الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
بعض أسباب سقوطنا كمواطنين صالحين

في نهاية الستينات تخرجتُ من ( ثانوية الصناعة الألمانية العراقية ) ، وتم تعييني مع ثلاث زملاء آخرين في معمل الخدمات الصناعية في منطقة الدورة كعمال فنيين درجة أولى لتلقي الخبرة الكافية في تصنيع ( قناني الغاز ) ومن ثم تعييننا بعد سنتين موظفين فنيين ورؤساء لشعب الميكانيك في معمل التاجي للغازات النفطية والذي كانت مهمته تعبئة قناني الغاز .

خلال تلك السنتين كنتُ شخصياً اتنقل من ماكنة لأخرى ولمدد قصيرة ( أيام أو بضعة أسابيع ) لإتقان كل شيء يخص تصنيع قناني الغاز في العراق. وذات يوم طلب مني المهندس المسؤول العمل على ماكنة تُصنع عنق قنينة الغاز، حيث كان العامل الموكل بالعمل على تلك الماكنة ( أبو شذى ) متغيباً بسبب المرض.

وفي نهاية اليوم ( 8 ساعات عمل ) كنتُ قدأنتجتُ 300 قطعة عنق على تلك الماكنة !، مما أثار عجب ودهشة المهندس المسؤول والذي نقل الخبر لرئيس المهندسين ومن ثم لمدير المعمل !، وحضروا جميعاً للتأكد من أنني فعلاً أستطعتُ إنتاج ذلك العدد من قطع عنق القنينة حيث كان معدل إنتاج ذلك العنق لا يتجاوز الأربعين ( 40 ) في سجلات المعمل وتلك الماكنة بالذات !!.

في اليوم الثاني طلبوا مني وتحتُ رقابة المهندس أن أقوم بالعمل على نفس الماكنة للتأكد من أنني حقاً أستطعتُ إنتاج 300 قطعة !، فكررتُ الأمر وبكل سهولة بين إندهاش الجميع !!، وهكذا تم إستدعاء العامل ( ابو شذى ) بعد أيام للمسائلة لإنه تبين وبالإثبات أنه مُقصر في عمله ومقصر جداً !. وكانت حجته الوحيدة والساذجة حد الغباء هي انه كان يتخوف من أن يمرض يوماً بحيث يعجز عن عمل اكثر من 40 قطعة عنق !!، وكان جواب مدير المعمل له بأنه في حالة مرض أي عامل أو موظف فهناك دكتور خاص وعيادة في المعمل وإن كل عامل او موظف له أستحقاقات صحية وإجازات مرضية مع دفع كامل راتبه وبدون أي نقص !. فلم التخوف والتقصير !!؟.

المهم ... بعدها بدأوا بتشغيلنا نحنُ خريجي ثانوية الصناعة الألمانية على كل مكائن المعمل لمعرفة وضبط وتحديد طاقة الحد الأقصى لإنتاج كل ماكنة يومياً، وطبعاً كانت هناك فضائح لغالبية العمال المسؤولين عن تشغيل وعمل تلك المكائن !، مما أثار حفيظة وغيض وكراهية الكثير من عمال المعمل ضدنا، وبصراحة وصدق تام لم يكن يقف في صفنا ويُدافع عنا ويحمينا غير العمال الشيوعيين، وطبعاً إدارة المعمل والتي كانت حازمة ومتشددة جداً في إتخاذ عقوبات ضد كل من يوجه لنا إساءة من أي نوع .

نحنُ الأربعة كنا أنا وإبن عمتي صلاح دنو وزميل مسيحي كردي أسمه فريد منسي وزميل أخر مسلم مصلاوي أسمه مؤيد علي. والغريب وغير المنطقي جداً جداً أن بعض العمال راحوا يُسموننا ب ”الخونة“ !!!، لإننا كنا مُخلصين وصادقين ومواطنين أصلاء غيورين على عملنا ومعملنا وواجبنا وبالتالي وطننا العزيز.

بعد سنتين تم ترقيتنا ألى موظفين ورؤساء شعب ميكانيك وتم نقلي ومؤيد علي ألى معمل التاجي لتعبئة قناني الغاز، اما إبن عمتي صلاح فحصل على بعثة ألى روسيا وعاد بعد سنوات للعراق وهو يحمل شهادة مهندس، أما فريد منسي فقد هاجر الى امريكا ولم استطع الإهتداء له لحد اللحظة، وبقي مؤيد علي في نفس المعمل وفقدت مراسلاتي معه بعد سنوات، اما انا فهاجرتُ الى أمريكا بعد بضعة سنوات ولأسباب متعددة، وكما نعرف ... فأسباب العطش كثيرة !!.

المجد للطيبين الذين بهم المسرة .

. May - 9 - 2018

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 09-05-2018     عدد القراء :  2136       عدد التعليقات : 0