى وديالى، والتي يمكن أن تتفاقم مما لم تتوفر حلول عملية، وما لم تتوفر النية الصادقة لدى جميع الأطراف في معالجة هذه المسائل بروح ديمقراطية سلمية وتفاوضية بعيدة عن التهديدات واستخدام السلاح استناداً إلى المادة 140 من الدستور العراقي. ونتيجة لكل ذلك توترت بشكل غير معقول العلاقة بين الحكومتين وبدأ حصار سياسي واقتصادي من الحكومة الاتحادية غير عادل ضد الشعب الكردي، والذي يفترض أن يرفع مباشرة، ولاسيما وأن الحرب ضد داعش لم يتنته بعد فكرياً وسياسياً وخلايا نائمة وجاهزة. (أنظر: نص الدستور العراقي الدائم الذي صوت عليه في 15 تشرين الأول 2005، موقع حكومة إقليم كردستان، المادة 140 من الدستور).

لقد اتخذ مجلس النواب العراقي في 26 أيلول/سبتمبر 2016 قراراً يقضي بإبقاء محافظة نينوى على ما كانت عليه من تقسيمات إدارية في العام 2003، (أنظر: دعاء سويدان، سباق ما بعد الموصل: خرائط التقسيم حاضرة!، موقع الأخبار، أخذ بتاريخ 25/07/2017). وهو قرار صحيح بغض النظر عن طبيعة مجلس النواب العراقي الحالي. ولكن هذا القرار غير مقبول من جانب حكومة إقليم كردستان، ومن بعض القوى بنينوى أو بعض أتباع الديانات والقوميات الأخرى. لقد طرحت حتى الآن الكثير من المشاريع في كيفية التعامل مع محافظ نينوى بعد أن تحررت من عصابات داعش! فأحدها يقضي بتقسيم نينوى إلى ثماني محافظات. وهو مشروع طرح على الكونغرس الأمريكي، ولم يتخذ به أي قرار كما يبدو حتى الآن، وكأن نينوى إحدى ولايات الولايات المتحدة الأمريكية! وهناك ما يزال المشروع الأمريكي القديم، مشروع جون بايدن في العام 2006، بتقسيم العراق إلى ثلاث أقاليم أو فيدراليات اثنية ودينية ومذهبية. (أنظر: مخطط أمريكي جديد لتقسيم العراق، موقع شبكة خلك الإعلامية، بتاريخ 07/02/2017).

كما إن هناك مشروع إقامة محافظة في سهل نينوى على وفق ما اقترحه المؤتمر الدولي الذي عقد في العام 2017 ببروكسل وبحضور أطراف مسيحية عراقية كثيرة.

** وستكون الكثير من مناطق غرب العراق وشماله وكردستان عرضة لصراع آخر شديد الحساسية والتأثير على العلاقات الإنسانية والاجتماعية، صراع حول محاولات كل طرف من الأطراف، ولاسيما الأطراف القوية والمهيمنة والمالكة لأدوات الضغط وممارسة القوة والعنف في إجراء تغيير ديمغرافي (سكاني) على مناطق بالموصل وسهل نينوى، وبتعبير أدق عموم محافظة نينوى، إضافة إلى المناطق المتنازع عليها والتي تطالب بها رئاسة وحكومة إقليم كردستان. وقد بدأت شكوى من ممارسة هذا النوع من التغيير الديمغرافي الفعلي على أرض الواقع حتى قبل تحقيق الانتصار التام على الداعشيين بالموصل أو بمحافظة نينوى عموماً، بعضها كان من قبل حكومة الإقليم وقوات البيشمركة، وبعضها الآن من قبل الجماعات الشيعية ومنهم جماعات الشبك والتركمان، وبالتعاون مع قوى في الحشد الشعبي، والتي تأتي على حساب العرب الذين سكنوا قبل الاجتياح في هذه المناطق، أو على حساب المسيحيين أو الإيزيديين الذين هم من أصل أهل هذه المناطق. وقد ذكر البحث الذي كتبته الدكتورة أسماء جميل رشيد هذه الظاهرة السلبية ومخاطرها في الفترة القادمة، كما كتب عنها ونشر الكثير من المقالات في وسائل الإعلام العراقية والأجنبية. (أنظر: أسماء جميل رشيد، دكتورة، التداعيات الاجتماعية والنفسية لأزمة الموصل – رؤية استشرافية، مصدر سابق، ص 28-39).

إن التغيير الديمغرافي في هذه المنطقة لا يرتبط فقط بطرد سكانها منها، بل بما حصل من قتل وتشريد ونزوح وتهجير قسريين وصعوبات العودة وتراجع نسب الولادات الجديدة بين عائلات السكان الأصليين لهذه المناطق والتي ستجد تعبيرها في تغيير فعلي في بنية مدينة الموصل أو مناطق أخرى من محافظة نينوى. إن الفترات المنصرمة شهدت تغييرات ديمغرافية واسعة بالعراق لم تكن شرعية، بل كانت تجاوزاً فظاً على سكان تلك المناطق التي وقع عليها التغيير. ويمكن العودة إلى "الموسوعة الإحصائية عن التقسيمات الإدارية في الجمهورية العراقية" للواء الموصل، حسب التسمية السابقة، ولمدينة الموصل ومحافظة نينوى حسب التسمية الراهنة، مثلاً، أو لمدينة ومحافظة كركوك (التأميم في فترة حكم البعث)، أو غيرهما من الألوية في العام 1962، ليجد الإنسان التغييرات الحاصلة على التقسيمات الإدارية الحالية التي فرضتها الحكومات العراقية السابقة. إن البحث في هذه المشكلات يفترض ألّا ينسى الجانب الاقتصادي والمالي الراهن. فالعراق يعاني اليوم من وضع اقتصادي غاية في الصعبة لأسباب عدة جوهرية، هي:

1. غياب النهج الاقتصادي السليم والرؤية الصائبة للمهمات الاقتصادية التي تواجه العراق في المرحلة الراهنة، إذ ليست هناك سياسة اقتصادية عقلانية ولا برمجة اقتصادية تساعد على استخدام عقلي للموارد المالية المتوفرة بالعراق. فالعفوية والعشوائية وغياب الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية هي الماثلة للعيان لكل من يبحث في الشأن الاقتصادي العراقي.

2. سيادة الفساد المالي والإداري كنظام معمول به في الدولة العراقية الهشة وفي سياسات السلطات الثلاث، وبشكل خاص من جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع سكوت مطبق من جانب السلطة القضائية، مما أدى إلى خسارة مئات المليارات من الدولارات عبر عمليات فساد كبيرة جداً اقترنت بسياسات إفساد أمريكية وحكومية عراقية، ولاسيما في فترة حكم نوري المالكي، التي استمرت تسع سنوات عجاف ومريرة وعقيمة، وهي ما تزال سائدة حتى الآن.

3. تراجع أسعار النفط الخام في السوق الدولية وانخفاض إيرادات العراق من صادراته النفطية السنوية، لاسيما وأن العراق يعتمد في نفطه على حسب آخر إشارة وردت من الدكتور مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي والمالي لرئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي، على النحو التالي:

"تهيمن واردات النفط الخام على ترتيب وحركة ثلاثة موازين أساسية في الاقتصاد الوطني وهي الحساب الجاري لميزان المدفوعات) أو ما يسمى بالرصيد الاجمالي لميزان المدفوعات، الذي تشكل تدفقات إيرادات النفط فيه نسبة 98 % من اجمالي تدفقات العملة الأجنبية). وكذلك الموازنة العامة الاتحادية اذ تمثل الإيرادات النفطية بما لا يقل عن 92 % من اجمالي الإيرادات السنوية للموازنة العامة. والميزان الاخير هو مساهمة القطاع النفطي في مكونات الناتج المحلي الاجمالي الذي يتراوح بين 46 – 50 % من تركيب ذلك الناتج. في حين لم تزد الإيرادات غير النفطية في تقديرات الموازنة العامة لسنة 2017 على 8 ترليون دينار، منها) 5,7 ترليون دينار هي الحصيلة الضريبية منها: (4) ترليون دينار ضرائب مباشرة عن دخل الملكية (1,7) ترليون دينار ضرائب غير مباشرة كالجمارك وغيرها. إذا ما استثنينا المورد النفطي من الموازين الثلاثة المذكورة آنفاً، فإن البلاد ستنصرف الى عجز ثلاثي مركب يصعب تفكيكه في المدة القصيرة بسبب ضيق التنوع في مصادر الدخل الوطني". (أنظر: مظهر محمد صالح، دكتور، التعزيز المالي للعراق: رؤية للأعوام 2018 – 2020، موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، بتاريخ 03/08/2017).

ولا بد هنا من الإشارة إلى أن فترة الحكم الطائفي السياسي الحالي قد عمق التشوه في بنية الاقتصاد العراقي والتبعية لاقتصاديات الخارج، ولاسيما لإيران وتركيا.

4. ومما يزيد في الأمر صعوبة هي حرب التحرير الجارية ضد الدواعش التي لم تنته بعد رغم الإعلان عن الانتصار فيها، وسبل معالجة مشكلات النزوح ومصاعب تحقيق إعادة النازحين وارتفاع مديونية العراق الخارجية التي وصلت إلى أرقام عالية تقترب لما كان عليه العراق في فترة حكم الدكتاتور صدام حسين. وأشار الدكتور مظهر محمد صالح في ندوة اقتصادية بصدد الديون ما يلي: "بيّن صالح، أن اتفاقية نادي باريس "اتفاقية معيارية لحل الديون السيادية المترتبة بذمة العراق لـ65 دولة، منها 19 دولة ضمن نادي باريس و46 دولة خارجه". لكنه يقول إن: "الدين الداخلي بعد 2014 ارتفع من 10 مليارات إلى 46 مليار دولار، وبهذا يصبح مجموع الدين بنوعيه الداخلي والخارجي نحو 110 مليارات دولار، ضمنها ديون الخليج المعلقة لغاية نهاية 2016". (أنظر: اقتصاديون: ديون العراق تجاوزت 100 مليار دولار، ندوة معهد التقدم والسياسات الإنمائية، نشر التقرير في موقع العربية، العربية.نت، الأسواق العربية، بتاريخ 21 فبراير/شباط 2017).

وأضاف الخبير الاقتصادي الدكتور ماجد الصوري: "إن العراق سيقترض خلال عام 2017 نحو 17.7 مليار دولار، حسبما جاء في الموازنة العامة للبلاد، ومعنى هذا أن "القروض سترتفع بنحو ملحوظ"، متسائلا عن "قروض إقليم كردستان البالغة نحو 40 مليار دولار، وما إذا كانت ستدخل ضمن الدين العام للعراق؟". (المصدر السابق نفسه). ومنه يتبين مدى المعاناة التي ستواجه الشعب العراقي، ولاسيما النازحون، لا بسبب نقص الموارد المالية وسوء استخدامها فحسب، بل وبسبب النهب والسلب الذي تتعرض له موارد وأموال العراق على صعيد العراق كله، بما في ذلك إقليم كردستان العراق.

ومن هنا تبرز أهمية المقترح القائل بضرورة إشراك مجلس الأمن الدولي بعملة إعمار المناطق التي نُكبت بالدواعش من خلال مشروع دولي على غرار مشروع مارشال الذي أعاد بعد الحرب العالمية الثانية إعادة إعمار ألمانيا وتوفير التوظيفات المالية والخبرة العلمية والفنية والكفاءات الضرورية لإنجاز ذلك.

  كتب بتأريخ :  الخميس 28-12-2017     عدد القراء :  2793       عدد التعليقات : 0