الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
تزايد قلق الديمقراطيين من اليمين واليمين المتطرف في أوروبا!

كما تجتاح الدول العربية وغير العربية ذات الأكثرية المسلمة موجة مديدة من الإرهاب الأعمى المدمر من جانب قوى الإسلام السياسي اليمينية واليمينية المتطرفة والتكفيرية، حيث هيمنت بعض قواها على الحكم في عدد من هذه الدول، لاسيما في أسيا وأفريقيا، كما في إيران وتركيا والسودان والسعودية والعراق مثلاً، وتمارس سياسات استبدادية وتفرض إرهاباً فكرياً ضد أتباع الديانات الأخرى وضد أتباع الفكر الآخر والرأي السياسي الآخر، وكذلك ضد أتباع القوميات الأخرى، والتي أدت إجراءاتها حتى الآن، سواء تلك التي في السلطة أم خارجها، إلى موت ما يزيد عن مليون ونصف المليون إنسان خلال الأعوام العشرة المنصرمة، وهي ما تزال تواصل ذات السياسات ولم يردعها إجراءات ما يدعى بالتحالف الدولي ضد الإرهاب، لأنه غير جاد وغير موحد ودون تنسيق ومتشابك ومتداخل مع أجهزة أمنية لبلدان غير قليلة، تجتاح أيضاً الدول الرأسمالية المتقدمة موجة مديدة من السياسات والإجراءات ذات النهج والمضامين اليمينية للقوى والأحزاب الحاكمة من جهة، وتفاقم كبير في نشاطات القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة والقوى النازية الجديدة خارج السلطة من جهة ثانية. وبصدد الصنف الأول يمكن الإشارة بوضوح كبير إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وهنغاريا وبولونيا والنمسا وسلوفاكيا والتشيك وبلغاريا وأخيراً النمسا وإيطاليا حيث فاز اليمين واليمين المتطرف في الانتخابات العامة الأخيرة، قد شكل التحالف اليميني واليمين المتطرف الحكومة في النمسا، وربما سيشكل الحكومة بعد أن فازت أحزاب خمس نجمات وبرلسكوني وحزب الشمال اليميني المناهض للأجانب واللاجئين في إيطاليا في انتخابات شباط/فبراير 2018، أما الصنف الثاني فيمكن تأشير دول مثل فرنسا وهولندا وألمانيا والدنمارك والسويد، على سبيل المثال لا الحصر. هذه الاتجاهات ليست وليدة اليوم، بل بدأت بشكل ملموس في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين وتصاعدت مع انهيار النظم السياسية والاجتماعية "الاشتراكية" في الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية، وتفاقمت بهيمنة فعلية لسياسات اللبرالية الجديدة وقوى المحافظين الجدد في هذه الدول. وكان الأمير زيد بن رعد بن الحسين على حق وصادق حين أكد في تقريره للأمم المتحدة ما يلي: "اليوم، القمع أصبح مألوفا. لقد عادت الدول البوليسية والحريات الأساسية تتراجع في كل منطقة في العالم. كما ان الخجل ايضا يتراجع". وتابع قوله: أن "كارهي الأجانب والعنصريين يتصرفون دون اي شعور بالحرج. مثل المجري فيكتور اوربان الذي قال في وقت سابق هذا الشهر "لا نريد ان يختلط لوننا ... مع الآخرين.." ألا يعلمون ما الذي حدث للأقليات في المجتمعات التي يسعى قادتها للنقاء الأثني والوطني والعرقي؟". (i24 Europa, News, 26.02.2018). وإذا كانت هذه النزعات الشديدة في توجهها الشوفيني والعنصري والديني المتزمت، فأن من الواجب الإشارة إلى دول مثل تركيا وإيران ومصر والسعودية والعراق على سبيل المثال لا الحصر!

إن تفاقم الموقف السلبي والمتشدد والمعادي لليهود والأجانب في دول الاتحاد الأوروبي وعموم أوروبا، ولاسيما ضد المسلمين، يعتبر جانباً واحداً من السياسات اليمينية واليمينية المتطرفة في هذه الدول، إذ أن الجوانب الأخرى أوسع وأشمل وأكثر عمقاً وخطورة على مجمل أوضاع هذه الدول، منها مثلا ما جرى في هنغاريا وبولونيا بشأن التغييرات الجارية على القوانين ووزارة العدل، وعلى حقوق وحريات الأفراد، أو على طبيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية في مجمل الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ومنها السياسات الضريبية التي تزداد تمايزاً في غير صالح العمال وصغار ومتوسطي المنتجين، وفي صالح كبار الرأسماليين والشركات الرأسمالية الاحتكارية. والمؤشر لهذه الخطورة يبرز في نتائج الانتخابات المحلية والانتخابات العامة في أغلب هذه الدول خلال الفترة الواقعة بين 2015-2018، وما يمكن أن يحصل في السنوات القادمة، حيث تشير الكثير من التقارير الصادرة عن مراكز الأبحاث واستطلاعات الرأي إلى احتمال واضح بحصول القوى اليمينية واليمينية المتطرفة والشعبوية على نسبة مهمة من الأصوات والمقاعد النيابية في عدد متزايد من الدول الأوروبية. (راجع أبحاث وتقارير عن مناهضة السامية ومناهضة الأجانب صادرة عن المكتب الاتحادي للتثقيف السياسي بألمانيا (Bundesamt für politische Bildung, in 2014, 2015, 2016, 2017 ( إن هذه الاتجاهات السياسية والاجتماعية، التي امتدت إلى الأوساط العمالية النقابية، بدأت تثير قلق القوى اليسارية والديمقراطية في أغلب الدول الأوروبية، وبدأت تنظم المظاهرات احتجاجاً على هذه الظواهر، ولكنها ما تزال ضعيفة ودون المستوى المطلوب لمواجهة هذه الاتجاهات اليمينية واليمينية المتطرفة، التي أدت سياسات اسلافها إلى نشوب حربين عالميتين في القرن العشرين، والتي كان أحد عوامل نشوبها ضعف التحالفات السياسية والاجتماعية بين القوى المناهضة لهذه الاتجاهات الفكرية والرأسمالية المتطرفة، مما يذكرنا بما حصل في أوروبا في النصف الثاني من العقد الثالث وما بعده في تفاقم الصراعات بين الأحزاب السياسية المناهضة للفاشية والنازية واليمين المتطرف.  

والسؤال المشروع في هذا الصد: ما هي العوامل الكامنة وراء هذا النزوع المتنامي صوب اليمين واليمين المتطرف الشعبويين؟ تجمع تقارير مراكز الأبحاث، ولاسيما في الدول الأوروبية، إلى مجموعة من العوامل المهمة التي يمكن بلورتها في النقاط التالية:

** إن اختفاء دولة المعسكر الاشتراكي عن المنافسة مع المعسكر الرأسمالي، وبشكل خاص في المجال الاقتصادي والاجتماعي، أسس قناعة لدى قادة النظم السياسية في هذه الدول وكبار الرأسماليين تشير إلى أن في مقدورهم الآن ممارسة سياسة رأسمالية جديدة تستبعد المساومة التي أجبرت عليها قبل ذاك مع الطبقة العاملة والفلاحين، وضاغطة على الأجور والمكاسب الاجتماعية التي تحققت عبر نضال الطبقة العاملة والمثقفين والبرجوازية الصغيرة، وتحت ضغط المنافسة الدولية، وباختصار يمكنهم الآن ممارسة سياسة "رأسمالية متوحشة!!" لا تعرف الرحمة والمساومة، على حد قول المثل "غاب القط ألعب يا فأر!".

** قادت هذه السياسة اللبرالية الجديدة إلى خمس عواقب صارخة: أ) ارتفاع حجم البطالة؛ ب) تفاقم استغلال الطبقة العاملة وبقية المنتجين وارتفاع أرباح الرأسماليين؛ وج) اتساع الفجوة في الدخل ومستوى المعيشية بين طبقات وفئات المجتمع في غير صالح الطبقة العاملة وصغار المنتجين وذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل؛ د) تفاقم أزمة السكن ولاسيما بالنسبة لذوي الدخل المحدود وارتفاع عدد المشردين دون سكن؛ هـ) الهجوم المعاكس على المكاسب الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم ودور الحضانة ورياض الأطفال والرواتب التقاعدية والمعونات الاجتماعية التي تحققت للمجتمع خلال فترة الحرب الباردة في غير صالح الطبقة العاملة وصغار المنتجين وذوي الدخل المحدود.

** تراجع شديد في مصداقية القوى والأحزاب السياسية التقليدية الحاكمة، بما فيها الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية (الأحزاب الاشتراكية) والأحزاب الديمقراطية المسيحية، مما فسح في المجال لنشاط أوسع للقوى اليمينية واليمنية المتطرفة الشعبوية، فجميع هذه الأحزاب تبنت سياسات اللبرالية الجديدة وقادت إلى عواقب وخيمة للمجتمع، كما ضاع التمايز بين الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والأحزاب المسيحية أو المحالفظة.

** ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع إيجارات السكن بنسب عالية وأسعار السلع الاستهلاكية والنقل وغيرها، مما أدى إلى تراجع كبير في القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود في جميع الدول الأوروبية والولايات المتحدة وغيرها.

** كما إن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم الرأسمالي في العام كله 2008 ما تزال عواقبها لم تنته بعد وهي شديدة الأثر على الفقراء والمنتجين في الدول الرأسمالية المتقدمة، وكذلك على شعوب الدول النامية. إذ أن عواقب الأزمة الحادة ألقيت على كاهل الفئات المنتجة والفقيرة في الدول الرأسمالية وشعوب البلدان النامية.

** إن الحروب التي أُشعلت في عدد من الدول، ولاسيما في دول الشرق الأوسط وأفريقيا، بسبب صراع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للدول الكبرى، والحروب الداخلية والخارجية من جهة، والسياسات الاستبدادية للكثير من حكومات الدول النامية التي تجد التأييد والدعم من الدول الرأسمالية المتقدمة من جهة ثانية، والتغيرات الجارية على البيئة وتدمير الكثير من مناطق سكن جماهير واسعة شعوب عدد من الدول النامية، بما فيها قطع أشجار الغابات والخامات التي استنزفت من قبل الدول الرأسمالية والفئات الحاكمة في ذات البلدان والتغيرات المناخية بسبب تلوث البيئة، من جهة ثالثة، والاستمرار في انتاج وبيع المزيد من الأسلحة التقليدية الحديثة، عبر السوق الرسمي والسوق الموازي، من جانب الدول المنتجة والمصدرة للسلاح مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا الاتحادية وبريطانيا وإيطاليا ..الخ، إلى الدول في المناطق التي فيها صراعات ونزاعات ساخنة من جهة رابعة، قادت كلها وغيرها إلى مزيد من النزوح الداخلي أولاً، وفيما بين الدول النامية ثانياً، وإلى هجرة بشرية واسعة صوب الخارج، نحو الدول الرأسمالية المتقدمة، ولاسيما إلى أوروبا ثالثاً. ويقدر عدد الذين تشملهم الهجرة القسرية والنزوح إلى أكثر من 60 مليون نسمة على الصعيد العالمي. ورغم إن نسبة ضئيلة منهم قادمة إلى أوروبا والولايات المتحدة، تعلن أوروبا، وكذلك الولايات المتحدة ودول أخرى، عن عجزها وعدم استعدادها على استيعاب هذا الجزء الصغير منهم، ولاسيما تلك الدول التي كانت ضمن المعسكر الاشتراكي وكذلك النمسا وإيطاليا والولايات المتحدة. ومع ذلك فأن هذه النسبة الضئيلة قد أججت الصراع الداخلي، بسبب عدم توفير مستلزمات استقبال هذه الهجرة غير المتوقعة من جانب الدول الأوروبية والخطاب غير العقلاني من عدد من الأحزاب الحاكمة إزاء اللاجئين وخوض الانتخابات بشعارات مناهضة لهم. وبدأت القوى اليمينية واليمينية المتطرفة تستخدم شعارات شعبوية لكسب الناس إليها وتعبئتها ضد الحكومات القائمة، والتي تصب في خانة معاداة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة.  

تستخدم القوى والأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة الجوانب الاجتماعية في مشكلات الدول الرأسمالية المتقدمة باتجاهين، فهي تعلن عن عدم وجود مساواة وعدالة اجتماعية في هذه الدول، وهذا صحيح، ولكنها لا تقصد في هذا الجانب التمايز المتسع بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة المنتجة للخيرات المادية وصغار المنتجين والفئات ذات الدخل المحدود، بل تشير إلى وجود الأجانب في البلاد الذي، حسب تقديرها المناهض للأجانب، السبب في عدم العدالة والمساواة، أي أن وجود اللاجئين أو الأجانب عموماً في غير صالح أبناء البلاد، ويوردون مسائل مثل ضعف الرواتب التقاعدية والمزاحمة على فرص العمل وعلى السكن. إن هذا المنحى يستهدف تحويل الصراع الطبقي الداخلي بسبب التمايز الطبقي واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، إلى صراع قومي، أي بين شعوب تلك البلدان والأجانب القادمين كلاجئين إليها أو القاطنين فيها. إنها تعمل بإصرار ودأب على تأجيج العداء والصراع ضد الأجانب، إذ أنهم يعرفون تماماً، بأن هذه الذرائع التي يدّعونها لا تصمد أمام الوقائع على أرض الواقع، بل كلها ناتجة عن طبيعة النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي، الذي يزداد توحشاً في جشعه لتحقيق المزيد من الأرباح على حساب المنتجين، والسياسات التي تمارسها حكومات هذه البلدات ذات النهج النيولبرالي، الذي تدافع عنه القوى اليمينية واليمينية المتطرفة بحماس منقطع النظير. وهي تدعو إلى مزيد من دور الرأسماليين واحتكاراتهم في المنافسة الرأسمالية على الصعيد الدولي ومزيد من استغلال شعوب البلدان النامية، لأنها تعتقد، وفق نظرتها العنصرية، بأن شعوبها هي الأكثر رقياً والأفضل عرقياً من شعوب البلدان النامية ومن حقها أن تقوم بذلك. أنها تستعيد من ترسانة النازية الألمانية، من النظرية التي روج لها الفريد روزنبيرغ وهتلر وغوبلز وغيره، نظرية الشعب الآري المتميز والمفضل عن الشعوب السامية (الآسيويون) والحامية (الأفارقة) السيء الصيت!! وهي بأسلوبها الشعبوي تؤثر على فكر ومزاج الناس من ذوي الوعي الاجتماعي والسياسي المحدود وتؤلب المجتمع ضد الأجانب بشكل صارخ، إذ أصبح العداء لوجود الأجانب رأسمالها الذي تسعى من خلاله إلى غزو المجالس النيابية المحلية والعامة في الدول الأوروبية. إن الدراسة الجيدة لبرامج القوى اليمينية واليمينية المتطرفة في الدول الأوروبية تساعد على معرفة التناقض بين موقفهم الرأسمالي المتطرف النيولبرالي الساعي إلى تعزيز مواقع الاحتكارات الرأسمالية، وبين دعوتهم السطحية والكاذبة للعدالة الاجتماعية، التي لا تعني العدالة الفعلية بل الاستعداء على الأجانب وإلى استبعاد اللاجئين من أوروبا. واليوم، فهذه القوى تستخدم تخويف الأوروبيين بوجود مخاطر أسلمة أوروبا. والقوى الإسلامية السياسية المتطرفة والإرهابية تساعد القوى اليمينية واليمينية المتطرفة والنازية الجديدة في أوروبا على تحقيق نجاحات معينة في دعاياتها المضللة في الأوساط الاجتماعية في المجتمعات الأوروبية، لأنها تعلن عن أن أوروبا هي دار حرب بالنسبة للمسلمين، ولا بد من تحويلها إلى دار سلام أو دار للإسلام!!! إنها ثرثرة وجعجعة فارغة، ولكنها فاعلة في نسبة غير قليلة من الأوساط الشعبية ذات الوعي الضعيف!!  

  كتب بتأريخ :  الخميس 08-03-2018     عدد القراء :  2211       عدد التعليقات : 0