الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
كيف يساهم الإعلام الرسمي في خلق وتأليه المستبدين؟

في المرحلة الراهنة وفي ظل التقنيات الرقمية الحديثة وما يمكن أن يتحقق فيها ليتجاوز قدرة الإنسان الذاتية، رغم إنها من منتجات دماغه، أصبح الإعلام، بوسائله وأدواته الأكثر حداثة، يلعب دوراً هائلاً في إيصال المعلومة والخبر والحدث بسرعة باهرة إلى كل من يمتلك تلك الأجهزة المساعدة والتي يتسع امتلاكها نسبياً في بعض المدن العراقية، رغم الأوضاع المادية الصعبة للناس. وتعتبر أجهزة التلفزيون او الراديو أو التلفون النقال الحديث المتوفرة نسبياً هي الأكثر استخداماً لإيصال المعلومات والأخبار ووقائع الحياة اليومية إلى غالبية الناس في الأرياف والقرى والمدن الصغيرة وأطراف المدن العشوائية. في حين يقل دور وتأثير الكتب والصحف والمجلات الورقية، لاسيما في ظل غياب الدعم للكتاب والمبدعين، لطبع ونشر وإيصال كتبهم إلى القارئات والقراء. وفي المجتمع العراقي، رغم عدم وجود رقابة مباشرة على المطبوع والنشر، (إلا إن الاختطاف والقتل أو الاغتيال المباشر مباح للإعلاميين والكتاب الذي يمارسون النقد للواقع القائم وللنظام السياسي والأحزاب الإسلامية السياسية، وقائمة الشهداء في هذا المجال كبيرة حقاً، ولم تكشف الحكومة وأجهزتها الأمنية حتى الآن عن فاعلي تلك الجرائم أو تعتقلهم)، فأن سوق الكتب والمجلات والصحف من جهة، ومحطات الإذاعة وقنوات التلفزة من جهة أخرى، أما تهيمن عليها الحكومة، وأما أصحاب الأموال من ذوي النعمة والسحت الحرام الجدد من قادة الأحزاب والقوى الإسلامية السياسية، الشيعية منها والسنية، وغيرهم، وممن يتلقون الدعم المالي لهذا الغرض من دول وقوى وأحزاب الجوار. ولا نبيح سراً حين نؤكد وجود مثل هذا الدعم من جانب إيران وبعض دول الخليج والسعودية وقوى إسلامية سياسية في هذه الدول وفي غيرها. ومن يتابع يومياً الإعلام العراقي الرسمي، وفي المقدمة تلفزيون العراقية، سيجد ما لا يمكن أن يظهر إلا في الدول الاستبدادية، حيث يهيمن الحاكم المستبد أولاً، وحكومته ثانياً، على الإعلام الحكومي بالكامل. ليس هذا بجديد بالنسبة للعراق، بل كان هذا ديدن الحكومات العراقية المتعاقبة، مع تفاقم في الهيمنة وإبعاد كامل لصوت ودور المعارضة والشعب عن التأثير في هذا الإعلام. وإذا كانت صورة وصوت صدام حسين قد غطيا على مذياع وشاشة القنوات التلفزيونية العراقية ليلاً ونهاراً، فأن هذا التجاوز على الإعلام الحكومي قد تفاقم في ظل رئيس الحكومة السابق والمستبد بأمره نوري المالكي، بحيث لم يعد يكتفي بنقل أخباره وتصريحاته وخطبه الجوفاء والطائفية النهج، بل زادها بلقاءات منظمة ومهيأة ومتلفزة، بما يبدو وكأنه حوار طبيعي بين السائل والمجيب! لقد كانت تلك البرامج قد صيغت بالشكل الذي يسهم في تأليه الحاكم المستبد وترويج أفكاره البائسة وانتصاراته المزعومة وتذكير الناس بأسمائه الحسنى والأعمال الخيرة للقائد الفلتة أبا عدي (حفظه الله ورعاه!) أو للحاج أبي إسراء (حفظه الله ورعاه!) ولصفاتهما!! وعندما راح المقبور صدام حسين، وانتهى نسبياً دور المالكي كرئيس حكومة، حل محله رئيس حكومة جديد لم يقصر في استغلال الإعلام الحكومي لترويج ما يريده من كلام دون أفعال، وعدم السماح للرأي الآخر بالظهور على شاشة العراقية، وإعادة إنتاج ذات الهيمنة على شاشة تلفزيون العراقية بعيداً عن أي منجز سياسي واقتصادي واجتماعي، ولاسيما في مجال تصفية الانتحاريين في المدن، وخاصة بغداد، والفساد عند كبار المسؤولين في الدولة والأحزاب الحاكمة والبنوك والتجارة والعقود...الخ، أو إنهاء دور الطائفية بالعراق، وهي المهيمنة على الإعلام العراقي الرسمي ويؤكد أتباعها ما سيحدثه من منجزات قادمة، في حين لم يعد الشعب قادراً على تحمل المزيد من الحرمان والموت على أيدي الانتحاريين أو الأوباش الذين يمارسون اختطاف الناس. إن منجز تحرير الأرض العراقية من رجس عصابات داعش كبير ولا ينسى للجيش والمتطوعين ولدوره أيضاً، ولكن المعركة الفكرية والسياسية والاجتماعية ومع الانتحاريين لم تنته بعد وهي متواصلة ، وبالتالي الحديث عن النصر بعيد كل البعد عن الواقع المعاش، إضافة إلى وجود دواعش شيعة داخل النظام وفي الأحزاب السياسية الإسلامية الطائفية، وكذلك في المليشيات الطائفة المسلحة.

كل المتابعات للإعلام العراقي الرسمي تشير إلى أنه بعيد كل البعد عن الحرفية والمبدئية الصحفية، بعيدٌ الحيادية في نقل الحقيقة للناس، وبالتالي فَقَدَ منذ عقود المصداقية، وقد أعاد إنتاج إعلام عهود القوميين والبعثيين والمحافظين الرجعيين والإسلاميين السياسيين على صعد العراق والعالم العربي والدول المجاورة، كما هو الحال بإيران وتركيا، حيث تمارس تقاليد قديمة عرفتها النازية ومارسها هتلر وغوبلز بصورة يومية، تؤكد الالتزام بالقول "اكذب ثم اكذب ثم اكذب، لعل بعض تلك الأكاذيب تعلق بأذهان الناس"! والموقف من الفاسدين الكبار والمفرطين بأموال الشعب نموذج صارخ على ذلك!!

يجري حديث الإعلام الرسمي عن انتخابات حرة ونزيهة في ظل نظام سياسي طائفي برهن على عدم حياديته وآهليته لإجراء انتخابات شفافة ونزيهة وجادة، وفي وقت ما تزال نسبة عالية جداً من المناطق المحررة حديثاً غير قابلة للسكن بالنسبة لمئات الآلاف من السكان والتي لا تتوفر لهم إمكانية إعطاء أصواتهم بحرية وسلامة، وفي وقت مازال الحرامية لم يمنعوا من خوض الانتخابات، بل هم الذين يتصدرون القوائم الانتخابية لأحزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنية، وفي وقت مازال الفاسدون يمولون الانتخابات ليفوز أتباعهم بأكبر قدر ممكن من الأصوات بشراء ذمم الناس بالرشاوي والهدايا وتأثير الدين، حيث تستخدمه الغالبية العظمى من شيوخ الدين في غير صالح المعارضين لهذا النظام السياسي الطائفي، إضافة إلى التدخل الفظ والشرس في الشأن العراقي والانتخابات العراقية القادمة، كما فعل، وبعيداً عن أي احترام لكرامة الإنسان العراق ووطنية العراقيات والعراقيين وغيرتهم على بلدهم وشعبهم ومستقبلهم، علي أكبر ولايتي وبكل عنجهية وعدوانية، أمام المستبد بأمره السابق الذي لم يجرأ حتى أن يفتح فمه ليقول له: كلامك غير صحيح، بل أكد كلام المتدخل الفظ وبرهن على أن ولاءه لإيران لا للعراق!

الإعلام الحكومي والخاص مهيمن عليه، وبنسبة عالية جداً، من جانب القوى والأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية بالعراق، وهو يلعب اليوم دوراً كبيراً في التأثير على فكر ومزاج الإنسان وعلى الانتخابات القادمة، لاسيما في بلد ما تزال ثلاثة عدة عوامل تلعب دورها في ذلك، وهي:

1) الأمية الواسعة، ولاسيما الأمية السياسية والاجتماعية، والتي تستغل بشكل مريع لصالح القوى والأحزاب الحاكمة؛

2) أغلب شيوخ الدين الذين يمارسون دوراً خسيساً في تشويه فكر الإنسان وتزييفه بدعايات وقحة ورخيصة ضد المدنيين والديمقراطيين والشيوعيين ومن يتعاون معهم من المتدينين المتنورين، باستخدام المنابر الحسينية والجوامع والمساجد لهذا الغرض ويقدم البائس الشيخ عامر الكفيشي نموذجاً صلفاً لهؤلاء، ممن يطالب بملاحقة المدنيين والديمقراطيين والشيوعيين وقتلهم، تماماً كما حصل في العام 1963 على وفق بيان رقم 13 وفتوى محسن الحكيم، ورغم ذلك فالنظام وكل الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية سكتت عن دعوة هذا الشيخ المخرف والغارق في الظلامية والتكفير؛

3) الفقر والحرمان والعوز العام هي الحالة الراهنة التي تعاني منها نسبة عالية من بنات وأنباء الشعب العراقي، في حين تمتلك الفئات الحاكمة الموارد المالية الكبيرة التي تستطيع من خلالها الوصول إلى جمهرة غير قليلة من هؤلاء المعوزين للتأثير فيهم وكسب أصواتهم ضد مصالح تلك الفئات الكادحة والفقيرة والمعوزة ذاتها. إلّا أن ليس جميع هؤلاء الفقراء يقبلون ببيع ضمائرهم وأصواتهم لمن لا يستحقها، ولمن يريد شراءها ليدوس بقدميه على مصالح الإنسان والمجتمع وإرادتهما. والانتخابات السابقة قدمت الدليل القاطع على ما أشير إليه.

إن العمل الجاد والمسؤول الذي يمارس عملية فضح الأساليب الرثة والمعوجة التي تستخدم بواسطة الإعلام لتزييف إرادة الإنسان العراقي ومصالح المجتمع هو القادر حقاً على إقناع المزيد من الناس الطيبين، ولاسيما الفقراء والكادحين، الذين خانتهم الفئات الحاكمة فعلياً، بما يراد لهم في ظل نظام طائفي سياسي مقيت قسَّم الشعب وفرَّط بوحدته الضرورية وسرق أموال الناس واللقمة من أفواه الكادحين والمعوزين، من أجل ضمان تغيير ميزان القوى لصالح تغيير الواقع القائم تغييراً جذرياً، لصالح إقامة الدولة الديمقراطية والحكم الديمقراطي والمجتمع المدني العلماني الحديث.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 14-03-2018     عدد القراء :  2289       عدد التعليقات : 0