الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الناجيات عراقيات...

أعلنت رئاسة الجمهورية في السابع من نيسان عام 2019 إرسال مشروع "قانون الإيزيديات" إلى مجلس النواب العراقي لمناقشته.

ووافق مجلس رئاسة الوزراء في الجلسة رقم 258 والمؤرخة في السادس عشر من تموز للعام الحالي أنْ يكون عنوان القانون الخاص بمعالجة أوضاع الإيزيديات بالشكل التالي "قانون الناجيات من جرائم تنظيم داعش الإرهابي بما في ذلك الإيزيديات والمسيحيات والتركمانيات". جاء ذلك تلبية لمقترح قدم من قبل المفوضية العليا لحقوق الإنسان / المكتب الوطني أعلنت عنه السيدة فاتن الحلفي عضو المفوضية العليا بسعادة كبيرة.

لسوء الحظ، فات المفوضية العليا لحقوق الإنسان ورئاسة الجمهورية ومجلس رئاسة الوزراء التعرف والإعتراف بأنّ الناجيات عراقيات وأنّ الإرهاب لم يميز بين جماعة وأخرى فور تمكنه من ذلك ومواجهته بأي قدر كان من المقاومة وعدم التعاون. وأنّ الإرهاب شمل بشراسته وعنفه وزخم الكراهية فيه النساء والرجال من سكنة المحافظات التي صارت ساحة لمعارك ما أصطلح عليه بـ "حروب تحرير المدن"، في الموصل والأنبار وبابل وديالى وكركوك وصلاح الدين وأطراف بغداد. فقد شهدت كل هذه المدن حالات تعذيب وخطف واستعباد واغتصاب إلى جانب عمليات التطهير العرقي التي قتل فيها الرجال والأطفال وأصيبت النساء بالعوق. وهذا ما أدى بهذه المدن إلى أنْ تصبح "مستعمرة العقاب"، كما أطلق عليها د. فالح عبد الجبار في دراسته، "دولة الخلافة: التقدم إلى الماضي"، مفنداً الإعتقاد السائد بتحميل الغالبية العظمى من سكان هذه المحافظات مسؤولية الترحيب والتعاون مع داعش.

وكما جاء في دراسة صدرت عن وزارة الهجرة والمهجرين عام 2017، فقد ساهم التنظيم الإرهابي بتهجير مليوني امرأة من مجموع ثلاثة ملايين وستمائة ألف مواطن تعرضوا للتهجير بلغت نسبة النساء فيهم 51% وبواقع 726421 عائلة. شكل الإيزيديون 7% منهم وهي نسبة عالية إذا ما أخذ الحجم السكاني للجماعة الإيزيدية، فيما بلغت نسبة المسيحيين 0,02%، إلى جانب التركمان وأعداد من الصابئة المندائية. وصفت الغالبية العظمى لهؤلاء المهجرات ممن صرن في عداد الناجيات بعد إنحسار خطر الإرهاب بأنّهن شابات وفقيرات وعاطلات عن العمل لقاء أجر. ورد ذلك في دراسة علمية كلفت بالقيام بها وستنشر في مجلة "شؤون اجتماعية" الإماراتية هذا العام. أجريت الدراسة بدعم من البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة ودائرة حماية المرأة التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في المحافظات المذكورة وبمشاركة فريق واسع من الباحثات الاجتماعيات في المحافظات المذكورة.

لما كان مشروع القانون المذكور يولي عناية خاصة للناجيات من الإيزيديات إلى جانب ما نص عليه في أحدث تعديلاته "التركمانيات والمسيحيات"، فقد صار من الواجب الوطني والأخلاقي التذكير بنساء ورجال آخرين يتوجب على القانون أخذهم بالإعتبار ممن شهدوا عمليات قتل واغتصاب وخطف للأقارب من الأزواج والأبناء والبنات. ولعل التخصيص على جماعة دون أخرى يعود أصلاً إلى العقلية السياسية الحاكمة اليوم التي تسمح بسياسة "المحاصصة الدينية والمذهبية والعرقية". وهي سياسة للتفرقة والتمييز بين المواطنين مما يعرض المساعي الوطنية إلى مثلبة كبيرة تكفل تعزيز مراميها المريضة والخطيرة على المجتمع وتحول دون مصالحة وطنية حقيقية تؤدي إلى تحقيق حالة من السلم الأهلي الضامن لمصالح الجميع. سياسة تقوم على التخصيص والتجاهل لجماعات دون أخرى وتحث على المنافسة والإحتراب بين الجماعات المتعددة لغرض تأمين المصالح الشرائحية والجماعاتية مما يؤمن العزلة والإنغلاق على حساب التفاعل والإندماج الاجتماعي الذي يفضي إلى نتائج مأمونة ومطمئنة للجميع.

من جانب آخر، يعرف القانون "الناجيات الإيزيديات"، بأنّهن النساء الإيزيديات اللواتي أختطفن من قبل عصابات داعش الإرهابي بعد الأول من حزيران عام 2014، وتحررن بعد ذلك. السؤال، وماذا عن النساء المختطفات اللواتي لم يتحررن بعد ممن تستغيث عوائلهن لمعرفة مصائرهن وتنقل وسائل التواصل الاجتماعي أخباراً متفرقة عنهن بين الحين والآخر! مختطفات صرن ضحية الإتجار بالبشر أو لا زلن أسيرات في معسكرات التنظيم في سوريا أو نساء تمّ بيعهن في دول أخرى ناهيك عن المفقودات منهن ممن لم تبرد قلوب ذويهن بشأنهن بعد!

سيكون القانون وبخاصة إذا ما وسع ليشمل بعنايته كل الناجيات والناجين بحق خيمة وطنية من حيث إنّه يعد بتعويضهم مادياً ومعنوياً ويسعى إلى تأهليهم ورعايتهم وتأمين حياة حرة وكريمة لهم مع رواتب تقاعدية وقطعة أرض لمن لا يملكها. يدعو القانون أيضاً إلى فتح العيادات الصحية الخاصة بتأهيل الناجيات من النواحي النفسية والاجتماعية والمهنية. كما يدعو إلى اعتبار الثامن من آذار من كل عام يوماً وطنياً للتعريف بما نزل على العراقيين من إبادة وتهجير وخطف واغتصاب مع تسمية الجماعات المتضررة وشرح معاناتها. ويقر القانون بألا يشمل مرتكبوا جرائم السبي بأي عفو عام أو خاص. ويولي القانون عناية خاصة بمواليد هؤلاء الناجيات في ظل ظروف السبي والتهجير ويشجع على تسوية أوضاعهم بالتعاون مع الجهات الدينية والاجتماعية ذات الصلة. وكان المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى أصدر بياناً في الرابع والعشرين من نيسان الماضي أعلن فيه إيفاد عدد من رجال الدين إلى سوريا لمتابعة موضوع المخطوفات والمخطوفين بعد القضاء على داعش لغرض البحث عنهم والمساعدة على إعادتهم إلى ديارهم. وهذه مهمة عسيرة بحد ذاتها لأنّها ترتبط بإطفاء الجروح ومعالجة الندوب التي ليس من السهل ازالتها أو التغطية عليها والتي تتطلب جهداً إنسانياً واجتماعياً كبيراً يعمل بمعية القانون ويساعد على أنسنته.

بيد إنّ القانون يذهب بعيداً عندما يتحمس لمنح المشمولين بأحكامه فرصة العودة إلى الدراسة استثناءاً من شرط العمر والمعدل. معلوم أنّ المؤسسة التعليمية في العراق تعاني من اختناقات كثيرة وتضخم في أعداد الساعين للتزود بما تمنحه من شهادات مما يجعل من تشريعات من هذا النوع عبئاً لا يعود بالمنفعة على المشمولين به من حيث أنّ العمر والمعدل شرطان يتوجب إحترامهما لأسباب موضوعية لا خلاف عليها. كما إنّه يثقل كاهل المؤسسة التعليمية التي عليها أنْ تكافح لإصلاح أوضاعها، ابتداءً. قد يكون البديل المناسب على هذا الصعيد العمل على تنشيط القطاع الاقتصادي لتوفير فرص عمل تساهم بتنمية كفاءات ومهارات هؤلاء الضحايا من الناجيات والناجين.

ما حدث للنساء العراقيات خلال تلك الفترة العصيبة يذكر بالعنف المركب الذي تعرضت له النساء تاريخياً من حيث أنّهن تحولن بين ليلة وضحاها إلى مادة للإستخدام وسلعة للبيع والشراء. وهذا ما يتطلب سرعة في تشريع القانون والعمل على تطبيقه بالعدالة التي يتوقع منها وبما لا يغفل حق جماعة وطنية دون أخرى. سيلعب التباطؤ وترك مشروع القانون للآليات البيروقراطية في تعديله وبلورته بما يحقق الغرض منه دوراً مهماً في تعميق الشعور بالنقص والتهميش والإقصاء ويساهم بإدامة دائرة الفقر للمتضررات والمتضررين ومن يرتبط بهم من أطفال وأقارب من المعوزين من المرضى وكبار السن. يحدث هذا في زمن تقوم فيه النساء بقيادة دول قوية مثل النرويج وفنلندا وانكلترا وألمانيا بل واتحادات عظيمة مثل الإتحاد الأوروبي. إنّه تحدٍ اجتماعي وسياسي آخر كبير يتحتم على العراق النهوض به ومواجهته وبما يصلح أحوال الجميع.

  كتب بتأريخ :  الأحد 25-08-2019     عدد القراء :  1806       عدد التعليقات : 0