الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ضربة «فشنك».. هاتوا «فلوسنا»

لو كنت مكان من دفع ومن مول الرئيس الأمريكى ترامب بتكاليف العدوان الثلاثى على سوريا لفضحته على الملأ، وجرجرته فى المحاكم، وطالبته برد ثمن البضاعة الفاسدة التى ورّدها، والصواريخ الفشنك التى ضربها، والمؤتمرات الصحفية المطولة الشاحبة والباهتة التى عقدها صباح مساء هو وحلفاؤه من الفرنسيين والبريطانيين، يشرحون للناس فيها كيف تنتقى الصواريخ أهدافها بذكاء دون إصابة، وكيف كانت من الحكمة والفطنة والكياسة إذا رأت شيخا أو طفلا أو امرأة أن تعرج عنهم وتدارى نفسها منهم، مخافة إصابة أحد منهم بأذى أو بسوء، وتبحث عن الأهداف السورية الخاصة بإطلاق الكيماوى فى الشوارع والأزقة، وتتجنب الأهداف الروسية والإيرانية، وتحيد وتميل عنها بيسر وسهولة، فلا دمار لحق بالمطارات والطائرات، ولا نيران مشتعلة، ولا دخان يتصاعد إلى عنان السماء، ولا هدم للمبانى والمنشآت المدنية والعسكرية، ولا خراب ولا دمار، ولا تسارع عربات الإسعاف لنقل الموتى والمصابين، ولا جثث منتشرة على الأرصفة، ولا مصابين يُسعفون فى الطرقات تحت وميض الكاميرات، وهى صور مألوفة فى حالات الحروب والكوارث والضربات والاعتداءات، والأغرب لا خسائر فى الأرواح تُذكر، اللهم إلا ثلاثة مصابين بجروح سطحية.

لو أجّرنا بلطجياً بمائة دولار لأصاب وأهلك من الناس، وهدم وطربق من المبانى ما تفوق عليهم وعلا شأنه على هذه الخسائر، وحوّل مسرح العمليات إلى دمار وخراب، وأجرى المصائب والكوارث أمام أعينهم، حتى تبرأ به نفوس من الحقد، وتشفى به صدور من الغل. هذا والله تاجر يغش فى الميزان، ويضع بدلا من المتفجرات فى الصواريخ المائة ونيف هواء أو قُل «طماطم» تالفة وفاسدة، وهو تاجر غير أمين يغش بضاعته ويبيعها للإخوة المتآمرين، وهم على كل الأحوال يستحقون السرقة، وغشهم حلال وجائز ومبروك، كالكذبة البيضاء التى أباحها الفقهاء للضرورة، وأباحها ترامب لنفسه، فلا فرق بين المتآمر والغشاش، ولا عجب أن يسرق بعضهما بعضا، ويغش بعضهما بعضا.

ألا يكفى الكذب والتدليس فى عملية غزو العراق، وزعمه امتلاك صدام حسين أسلحة الدمار الشامل، ولما كشفوه وعروه وفضحوه، لم يجد بدا من الاعتذار عن اعتماد معلومات مخابراتية كاذبة، لكنه لم يعتذر عن نهب ثروات العراق البترولية، ولم يرد الثمن لأصحابه، واستباح أموال اليتامى لنفسه ولأهله، ولم يأسف أو يعتذر عن نهب آثار العراق وتاريخه التى هربها إلى إسرائيل، ولم يردها إلى تاريخها العربى العراقى، أو يعيدها إلى متاحفها وترابها. ألا يثير الانتباه هذا الخروج الآمن للمقاتلين من الدواعش، وغيرهم من التكفيريين والمتطرفين من كل الأراضى المحررة فى سوريا والعراق، تحت غطاء أمريكى- تركى، بأموالهم وعتادهم وأولادهم وزوجاتهم، ألم تسألوا أنفسكم من أين جاء بهم هذا المقاول؟ وإلى أين وجهتهم القادمة؟ وما مقاولة الهدد والهدم والتخريب الجديدة المتعاقد عليها، فى أى أرض وفى أى سماء؟ ألم تتيقنوا بعد أن داعش صناعة أمريكية تركية إسرائيلية بامتياز، لخدمة مصالحهم، أمن إسرائيل، والاستيلاء على ثروات العرب، ومنطقة عازلة لتركيا؟!..

ثم ألا تشعرون أن هذا العداء بين هذا التاجر والملالى فى إيران هو عداء مزيف ومخادع، وخصومة مصطنعة، وتراشق مستأجر، وشجار ناعم أملس، وخلاف كله رفق وحنان وليونة، وهو فى حقيقته متفق عليه، التقارب فيه واضح، والقسمة بينهما مكشوفة، وكل منهما يلعب دوره كما يجب وبدقة متناهية حتى لا تفرق بين التمثيل والحقيقة؟ فهذا يمثل العداء لذاك، وذاك يشير بيد الاتهام لهذا، وهذا يفتح لذاك أبوابا مع الروس، ويمكّنه من العراق ولبنان وسوريا واليمن، ثم يستخدمه ويحرضه على استفزاز وتهديد دول الخليج، فيبيع سلاحا وينتشى ويربح ويكسب، فلا لوم عليه، هو تاجر متآمر وشاطر، يدفع الجميع إلى الصدام والقتال والحرب حتى يخرج غانما، أليس هو صورة من صور القبح للنمام والمشاء فى تاريخنا، فهو هذا الرجل الذى يتلصص على البيوت فى الطرقات، ينقل ما يسمعه هنا إلى هناك، ويشعل الفتنة والأحقاد، ويسعى بين الناس بالوشاية والنميمة، وينشر الفتن والضغائن والكره بين الجميع، ويقطع بينهم حبال المودة والوصال، ويشعل بينهم نيران الحقد والعداوة، ويقسم للجميع أنه على الحقوق قائم، وعلى العدل محافظ، وعلى مصالح العباد راع وخليفة وإمام، وكان هذا هو التحذير منه ومن أمثاله «ولا تطع كل حلاف مهين.

هماز مشاء بنميم. مناع للخير معتد أثيم».. فكيف يطاع قاطع الطريق، وتسلم له مقاود البلاد والعباد، ويترك له تصفية الحسابات، وتوزيع إرث الأجداد، والحكم بين الناس بالباطل، هو حلاف مهين معتد أثيم، ليس مرة أو مرتين بل عشرات المرات. سيظل التآمر والرغبة فى الانتقام عنوانَ العرب، ومصدراً لثراء النصابين أمثال هذا المقامر.

"المصري اليوم"  القاهرية

adelnoman52@yahoo.com

  كتب بتأريخ :  الخميس 19-04-2018     عدد القراء :  2709       عدد التعليقات : 0