الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
جالياتنا العزيزة، لنزرع الأمل في الوافد الجديد بدل الأحباط

سابقاً كنا نرى النور يظهر على وجه كل من يعيش في الغرب حتى لو (مچولح)، اليوم أصبحنا نرى اكثرية الوجوه (مچولحة) ونحن نعيش في الغرب!

بعيد عن مشاعر الغربة والفراق المر للأهل والأعزاء، والبكاء على تاريخ حافل بالأنجازات الوطنية والعلمية، والسجود لتقبيل تراب الوطن عند اول عودة ميمونة للمغترب إلى وطنه، أقصد افلام أيام زمان (من كان اكو شيء إسمة وطنية الله يرحم).

كان المهاجر عندما يأتي لزيارتنا يتكلم عن جمال وتطور الدول التي يعيشون بها، ونحن نتنهد حزنا على وضعنا المتخلف، ونكفر برب الكون وعرشه وملائكته، وتشمل مكرمتنا أيضاً  انبياءه وذلك بحسب نسلسلهم في كتاب الدين في كل مذهب، ونلعن ايو اليوم الذي أصبحنا فيه عراقيين. وكان التعبير الدارج عندما يكون الحديث عن منجزات الغرب (عمي اوادم)، وكأننا نثبت واقعياً بأن أصلنا قد أمحدر من سيد قرد فعلاً كما شاء داروين، لكننا تأنسنا مع بعض العطلات، او بني سيد آدم المعروف بأبي البشر و (تقرددنا) مع بعض الأمتيازات وفوارق طفيفة.

خرجنا من القمقم وبدأنا مسيرتنا مع سبات لا يحتسب من عمر الأنسان في بعض دول الجوار كمحطات من اجل سفرة العمر، اي الهجرة، وكان نصيبي مع عائلتي قبل وصولنا كندا، ستة سنوات في لبنان وقبلها ابتلينا بثلاثةُ في الأردن الشقيق، مملكة بني هاشم وبئس المصير، ضقنا فيها الأمرين بعد ان أكتشفت بأن ليس الكل منحدرين من جدنا القرد، على الأقل القردة تعيش حياة أجتماعية وجماعية، ويمكن استثمارها لمتعة الناس، انما هناك فصائل مختلفة للسواد الأعظم من الأردنيين بأستثناءات قليلة جداً، وهم بعض العشائر الأصيلة او الطفرات الوراثية، اما الغالب فأطعموا العراقيون العلقم بتعاملهم الجاف والمتعجرف لهم، وابتزازهم والنصب عليهم، والقانون الأردني كان بالضد من العراقي حينذاك، وعلى رأس البنود الحقيرة إن كان قد سنّ في القانون فعلاً او بإرادة ملكية وتوصية هاشمية: (الشاكي والمشتكي من العراقيين يطرد)، بينما من سكن سوريا عشقها، واكثرية من سكن لبنان عشقها ايضاً.

في دول الأنتظار كنا نفتخر ونقول بأننا عراقيون لدرجة التكبّر و (التزامط)، ونرى انفسنا اعظم وافضل من الكل واعلى (كم شير وأصبعين)، فصدقنا انفسنا حتى استقرينا في الدول المحترمة جداً، والتي يعيش تحت كنفها من كل المشارب والألوان بعدالة مطلقة، وحق المواطنة مكفول، ومساعدات التكافل الأجتماعي جاهزة لأسعاف من تتوفر فيهم الشروط دون تمييز، ومجرد حصول المهاجر على ورقة إقامة رسمية، فحاله كحال من كان اجداده مؤسسين لهذه الدولة، له كل الأمتيازات بأستثناء الترشيح والتصويت في الأنتخابات، وهذا حق لمن يحمل جنسيتها المحترمة والأرقى من كل جنسيات دول شرقنا العزيز من المحيط إلى الخليج، والجوار معهم.

من المفارقات التي نكتشفها في المهجر او الوطن الجديد، نجد الكثير من الذين عانوا وقاسوا في العراق ودول المحطات، وكانوا يبكون دماً بدل الدموع، وإذ بهم بعد فترة من وصولهم إلى دول الأستقرار، وهم يتمتعون بمساعداتها، او لديهم عمل جيد وينعمون بالحرية، بدل ان يكونوا من الشاكرين، إذ بهم يلعنون الدولة التي آوتهم واعطتهم الأمان ويعيشون في ظلها بعدالة!! وأكثر (الخلف المچولحة) عندما (يولولون) على أيام زمان والحياة المترفة التي يدعون بأنهم يملكونها فيما مضى، نرى في محياهم كآبة  وعيون كالحة، أما الشفايف و (اللغليغ) يكادا يصلان إلى البلعوم.

ويا ليتهم من الذين تركوا العراق ايام الملكية وبعدها حتى بداية الحرب الطائفية العراقية الإيرانية، بل السواد الأعظم منهم هاجروا العراق نهاية العصر المظلم الذي انتهى عام 2003 او عصر (الفطيس والزفارية) من بعده، الذي اصبح فيه اسفل شريحة  تتبوأ مناصب حكومية مرموقة، وهم ليسوا إلا أداة للخراب الغعلي للعراق.

ومنيتي أن يعود هؤلاء المتباكين إلى وطنهم سعداء لينعموا بأطيب حياة والتي تفرض عليهم الولاء المطلق لأي جهة بأستثناء العراق!

ومن اقف لهم احتراماً هم  من هجروا العراق أثناء الحرب الطائفية العراقية الإيرانية وقبلها،  كون غالبيتهم اوفياء ومخلصين ومحبين لتلك الدول الراقية التي آوتهم واستقروا فيها، وهذا يدل على انهم بقوا على معدنهم الأصيل ولا ينكروا خيرها ورعايتها لهم، ولم ( يعضّوا اليد التي مدت لهم).

شخصياً وبعد معاناة وحياة قاسية جداً، مع (شوية) فقر وعوز  وعدم وجود اوراق تعطيني وعائلتي القدرة على حياة بشرية طبيعية إسوة بملايين سكنوا او مازالوا في دول المحطات، أخيراً صلت كندا بعد رحلة 9  سنوات عجاف، ومن بعد مدة حصلنا على المساعدات الأجتماعية، وبدأنا رحلة العمل خلال اشهر قلة، وإذا بي التقي بعراقي في المحل الذي عملت به وأنا مهاجر جديد خرجت من العناية المركزة بعد صراع مرير بين حياة ميتة، ووجود على الهامش، وما زلت في فترة النقاهة، حيث لم أدخل بعد جو الحياة في الوطن الجديد وليس الأغتراب، وما زلت غير مصدّق بأني وعائلتي ننعم بالأستقرار والحرية والكرامة والأمن والأمان التي فقدتهم لحظة قطع حبل المشيمة، وإّذا هذا النموذج وبعد ان عرف بأني منه وبه، يفاجأني ويقول: لماذا اتيت لهذه الدولة مع سلسلة شتائم مصحوبة بالأنفعالات التي شعرت بها مفتعلة! ويسترسل في سوء الكلام: كان الأجدر بك ان تبقى في لبنان لأن كندا اسوء دولة ...و.. و... و...و

بالتأكيد عرفت كيف أجيبه بالتي هي، (نبشت صفحته) حينها، ويا ليت لساني وهبه كم صفة من التي يستحقها، لكني للأسف الشديد انتقيت كلماتي بحذر.

سمعت قبل وبعد هذا النفر بعض الأنتقادات على كندا وحقيقة لم استسيغها، حتى ان من يعيش على المساعدات ويعمل (بالأسود) يلعن دائرة المساعدات (ويلفير) لأنهم يلتقون به كل شهر او أكثر كي يشجعوه على العمل، لأن جنابه الكريم يريد ان يأخذ ولا يفرغ نفسه ساعة واحدة شهرياً كي يحافظ موظفي الدائرة على وظيفهم ويعملوا واجبهم، وكنت ادافع من خلال خبرة مرة أكتسبتها من سلسلة حياتي التعيسة في العراق التي بدأءت في المدرسة وظلم التعليم، ومن ثم ما يقارب الست سنوات في الجيش العراقي الذي اهانه صدام، وسحق رأسه وهيبته من اتى من بعده، وصعوبات 9 سنوات في الأردن ولبنان، وهذا لا يعني بأنني لم اتمتع بحياتي، على العكس، لأني من النوع الذي يركض وراء الفرح وأحصل عليه في احلك الظروف، إنما التعاسة هو بموت الطموح وخوف من الذي يملك القانون، وجلهم تربية شوارع وعصابات مقننة.

وبالعودة للوجود (مچولحة)، التي سقت كل المقدمة اعلاه لأنهي مادتي بهم، فهم مصيبة وكارثة اغترابية، حيث يستقبلون الوافد الجديد بمسلسل التخويفات والنصائح الفارغة، والآراء التي لا تستند إلى المنطق، ليجردوه من أي أمل وحب لوطنهم الجديد الذي حلموا للوصول له! وولولتهم إلى حدا اللطم، على لحن حزين لأغنية تذمر وتشكي في أبيات مأثورة منها:  

حرامات شلون كان عدنا دراسة قوية، بينما هنا انكس تعليم، كان المدرس عدنا يلزم (العودة) ويحرك دين الطالب إذا متعلم!!

هنا مصلحي السيارات حمير، كان عدنا احسن فيترچية، وقد نسوا بأن من اهم معايير التصليح في العراق هو الغاء القطع الزائدة الذي وضعها (الجحاش) مصنعي السيارات

أطبائهم اغبياء، لا يستطيعوا ان يشخصوا اي حالة دون تحاليل، بينما الطبيب في العراق كان بيده الشفاء! (وكأنهم أبو علي الشيباني حفظه الله وأدامه ذخراً (للمجولكين)، متناسين بأن المريض هو حقل تجارب للأدوية في بلداننا العظيمة.

(وكلها بچفة ومن يلعنون ابو كندا وأمريكا ويگولون ...بس وصلنا بيها بينت الأمراض! كنا ناكل دهن الحر ولحم الغنم واللية وكل اكلنا دهون وما تمرضنا أبد)!! متناسين بأنهم وصلوا تلك الدول بعد ان طفح كيل البدن من تحمّل اطعمتهم الغير صحية!

اما عن مساعدات التكافل الأجتماعي، فنصيحتهم للمهاجر الجديد ان لا يعمل كثيراً ً لأن هذولة الـ ....  سيقطعون من راتبهم، وكأنهم لا يعلمون بأن فكرة الدعم المادي قائمة بالأساس لتقديم المساعدات للعاطلين عن العمل إلى حين حصولهم على وظيفة، بينما ابطال الف ليلة وليلة جعلوها جزء من حقوقهم المسلوبة!

حالات مستعصية فعلاً في تعامل المهاجرين مع الوافدين الجدد، لا يعرفون ان يمنحوهم الحب، ولا التفاؤل، ولا يتعلموا منهم الشكر، كل ما يصل لهم هو طاقة سلبية تفقدهم الطموح والرغبة في الحياة وحب الدولة التي استوطنوا فيها بعد توسلات وصوم وصلاة وقلق، واول كلمة تقال لمن يمنح تأشيرة دخول اي دولة محترمة لغرض الأستقرار هي (مبروك)، نعم مبروك لم يصل بر الأمان، ولمن يعرف يعيش بحب واخلاص، ومن يقدم شيئاً جيداً لجاليته واي شيء مفيد لهم مهما كان بسيطاً وإن كان كلمة تمنحهم الأمل.

مبروك لمن حصل وأخيرا سمة المواطنة في الدول التي عوضتنا حرمان الأمن والسلام والعيش الكريم في اوطاننا التي خذلتنا وجردتنا من انسانيتنا، والتي فتحنا اعيننا فيها على الحروب وقانون الغاب ومصير الأنسان التي يتحكم به جلاد او مسؤول او حتى جلاوزتهم وحاشيتهم وسماسرتهم.

مبروك والف مبروك للمهاجر الذي لا ينسى ما مر به من صعوبات، ولا يتخلى عن أبناء جلدته ولا يتكابر عليهم، ويعمل لصالحهم وخيرهم.

اخوتنا في المهجر...ازرعوا الأمل كي نستحق الحياة في دول اسعفتنا

  كتب بتأريخ :  الإثنين 18-06-2018     عدد القراء :  2652       عدد التعليقات : 0