الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
قانون شركة النفط الوطنية الجديد أضاع الطريق

كانت وزارة النفط قد أعدت نسخة لقانون شركة النفط الوطنية وإعادتها للعمل بعد أن إتسع نطاق عمل الصناعة الاستخراجية بحيث شكل نسبة عالية جدا من نشاطات وزارة النفط، لذا كان من الضروري ترشيق عمل الوزارة بإعادة الاعتبار لشركة النفط الوطنية التي جمدها النظام السابق، وبعد إعادة تاسيسها، تترك مسألة وضع السياسات والتخطيط والتسويق للوزارة التي يجب أن تشكل كيانات أخرى كشركة وطنية عامة أخرى للمصافي، وشركة وطنية للغاز التي تم بالفعل كتابة مسودة قانون لإنشائها، مع تنشيط شركة الأنابيب الوطنية والإبقاء على شركة سومو ضمن كيان وزارة النفط كون مهمتها سيادية، لأن الشركة تسوق السلعة السيادية الوحيدة في البلد وفق المادة الدستورية 110 أولا، وهذا يعني يجب أن لا تكون شركة سومو ضمن تشكيل ذو طبيعة عملياتية كشركة النفط الوطنية حتى لو كان رئيسها بدرجة وزير، لأن الشركات في العموم تتعرض إلى تجميد لأموالها المنقولة وغير المنقولة بسبب أحكام قضائية دولية، لكن الوزارة السيادية لا يمكن أن تتعرض لمثل هذا التجميد، وفي حال تجميد أصول أموال شركة النفط الوطنية سيشل البلد برمته.

وفق هذه الأسس وأسس موضوعية ذات طبيعة قانونية وفنية تمت صياغة مسودة قانون شركة النفط الوطنية التي راجع محتواها وتعديلها نخبة من المختصين العراقيين في الداخل والخارج، واتفق الجميع مع وزارة النفط على صيغة نهائية تمت مراجعتها من الناحية القانونية بصيغتها النهائية، وعليه تم إرسالها إلى مجلس الوزراء للمصادقة على المسودة ومن ثم مجلس النواب.

للأسف الشديد، مجلس الوزراء لم يأخذ بها، بل قدم صيغة قانون ترفع التجميد عن شركة النفط الوطنية المشكلة سنة 67، وكان بالفعل قانون الشركة لسنة 67 قانون جيد جدا ولكن بحاجة إلى الكثير من التعديلات كنتيجة لحصول العديد من المتغيرات الموضوعية عبر الـ50 سنة التي تلت تأسيسها.

رفض البرلمان نسخة مجلس الوزراء، لكنه حصل على نسخة من المسودة التي أعدتها الوزارة والتي تعتبر بحق نسخة متكاملة وذات طبيعة مهنية سواءا من الناحية القانونية أو الفنية أو الاقتصادية، أي لها أهداف واضحة وتنسجم مع ما ورد بالدستور العراقي بكل فقرات القانون، لكن، وللأسف الشديد، عمل البرلمان على إجراء العديد من التغيرات بما ينسجم مع الرغبات السياسية للكتل، بمعنى أنه تم إعادة تفصيل القانون على مقاساتهم ليحقق رغباتهم دون الأخذ بنظر الاعتبار دستورية الفقرات التي تم إضافتها أو تلك التي تم التلاعب بمضمونها، ولا حتى انسجامها مع الواقع الموضوعي، فأخرجوا القانون عن محتواه ليكون وبالا على الدولة برمتها في حال تطبيقه.

الغريب أن نسخة البرلمان التي تم التصويت عليها قد شلت أهم هدف من أهداف القانون ألا وهو تمكين شركة النفط الوطنية من القيام بتطوير الحقول وإعادة تطويرها وبناء منظومات جمع النفط ومعالجته وتصديره بالجهد الوطني، وذلك من خلال إنشاء بنى تحتية مملوكة من قبل الدولة لضمان السيادة الوطنية وبسط سلطتها الكاملة على هذه الثروة الوطنية الوحيدة وإبعادها عن المستثمر الأجنبي. لكن وللأسف الشديد بعثر مجلس النواب الأموال التي يجب أن تخصص لمثل هذا الجهد بطريقة غريبة، فوزعها على اربعة صناديق مختلفة ثلاثة منها تتعلق بإدارة المال العام وصندوق واحد فقط يحقق الهدف، وكأن الشركة مسؤولة عن إدارة المال العام وليس الوزارات السيادية في البلد.

فمثلا يمنح القانون المواطن العراقي سهما قيمته في أحسن الأحوال لا تصل إلى 50 دولار سنويا ويحرم الشركة من تحقيق أهم هدف من أهدافها وهو التطوير الوطني المباشر، ومن الواضح جدا أنها عملية تلاعب بعواطف الناس، فما الذي ستفعله الـ 50 دولار سنويا للفرد العراقي؟ في حين أن الصيغة تبدو وكأن مجلس النواب قد شرع قانون يوزع به عائدات النفط على العراقيين، في حين أن الدولة تصرف من عائدات النفط جميع رواتب الموظفين والمتقاعدين ورواتب الرعاية الاجتماعية وتحارب الإرهاب وتقدم الخدمات الصحية وخدمات الماء والكهرباء وخدمات التعليم وجميع أنواع الصرف، كلها تأتي من عائدات النفط، فلا الصناعة، الخاسرة دائما، ولا الزراعة ولا السياحة هي التي تقدم عائدات للدولة لتتولى بدورها الصرف على هذه الأوجه.

مثل هذا التلاعب بعواطف الناس لابد له أهداف إنتخابية وسياسية للأحزاب التي أثبتت التجربة عدم صلاحيتها وفسادها وهي التي تسببت بضياع المال العام وعاد العراق من أفقر البلدان وأكثرها فسادا ومازال يعاني من التشرذم الطائفي والعرقي بظل هذه الطبقة السياسية التي تحاول اليوم أن تضحك على العراقي بمبلغ 50 دولار سنويا من عائدات النفط وتفرغ القانون شركة النفط الوطنية من محتواه وأهدافه النبيلة.

وفيما يلي بعض الملاحظات الأولية على نسخة القانون التي أعدها البرلمان قبل التصويت عليها، كون المنشور على صفحة مجلس النواب هو القراءة الأولى للقانون وليس النسخة التي تم التصويت عليها لعدم تمكننا من الحصول عليها:-

1-سومو يجب أن تبقى ضمن تشكيل وزارة النفط وذلك لخطورة ربطها بشركة النفط الوطنية لأن السلعة التي تصدرها تعتبر سلعة سيادية كما هو موضح أعلاه في المقدمة، ولا يجب أن تقوم شركة ذات طبيعة عملياتية بهذا الدور السيادي، فالخطر كبير جدا في حال أصبحت سومو ضمن تشكيلات شركة النفط الوطنية.

2-يجب أن يتم إعتماد الصيغة الأصلية في مسودة الوزارة بالنسبة لمؤهلات رئيس الشركة ونائب الرئيس والمدراء العامون، حيث أن المؤهلات التي اعتمدها مجلس النواب لا تناسب شركة نفط وطنية تخصصية، بل عالية التخصص، حيث أن25 سنة خبرة في مجال الطاقة لرئيس الشركة غير كافية إضافة إلى أن مجال الطاقة يعتبر تعبيرا ضبابيا لا يعبر عن أعباء المنصب، فيجب أن تكون الخبرة في مجال الصناعة الاستخراجية تحيدا وأن يكون حاملا على الأقل للشهادة الجامعية الأولية في احد مجالات الهندسة أو الجيولوجيا وبخبرة لا تقل عن35 سنة في الصناعة الاستخراجية تحديدا. ومن الجدير بالذكر أن هذه المؤهلات يصعب توفرها لدى الكتل السياسية المشاركة بالعملية السياسية وبالتالي لا يستطيعون ترشيح اشخاص لهذا المناصب على وفق المحاصصة المقيتة. لذا ينبغي العودة للصيغة التي وضعتها الوزارة والتي تحدد المؤهلات المطلوبة لملئ المناصب الخاصة بتشكيلات شركة النفط الوطنية كما وضعتها الوزارة في مسودتها التي لم يعتمدها مجلس الوزراء لأسباب سياسية أيضا.

3-يجب رفع المادة 13 بالكامل من القانون لأسباب موضوعية، وإعادة الصيغة الأصلية حيث أن الصيغة الأصلية في مسودة الوزارة كانت تمنح الشركة نسبة من أرباح انتاج النفط لتساعدها على تطوير الحقول الجديدة وإعادة تطوير المكامن المنتجة في الحقول العراقية وكذلك بناء منظومات للبنى التحتية ذات الطبيعة السيادية كالأنابيب وخزانات تجميع النفط ومنشآة التصدير عموما، إذ ليس صحيحا أن تحال مثل هذه النشاطات للمستثمر الأجنبي بعد أن قطعنا شوطا كبيرا بهذه الصناعة وبعد أن دارت عجلة الإنتاج كنتيجة لجولات التراخيص. لذا فإن الصيغة التي اعتمدها مجلس النواب تفرغ هذا الهدف الاساسي والسامي عن محتواه، فمسألة تخصيص صناديق سيادسة من عائدات النفط تعتبر مسألة تخص إدارة المال العام وليس شركة نفط ذات طبيعة عملياتية صرف، وهذا الأمر بحد ذاته يتعارض مع الدستور العراقي ويتجاوز على صلاحيات الوزارات السيادية الأخرى كوزارة التخطيط والمالية.

4-لم يتم التعرض إلى النفط في كردستان في هذا القانون، وكأن الدستور العراقي غير موجود تماما، وكأن كردستان ليست جزءا من العراق، وكأن عقود كردستان قانونية ولا تتعارض مع الدستور.

يمكن اعتبار شركة النفط الوطنية شركة تعود ملكيتها للدولة وتعتبر الذراع التنفيذي لوزارة النفط بما تعلق الأمر بالصناعة الاسخراجية لذا يجب أن يتم إبعادها عن أيدي السياسيين الذي أضاعوا البلد والآن يريدون إضاعة مستقبله. ويجب إعتماد المسخة التي ـعدتها وزارة النفط لهذا القانون بعد مراجعتها من قبل مجلس شورى الدولة.

فإذا خسرت الصناعة وباقي القطاعات الإنتاجية فالنفط يعوض الخسارة، ولكن إذا خسرنا النفط سنخسر الوطن ولا يوجد من يعوض.

محلل سياسي وخبير نفطي

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 14-03-2018     عدد القراء :  2085       عدد التعليقات : 0