الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الكفيشي يرتجف على منبره ...

في الأعوام القليلة التي تلت تحرير المانيا من جرائم النازية المقيتة ، وبعد انتخاب البرلمان الألماني الجديد ، برزت في خطابات بعض النواب اليمنيين نبرات معادية للوضع الجديد الذي تمخض عن وجود المانيا اخرى الى جانب المانيا الإتحادية . وتركزت هذه النبرات اليمينية على تكرار العداء للشيوعية باعتبار ان المانيا الأخرى هذه هي مستعمرة سوفيتية ، بالرغم من علم هؤلاء النواب الكامل ان المانيا الإتحادية اصبحت اكبر مقر للقواعد العسكرية لثلاث قوى عالمية ، وليس لقوة واحدة . فقد انتشرت القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية على جميع اراضي المانيا الإتحادية وفرضت على الدولة الألمانية الجديدة اجنداتها كدولة محتلة . إلا ان البرلمان الألماني لم يخلو في ذلك الوقت من السياسيين الذين ناضلوا ضد النازية وحملوا السلاح لمقاومة دكتاتوريتها والذين تكونت لهم علاقات مع المناضلين الآخرين ضد النازية ومنهم الشيوعيين والإشتراكيين الألمان . وكان يصعب على اعداء النازية هؤلاء ان يستكينوا لحملات الهجوم التي تُشَن على الشيوعيين ، رفاقهم في النضال بالأمس . وكان احد هؤلاء المناضلين ويدعى فيرنر من الصلبين جداً امام هذه الهجمات حيث كان يرد عليها بعنف واستهزاء بروادها في كثير من الأحيان . ومن جملة العبارات التي كانت تنقل عنه تلك التي يصف فيها كيف يرتجف هؤلاء النواب اليمينيون لمجرد سماعهم بكلمة شيوعي . لقد كانت مداخلات النائب فيرنر بحق سجلاً حافلاً بتوبيخ النواب اليمينيين الذين يتعرضون للفكر الشيوعي والإشتراكي حتى نجح هو وزملاؤه الآخرون بايقاف هذه الحملات التي لم يجرأ احد من النواب اليمينيين بعد على تكرارها.

هذه الرجفة من الشيوعية عشناها بالأمس في وطننا العراق حينما دعت فتاوى بعض المعممين إلى قتل الشيوعيين باعتبارهم كفرة وملحدين . ولم يُخفِ اصحاب الفتاوى هؤلاء خوفهم وارتجافهم مما كانوا يسمونه بالمد الشيوعي بالرغم من ان الحزب الشيوعي العراقي لم يكن موجهاً للسلطة السياسية في ذلك الوقت ولا فاعلاً فيها ، بل بالعكس ظل يعاني من تبعات مطاردة السلطة للشيوعيين منذ منتصف عام 1959 في الوقت الذي صدرت فيه هذه الفتاوى عام 1961 والتي فتحت الطريق على اوسعه للتهيئة والتخطيط ومن ثم التنفيذ لجرائم شباط الأسود الذي نفذ فيها مجرمو البعث فقرات الفتوى السيئة الصيت بالتفصيل من خلال قتل الشيوعيين وبمباركة اصحاب الفتوى انفسهم لهم بالبرقية المشهورة التي بارك فيها صاحب الفتوى ما سماه بالثورة على ذلك القائد الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم الذي سبق وأحسن كثيراً سواءً لقتلته او لمن دعوا إلى قتله .

ورُعب الأمس من الشيوعية ينتشر اليوم على منابر بعض الجبناء الذين لم يستطيعوا مواجهة الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة ، ولم يستطيعوا من شدة خوفهم وارتجافهم على منابرهم إلا ان يحرضوا على القتل ، على قتل الشيوعيين ، بنفس النبرة المبحوحة المرتجفة لمن سبقوهم وبنفس الحجة المنخورة السابقة التي لم تجد جديداً غير الكفر والإلحاد مخرجاً لهم مما يعانونه من كوابيس الفزع الذي ينخر في اعماق عظامهم . ويقدم الشيخ المرعوب الكفيشي مثلاً صارخاً لدعاوى القتل التي إن دلت على شيئ فإنها لا تدل على خوف الجبناء الأذلاء من مواجهة فكر الشرفاء الأوفياء للشعب والوطن فحسب ، بل انها تدل ايضاً على ضحالة فكر هذا المرعوب على منبره بحيث انه لم يجد غير الأسطوانة المشروخة لنباح الكفر والإلحاد التي لا تستحق ان تُرمى حتى باردئ الأحجار، ناهيك عن وضعها في مواقع النقاش الفكري والجدل العلمي . إن هذا الشيخ لا يعي موقعه الحقيقي في المجتمع إلا من خلال التحريض على الجريمة محتمياً بلصوص العملية السياسية الذين يتبجحون بالدين الذي سرقوا كل شيئ باسمه ، ولا يهمهم ما يعانيه الشعب والوطن من فقدان ابسط مقومات العيش الإنساني الكريم في بلد ازعجت الأوباش المتسلطين على خيراته حينما سمعوا ما قاله المهوال عن وطنه المنكوب هذا " عدنا الخير امكوَم والأحزاب اتفرهد بيه " . وليس الحزب الشيوعي العراقي ولا احزاب وتجمعات العلمانيين والديمقراطين هي التي تفرهد بهذه الخيرات ، بل هي احزاب الكفيشي ورهطه .

الجبناء حينما يدعون إلى القتل فإنهم يعبرون بذلك عن احتماءهم بغيرهم محاولين ان يتجنبوا السقوط المتوالي نحو هاوية الجريمة التي يؤمنون بها اشد الإيمان تجاه من يخالفهم الرأي . والأمثلة على ذلك كثيرة جداً لا تبدأ باخوان المسلمين بالأمس او داعش وطالبان وامثالهم اليوم ولا تنتهي بالكفيشي . ان تحريضهم على قتل مَن يخالفهم فكرياً مسألة حياة او موت بالنسبة لمتخلفين من امثال الكفيشي وزمرته . ويزداد هلعهم وخوفهم كلما تعلق الأمر بعدوهم الفكري الذي اثبت لأكثر من ثمانين عاماً مضت من عمر الحزب الشيوعي العراقي المليئ بالنضال والتضحيات ، بأن هذا الفكر يمتد بجذوره في اعماق اعماق ارض العراق الطيبة التي احتضنته وصانته من كل جرائم الفتاوى والقمع السعيدي والقتل البعثفاشي وكل وساءل المجرمين الكبار الذين لا يساوي الكفيشي هذا رذاذ بصاق تهريجهم . وما يحاوله هذا الداعي إلى القتل ، هذا الكفيشي المرعوب ، إلا ديدن الجبناء ، وإلا ان كان يملك ذرة من الشجاعة والمعرفة لواجه هذا الفكر بالفكر وقارع الحجة بالحجة . وعدم لجوءه إلى هذا الاسلوب في مواجهة الآخر المختلف لا يمكن تفسيره إلا باحد امرين : فإما ان المُحرِض على قتل الآخر المختلف جاهل بكل شيئ ولا يفقه من النقاش الفكري العلمي والموضوعي اي شيئ ، اي أصم أبكم . وإما ان ما يحمله من فكر لا يحرك جناح ذبابة ، وبذلك فإن صداه لدى الجماهير سيكون اشبه بصدى طبل اجوف . وفي الحالتين لا يُحسد اي انسان على هذا الوضع البائس الكئيب .

  كتب بتأريخ :  الجمعة 09-03-2018     عدد القراء :  2652       عدد التعليقات : 0