الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الإحصاء السكّاني المُهمَل

بانتخابات مجلس النواب الجديد في أيار المقبل، سيبلغ عدد العمليات الانتخابية والاستفتائية الجارية في العراق منذ 2005 نحو دزينة كاملة. هي تراوحت ما بين انتخابات برلمانية اتحادية وأخرى لمجالس المحافظات وانتخابات لبرلمان ورئاسة إقليم كردستان، فضلاً عن الاستفتاء على الدستور في أواخر 2005.

هذا هو الجانب المُشرق من المسألة، أن تتواصل وتتواتر العملية الانتخابية .. لكنْ ثمّة جانب آخر، ليس هو كذلك .. لا أقصد بهذا التزوير الذي لم يسلمْ منه أيٌّ من هذه العمليات، فالتزوير كان عاماً شاملاً في كل الدورات وفي كل المناطق، ومفوضية الانتخابات كانت دائماً على أتمّ العلم والمعرفة بذلك، بل إنّ عدداً غير قليل من مسؤوليها ومن موظفيها كان يدير عمليات تزوير أو يُسهّلها لصالح الاحزاب التي رشّحتهم، أو بالأحرى دسّتهم، للعمل في المفوضية التي لم تصنْ أبداً استقلالها.

المقصود هنا بالجانب الآخر غير المُشرق في العملية الانتخابية في البلاد، أن هذه العملية جرت دائماً من دون الأساس المكين المتمثّل بالإحصاء السكاني. في السابق كانت الإحصاءات السكانية تجري كل عشر سنين، وآخر إحصاء سكاني في العراق جرى في عهد نظام صدام، العام 1997، أي قبل 21 سنة، فقد أظهر خلفاء صدام احتقارهم لهذه العملية، وفضّلوا التعامل مع الأمور بروح أهل البادية وعقليتهم، غير مدركين أنّ غياب الإحصاء السكّاني كلّ هذه المدّة الطويلة إنّما يأكل من رصيد الثقة بالعملية الانتخابية التي يديرونها ومن رصيد صدقيتها، بل من رصيد النظام السياسي برمّته.

الإحصاء السكاني ليس ضرورة للعمليّة الانتخابيّة وحدها.. إنه أيضاً حاجة ماسّة لرسم السياسات ووضع الخطط الاقتصاديّة والاجتماعيّة للدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص سواء بسواء. ما من دولة في العالم، حتى الأقلّ نموّاً من العراق، لا تحرص على تنظيم إحصاء سكاني دوريّاً.

نعلم أنّ هناك قوى سياسية بعينها لا ترغب في الاحصاء السكاني، مثلما لا تريد إجراء التعديلات الدستورية المتوجّبة وتشريع قوانين بناء الدولة المُعطّلة، وهي تحديداً من قوى الإسلام السياسي الشيعي التي يُقال إنها تخشى أن يُسفر الإحصاء السكاني عن تحديد نسبة للسكان الشيعة أقل من النسبة المُقدّرة لهم التي تتراوح بين 55 و65 بالمئة بحسب مصدر التقدير، فالمصادر الشيعية ترفع النسبة الى 65 في المئة فيما مصادر غير شيعية تنزل بها إلى 55 في المئة، وحتى إلى ما دون ذلك.

أكان هذا هو ما يقف وراء تعطيل العملية الإحصائية في البلاد أو غيره، فإن النتيجة في كل الأحوال عرقلة قيام دولة حقيقية، معافاة، قوية، ومحترمة في الداخل وفي الخارج.

  كتب بتأريخ :  الخميس 22-02-2018     عدد القراء :  1545       عدد التعليقات : 0