الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مصر طه حسين وعلى عبدالرازق ستعود (7)

وصلنا فى المقال السابق عن أولا: الدين ونحل الشعر (أن العواطف الدينية كالمنافع السياسية، استدعت نحل الشعر والقصص والأخبار، وقد قيل عن الجاهلين تمهيدا للبعثة المحمدية، حتى تقنع العامة أن علماء العرب، وأحبار اليهود، ورهبان النصارى كانوا ينتظرون بعثة نبى عربى من قريش أو مكة، واعتمد القصاص على القرآن فى قول الشعر والأخبار ونسبها إلى الجاهلين، وكانت المنافسة بين قريش والأنصار وبين قريش بعضهم بعضا سببا فى هذا النحل، ففى أيام بنى أمية يجتهد القصاص فى إثبات ما كان لبنى أمية من مجد وسؤدد فى الجاهلية، وأيام العباسيين يجتهد القصاص فى إثبات ما كان لبنى هاشم من مجد وسؤدد فى الجاهلية أيضا، وكان نحل الشعر لدى اليهود والنصارى وبطون قريش قائما كغيرهم من العرب).

ثانيا: الشعوبية ونحل الشعر (الشعوبية حركة ظهرت فى نهاية الحكم الأموى وبداية الحكم العباسى، وترى أنه لا فضل للعرب على غيرهم، بل وصل أنهم فضلوا العجم على العرب). ويرى طه حسين أن هذه الشعوبية قد نحلت أخبارا وأشعارا كثيرة أضافوها للجاهليين والإسلاميين، بل قد اضطروا خصومهم إلى نحل الشعر والأخبار والقصص والإسراف فيه، وكان الفرس المغلوبون من العرب وألد خصومهم وأعدائهم، والذين أضمروا الحقد لهم هم أكثر النحال عن العرب، حتى ما كان من أمر من سبى منهم، واستقر منهم، واستعرب وأتقن العربية واستوطن منهم الأمصار وكون له ذرية وأخذوا يتكلمون العربية، ومازال حقدهم على العرب قائما، بل أتقنوا الشعر ونظموه، وشاركوا العرب أغراضهم الشعرية والسياسية، فكان من هؤلاء الموالى من يعلن تأييده للأمويين فى قصيدة من الشعر، فما أسرع ما يضمه الأمويون إليهم، ولا يعنيهم أكان مخلصا أم مبتغيا الحظوة والزلفى، وكذلك كان يفعل حزب الهاشميين. وهكذا كانت الخصومة العربية تتيح للمغلوبين والموتورين من الموالى أن يتدخلوا فى السياسة العربية، وأن يهجوا أشراف قريش، وينكروا ما شاء لهم النحل على الجاهليين والإسلاميين، كل حسب ظروفه وهواه، ولم يكن هؤلاء الموالى مخلصين للعرب، وإنما كانوا يستغلون هذه الخصومة بين الأحزاب ليعيشوا من جهة، وليخرجوا من الرق من جهة ثانية، ثم ليشفوا ما فى صدورهم من غل، وينفسوا عن أنفسهم ما كانوا يضمرون من ضغينة للعرب من جهة ثالثة.

ثالثا: الرواة ونحل الشعر: والرواة بين اثنين، إما أن يكونوا من العرب فهم متأثرون بما كان يتأثر به العرب، وإما أن يكونوا من الموالى فهم متأثرون بما كان يتأثر به الموالى، ومتأثرون لأسباب أخرى، وهى مجون الرواة وإسرافهم فى اللهو والعبث، وانعزالهم عن أمور الدين وقواعد الأخلاق، وهناك طائفة من الرواة غير هؤلاء وهؤلاء، وهم الأعراب الذين كانوا يرتحل إليهم من البادية رواة الأمصار، يسألونهم عن الشعر الغريب، فهؤلاء الأعراب حين رأوا إلحاح أهل الأمصار على طلب الشعر، ولم يلبثوا أن أحسوا ازدياد حرص الأمصار على هذه البضاعة، فجددوا فى تجارتهم وزادوها، ونحلوا الكثير من غيرهم، بل أبوا أن يظلوا فى باديتهم، ولم لا يهبطون الأمصار يحملون الشعر القريب من النوادر إلى الرواة، فيريحونهم من الرحلة ومشاق السفر ونفقاته؟ فكثر الناس، وتزاحم الرواة حولهم، فنفقت بضاعتهم وهو أدعى إلى الإنتاج، فأخذ هؤلاء يكذبون وينحلون، وأسرفوا فى الكذب وفى النحل على غيرهم من الجاهليين والإسلاميين.

نعود أن نؤكد على الآتى:

أولا: كل شىء فى حياة الجاهلية، والمسلمين فى القرون الثلاثة الأولى كان يدعو إلى الشعر والأخبار وتلفيقه، سواء فى حياة الأتقياء والبررة، أو حياة أصحاب الفسق والمجون، فإذا كان الأمر على هذا النحو، فهل تظن أن من الحزم والفطنة أن نقبل ما يقوله القدماء فى غير نقد ولا تحقيق؟.

ثانيا: أن أخبار الجاهليين وما تلاها وأشعارهم، لم تصل إلينا من طرق تاريخية صحيحة، وإنما وصلت عن طريق القصص والأساطير، وطريق الرواية والأحاديث، وطريق الفكاهة واللعب، ولسنا على استعداد أن نصدق كل هذا فى سهولة ويسر، فإذا أضفنا لما قلناه أن للعرب خيالهم الشعبى الذى أثمر هذه القصص والأساطير التى تروى عن الجاهليين، وتروى عن العصور الإسلامية الأولى أيضا، يزيدنا إصرارا على الشك فى كل هذا..

ثالثا: القرآن وحده هو النص العربى القديم الذى نستطيع أن نطمئن إليه، أما شعر هؤلاء الشعراء، أو خطب هؤلاء الخطباء، أو سجع هؤلاء الساجعين، فلا سبيل إلى الثقة بها أو الاطمئنان إليها.

خاتمة.. أنصار القديم مصرون على صدقه، ونحن نرى فيه الشك الكبير، فما السبب فى هذا؟ ليس سوى الفكرة التى تسيطر على نفوس العامة، وهى أن القديم خير من الجديد، وأن الزمن سائر إلى الشر، أما نحن فلا نزعم أن القدماء كانوا شرا من المحدثين، ونحن لا نزعم أيضا أنهم كانوا خيرا منهم، لكن أولئك وهؤلاء سواء، فكان القدماء يكذبون كما يكذب المحدثون، وكان القدماء يخطئون كما يخطئ المحدثون، بل كان حظ القدماء أعظم فى الخطأ من خطأ المحدثين، فإذا وقفنا أمام ما جاءنا من القدماء فى المرحلتين موقف الشك فلسنا غلاة أو مسرفين.

adelnoman52@yahoo.com

"المصري اليوم"  القاهرية

  كتب بتأريخ :  الخميس 04-01-2018     عدد القراء :  2607       عدد التعليقات : 0