الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
حتى كذبة أبريل

لم تفلت كذبة أبريل من فتاوى مشايخنا، أو تبرأ من سلطانهم، أو تزوغ وتتحرر من أسوارهم، مشايخنا على طول تاريخنا حاصرونا فى لحظات الصدق، وفى لحظات الكذب، وفى ساعات الضحك وأيام البكاء، وفى طول الليل وعرض النهار، ودخول غرف النوم والأكل والشراب، حتى فى دخول الخلاء، والنزول والطلوع والسفر والعودة، وأصبح الواحد فينا يحتاج إلى شيخ يلازمه فى يومه الذى يبدأ من أذكار الصباح حتى النوم والمضاجعة فى الليل، يأخذ بيده يدله كيف يفتح باب شقته، وينزل سلالم بيته، ويركب سيارته، وربما يتركه إذا همّ بركوب المواصلات العامة، وفى عمله وعودته، وتناوله أكله بيمينه وتحريم شماله، وشرابه جالساً وكراهته واقفاً، ودخوله الحمام يبول فيه جالساً ويبغضه واقفاً، والاستعاذة من الخبث والخبائث وإلا ركبته العفاريت، كل هذا يأتى حفظاً وصوناً له من شياطين الإنس والجن.

دار الإفتاء المصرية تدعو المصريين إلى عدم المشاركة فى كذبة أبريل، تحت شعار «لا تشارك فى كذبة أبريل»، وأكدت الدار أن المسلم لا يكون كذاباً حتى ولو على سبيل المزاح، والكذب متفق على حرمته ولا يرتاب أحد فى قبحه، والأدلة الشرعية فى هذا كثيرة «هكذا كان بيان دار الإفتاء المصرية المسلمة» نشكركم السادة الأفاضل فى دار الإفتاء المصرية على هذه النصيحة الغالية، ونعلمكم ونبشركم أننا كذبنا كذبة أبريل الحالى، وسوف نكذبها فى السنوات القادمة، وكلفنا من كان منّا حياً أو من ورثتنا الشرعيين بالحفاظ عليها عاماً بعد عام، بركة من الغرب الكافر. والكذب على سبيل المزاح والضحك لا يقل ولا يزيد على الكذب المسموح به شرعاً، فإذا كان الأول مداناً ومكروهاً، فالثانى أولى بالإدانة والكراهية، فما هو الكذب الشرعى يا ترى؟ تعالوا نأخذ مثالاً عملياً عن «المعاريض»، عن عمران بن حصين، قال رسول الله: «إن فى المعاريض لمندوحة عن الكذب» رواه البخارى، وعن عمر بن الخطاب: «ما فى المعاريض ما يغنى الرجل عن الكذب»، فما هى المعاريض يا ترى؟ المعاريض كما يقول النووى: «أن تطلق لفظاً هو ظاهر فى معنى، وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلاف ظاهره، وهذا درب من التغرير والخداع»، وقال آخر: «التعريض كلام له وجهان صدق وكذب»، وقال أحدهم: «هى التورية بالشىء عن الشىء»، أى يأخذه السائل على محمل الصدق، ويناوله المجيب محمل الكذب البعيد، وهو هروب من الكذب المحرم شرعاً إلى التورية المباحة شرعاً، أو الهروب من الكذب إلى الكذب، فتقول كلاماً يفهمه الناس على غير ما تقصد، وهو خداع شرعى، فلو سألك سائل هل تقاضيت مقابلاً من المال عن عملك هذا، وأقسمت أنك لم تتقاضَ جنيهاً واحداً، وكنت تقصد هذا الجنيه هو كل أجرك وأتعابك فقط، وأقسمت على هذا وتقاضيت أكثر، فلست بكاذب، أو تقاضيت أجرك بالدولار، وليس بالجنيه فأنت صادق ولست بكاذب، وللشيخ محمد حسان مثال فى هذا الشأن عظيم، فلو أن أحداً يسألك عن أبيك: هل هو فى البيت أو خارجه، ونام الأب مسرعاً فى لحظة سماع صوت السائل على جنبه مستيقظاً، وأجبت السائل بأنه نائم، فأنت بصادق ولست بكاذب، أو قلت له ليس أبى هنا الآن، وأنت تقصد بـ«هنا» المكان الذى تجلس أنت فيه، وتشير إلى الصالة الواقف أنت فيها، ووالدك فى غرفة من الغرف مثلاً، فأنت صادق ولست بكاذب، فى حين أن السؤال خاص بالبيت كله أو فى حدوده، والغريب أن الشيخ فى الموقف نفسه يعرّف لنا الكذب على أنه «الإخبار عن شىء يخالف الواقع»، وهل يا شيخ فى كل ما قلته شىء يتفق مع الواقع؟ هذا هو الكذب الشرعى، أليس هذا تضليلاً وغشاً وتدليساً؟ السائل هنا يأخذ الإجابة على حدود سؤاله، وأنت من المفترض أن تجيب عن حدود علمك بسؤاله، «وقبل أن ننسى أو نُتهم بإنكار معلوم من الدين بالضرورة، فقد كان الكذب مسموحاً به فى صدر الإسلام فى ثلاثة مواضع: الأول فى الحرب، والثانى فى الإصلاح بين الناس، والثالث فى حديث الرجل لزوجته أو المرأة لزوجها، وأتصور أن المعاريض كانت كذلك، فلا يمتد الزمن بها لكى تصبح هروباً أو زوغاناً شرعياً، أو يستخدمها الناس مندوحة للكذب، وهو لم يكن ما قصده الرسول»، ثم ألا يزيد ويتفوق هذا الكذب الشرعى على كذبة أبريل ويتفوق عليها؟ أليست المعاريض هذه هى الأولى، وأختها «التقية» بالاستعدال أو الاستبراء منهما الآن، فلم يعد لنا بهما حاجة؟ أليس الكذب حراماً ولا فرق بين الكذبة السوداء والكذبة البيضاء؟ فربما تكون الكذبة البيضاء قاتلة وتكون أقسى من السوداء وأشد خطراً. أيها السادة الأفاضل من مشايخنا نهيب بكم اتركوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، فليس هذا أمراً يحتويه الدين، أو يدخل فى دائرته واختصاصه، وهو أمر دنيوى من أراد أن يقلده فله حريته ومن امتنع فهذا حقه، ونرجوكم ادعوا الناس أولاً إلى ترك الكذب الأسود الذى تفشى فى المجتمع وأصبحنا لا نستطيع أن نفرق بين سواده وسواد الليل الدامس المظلم الظالم، وادعوا الناس إلى الإخلاص فى العمل وإتقانه، كما تدعون الناس إلى إتقان الصلاة وفرائض الدين، واتركوا كذبة أبريل حتى ترفعوا الكذب الشرعى والمباح عن كاهلنا، ساعتها سنحط كذبة أبريل ونضعها بجوار الحائط، ونستغفر الله لنا ولكم من كل الأكاذيب البيضاء والسوداء، ومَن كانت على سبيل المزاح أو الجد أو الغش.

adelnoman52@yahoo.com

"الوطن" القاهرية

  كتب بتأريخ :  الجمعة 05-04-2019     عدد القراء :  2313       عدد التعليقات : 0