الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
حسقيل قوجمان... وداعا!

ابراهيم الحريري

...و هكذا رحل الضلع الأخير من مثلث( المربع؟ ) ألأخوة الشيوعيين، آل قوجمان، و لعله الأخير من كتيبة شيوعيي الخالد، الاسطورة، فهد

التقيت بالأخ الأكبر، لعله يعقوب، في موقف شرطة البتاويين، عام 1954. كان انهى محكوميته، في طريقه الى الترحيل القسري الى اسرائيل، وكنت في طريقي الى سجن بعقوبة، محطة اخرى على طريق مواقف و سجون عديدة...

*********

التقيت حسقيل بعد ثورة 14 تموز، بعد اطلاق سراحه الذي تأخر، و لذلك قصة تنبئ من اي معدن صلب قُدّ حسقيل.

كان جرى اطلاق سراح السجناء السياسيين، شيوعيين و غيرهم، بعد ثورة تموز، بينهم عدد من السجناء و السجينات الشوعيين اليهود.

كان عبد السلام عارف، وقتها، وزيرا للداخلية, اشترط ان يشهراليهود من السجناء و السجينات الشيوعيين، اسلامهم ، و الا جرى ترحيلهم الى اسرائيل.

رفض حسقيل. لم يطلق سراحه الا بعد ستة اشهر من الثورة، و ذلك عنما تم" ترحيل" عبد السلام عارف سفيرا الى المانيا, فخرج حسقيل من السجن الى الوطن.

سألته عندما التقيته بعد اطلاق سراحه: لماذا لم تفعل مثلما فعل الآخرون؟

صفن قليلا. ثم قال: رفيق براهيم، تعرف آني شيوعي، لا علاقة لي بأي دين، مع احترامي لكل الأديان، لكني اعتبرت ان ارغامي على التخلي، رسميا، عن يهوديتي، و اشهار اسلامي، مثل ارغامي على اعلان براءتي من الشيوعية*, رفضت. فضلت البقاء في السجن، على فعل ذلك"

اطلق سراحه. كان قد جرى ترحيل زوجته ، حبيبة، اذا لم تخني، كالعادة، الذاكرة، الى اسرائيل. اوائل الخمسينيات. لم يلتحق بها. فضل البقاء في الغراق، وطنه,

استأجر غرفة في احد بيوت محلة " التاويين". زرته هناك مرات عديدة.

كنت انا و الصديق، الرفيق، رسول رضا الجبوري، السجين الشيوعي السابق،( شاركنا فيما بعد، الراحل توفيق العبايجي) افتتحنا مكتبة مفابل وزارة الدفاع، اسميناها مكتبة " الأتحاد الوطني". بدا يتردد علينا حسقيل.

كلفناه بترجمة بعض الكراريس من مؤلفات ماوتسي تونغ، كان يترجم، ايضا، لمكتبة "النور". اعتاش على ما يرده من ترجماته.

زرته في غرفته البائسة في البتاويين. كنت ارى كيف يعيش هذا الكهل، الشيوعي العراقي اليهودي:

جولة يطبخ عليها، حبل غسييل وسط الغرفة، تتدلى منه ملابسه التي كان يغسلها بيديه. لم يكن يشكو سوى صلته الفردية بالحزب، و هو الذي فضل ان يبقى في وطنه، العراق، لصيقا بحزبه، الحزب الشيوعي العراقي.

انقطعت صلتي به بعد ان تركت المكتبة لشريكيّ، و تفرغت، بطلب من الحزب، للنشاط الحزبي.

لم التقه، مرة اخرى، الا بعد 45 عاما, في لندن. دعاني الى الغداء في بيته. تعرفت على حبيبة، زوجته، اخت الرفيقة سعاد( سعدية) خيري.

لا اعرف، بالضبط، كيف وصل لندن. لم اساله, لكني سمعت, انه القي القبض عليه بعد انقلاب شباط عام 1963, جرى تسفيره الى ايران، التحق، من هناك بزوجته في اسرائيل، لم يبق فيها، شأنه شان الكثير من اليهود العراقيين، وفضلوا المغادرة الى المنافي...

*********

كان حسقيل، كشيوعي و كاِنسان، شخصية نادرة، فريدة.

كشيوعي، لم يتقبل التطورأت التي طرأت على الحركة الشيوعية" بعد رحيل ستالين. اعتبر ان "الأنحراف" بدا مع خروشوف. انتقل الى شيوعية ماوتسي تونغ ثم استقر فكريا، في البانيا، عند شيوعية انور خوجة. و كتب في ذلك "اطروحات" عديدة.

عدا ذلك، كان موسيقيا، عازفا على العود، مؤلفا، وباحثا في الموسيقى العراقية و دور اليهود فيها و له في ذلك مصنف، مرجع.

لعل قلائل يعرفون انه لحن، في السجن، ان لم اكن مخطئا، نشيد "الجمهورية"، كلمات القائد الخالد سلام عادل

نشيد يتفجر، كلمات ولحنا، شحنات ثورية عالية، تغبر عن شخصيتيّ المؤلف و الملحن.

********

حسقيل قوجمان، الجندي الأخير الذي ظل، من كتبية الأربعينيات الثورية، متنكبا سلاحه ...وداعا!

28 /10 /2018

  كتب بتأريخ :  الأحد 28-10-2018     عدد القراء :  1527       عدد التعليقات : 0