الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
لمن إستطاع إليه مرة واحدة

مشايخنا قديما وحديثا يتجاهلون  أن الحج لمن إستطاع إليه سبيلا ، وأن القدرة والإستطاعة شرط  لتمام الركن وألقيام   بالشعيرة ، ويسقط التكليف عن غير القادر ماديا وصحيا` .  ويتناسون  أن النبى  حج لمرة واحدة   فى السنة العاشرة  من الهجرة، وكثيرا من الصحابة سنوا سنته وساروا على هديه . ومشايخنا  يسروا وسهلوا  على الناس الحج بالإستدانة  والتقسيط  ، على أن يكون قادرا على سداد الدين فى المستقبل ، وهل يضمن العبد رزقه وأنفاسه وغده ؟ وأصبح لمن إستطاع إليه  تدبيرا ، بديلا عن لمن إستطاع إليه سبيلا  .  ولم يعيروا حاجة الناس وفقرهم  إعتبارا  ،وفتحوا الباب للأغنياء أن  يحجوا ماشاءت إرادتهم وقدرتهم  إلى ذلك سبيلا  ، سنة تتلوها أخرى  ، وكان أنفع  وأقرب لله  أن يعيرها الأغنياء للتعليم عاما وللصحة ألثانية   وللثقافة والتربية  الثالثة ، والرابعة والخامسة ماأراد الناس وأحتاجت الدولة ، خمسة أعوام يعيرها الأغنياء لبلادهم وأوطانهم  لن تنقص من أموال  أهل الحرمين  شيئا ، لكنها ستزيد وتعدل الميزان عندنا  ،   إلا أنهم لايبالون حتى  لو قصموا ظهر الدولة وأفقروها  وأفلسوها.   وأجازوها أيضا هدية وهبة وعطية ومنحة ، فأنحرفت ومالت الى الرشوة  ،ومقابلا  لقضاء مصالح قوم  ليس لهم الحق فيه   ، كل هذا   ليس حبا   فى هؤلاء البسطاء ، أو حرصا على أدائهم الفريضة   بل مكسبا ومغنما  ومربحا لأصحاب الديار العامرة ، التى فاق الحب لها كل الديار حتى ديارنا التى تأويهم ،  وزيادة فى الخير لأرض الخير   حتى لو كان    على حساب  إفقار الفقراء وحاجة المحتاجين وهم أهليهم  ، فيربطون على بطونهم واولادهم طوال العمر ، حتى يكبونها كبا فى جيوب عامرة مكدسة من كل حدب وصوب ، وكان أولى أن نقول للناس البسطاء والفقراء قولة حق ، من أراد الذهاب إلى ألكعبة منكم وتاق وأشتاق إلى الحج ولم يستطع الى  ذلك سبيلا  ، ستأتيه الكعبة يحج إليها ، كما سارت من مكة إلى البصرة لتحج إليها   رابعة العدوية   .

والحج كان ومازال مصدرا للرزق الوفير لأهل مكة من مئات السنين  ،  وهم قوم تجارة ، فلا زرع فيها ولاماء ، ولاوجود لها إلا بالتجارة ،  ولاتجارة فيها  إلا مع الحج ،وهذا بن الخطاب  يقول : " وهل كانت معايشنا إلا من التجارة فى الحج !؟ "   وكانت العرب تحج إلى ألكعبة بكل دياناتها حتى الوثنيين إلى السنة التاسعة  للهجرة  حين فرض الحج على المسلمين فأنفردوا بها  ، أما عن عام الفتح، فقد حج المسلمون بجوار الأديان الأخرى يرافقهم الوثنيون،   ومعلق على جدرانها تمائم لكل الأديان ، وكانت الأشهر الحرم فترة هدنة بين العرب ، ليمر الحجيج وتعبر قوافل  التجارة  فى طريقها المعهود فى أمن وسلام ، وكان يقام فى موسم الحج قبل الإسلام سوقان فى مكة ، واحد فى عكاظ والثانى فى مجنة فى شهر ذى القعدة  ، وسوق آخر هو ذى المجاز فى شهر  ذى الحجة ، ايهما إرتكز على الآخر التجارة أم الحج ؟ يقولون ربما تساندا منذ اليوم الأول ، وأقول الحج كان سندا للتجارة ومبدأها .  والأشهر الحرم أربعة ، لايحل  فيها قتال أو غزو  ، ثلاثة متصلة للحج وهم (  ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ) وهى مقسمة شهر للذهاب وشهر للإقامة وآداء المناسك  والأخير للعودة ، والشهر الرابع( رجب ) منفصل للعمرة  ويكفى   للبلاد المجاورة  فقط ، وأبقى الإسلام على طقوس الحج كاملة ، إلا القليل منها ،  تعظيما لديانة إبراهيم وتلبية لرجائه  ، وحفظا لمعاش المكيين كما أوصى  عبد المطلب .  وكان لعبد المطلب جد النبى  وصاية الأنبياء  على الحجيج قبل الإسلام ، فقد حرم الطواف حول الكعبة على السكارى وعلى العرايا ، وكان العرب يطوفون حول الكعبة  إما بملابس يحرقونها بعد المناسك " الحمس وهم أهل قريش"  ، وإما عرايا كما ولدتهم أمهاتهم وهم باقى الحجيج  ، حتى لايحج الحاج ويقابل ربه  فى ثياب قد دنسها بأفعاله ، والإسلام قد ورث من العرب الجاهليين الكثير من الشئون التعبدية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية وأهمها مناسك الحج ، وحد السرقة والحرابة وعدة المرأة والتطهر من الجنابة والطلاق ثلاثا ، والمحلل ، وغيرها الكثير  .

لم يكن الحج إلى عهد قريب على هذا النحو ، وأعداد الحجاج والمعتمرين لم تكن بهذه الكثافة المتزايدة ، إلا أن السياحة الدينية  والترويج لها ، وإنتشار الفكر الوهابى والسلفى ، والمراكز الإسلامية التى تمولها دولة الحرمين ،  وفرض الحجاب والنقاب شكلا وتمييزا وتفصيلا ،وتمادى ظاهرة التدين بأشكاله المعتدل منه والمتطرف ، وتزايد أعداد سفرائهم ووعاظهم ومؤيديهم ومشايخهم  وشركاتهم  ، والإسراف والبذخ  فى بناء المساجد  ،قد زاد اعداد الحجيج  ، الحاليين  والقادميبن   ،و قد من  عليهم بالخير  الوفير ، وأضحى المردود يزيد مئات المرات عما أنفق ، والداخل أكثر من الخارج . أيها السادة  زوار البيت من كان فقيرا فلا حج  عليه ، ومن كان غنيا ولافائض عنده  لاحج عليه ، ومن كان غنيا وحج مرة واحدة فقراؤكم وجهلاؤكم ومرضاكم أولى من أغنيائهم ، الحجة الأولى لله ، والثانية لأهلك  .  

adelnoman52@yahoo.com

  كتب بتأريخ :  الجمعة 09-08-2019     عدد القراء :  2412       عدد التعليقات : 0