الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
لا يشغلنا هم العراق عن خطورة الغزو التركي

من الطبيعي أن يكون شغلنا الشاغل نحن العراقيين هو ما يمر به العراق من حراك شعبي، وما يقابله من قمع دموي من قبل الحكومة. لكن هذا لا يبرر لنا غض النظر عما يقوم به النظام التركي العنصري الإخواني من عمليات اقتحام للشمال الكردي لسوريا، بحجة محاربة الإرهاب.

إن نظام حزب العدالة والتنمية الإسلاموي العنصري هو آخر من يحارب الإرهاب، فقد سمح هذا النظام لتركيا أن تكون ممرا للإرهابيين القادمين من أورپا إلى العراق وسوريا، والكل يعرف إن ابنته الطبيبة كانت مديرة المستشفى التي كانت تعالج جرحى مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي.

إن الرئيس التركي استخدم المشاعر العاطفية للإسلامويين والمتدينين الأتراك من جهة، وللمشاعر القومية لأتباع العرق التركي خاصة من شعوب الأناضول، ليلتف حوله نصف الشعب التركي، هم الترك الموالون له إما إسلاميا وإما قوميا، بينما النصف الآخر من كرد وعلويين وأرمن وترك معارضين، يَعدّهم أردوغان، كما جاء مرة في إحدى خطبه، خارج (الأمة التركية).

قوات سوريا الديمقراطية ببطولة وتضحيات وصمود مقاتلاتها ومقاتليها الشجعان، هي التي دحرت تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، وأقامت واقعا ديمقراطيا في المنطقة الكردية، بعيدا عن التطرف والعنصرية، بل أكدت اعتدالها وليبراليتها بإلغاء عقوبة الإعدام، التي لم تطبقه حتى بحق الإرهابيين الذين أسرتهم. ورغم أن مقاتليها من الكرد لم تتخذ لنفسها تسمية كردية، بل أكدت سورية وديمقراطية هويتها.

وباقتحام الجيش التركي نكون أمام خطر إطلاق سراح العشرة آلاف من الإرهابيين في سجون قوات سوريا الديمقراطية من قبل الجيش التركي، أو هروبهم مستغلين احتدام القتال بين جيش الاحتلال التركي وقوات سوريا الديمقراطية. وهذا سيمثل خطرا كبيرا من جديد على كل من سوريا والعراق، وربما على بلدان إقليمية أخرى، وحتى على أورپا.

وهاجم أردوغان أورپا، وهاجم السعودية ومصر، وحتى لو كان بعض هجومه على السعودية بشكل خاص وعلى مصر حقا، فإنه حق يراد به باطل. فهو محق في تحميل السعودية مسؤولية دمار اليمن، لكنها مسؤولية تشترك بهما السعودية وإيران على حد سواء، وهو محق إلى حد ما بعدّ السيسي بعيدا عن الديمقراطية - نعته بقاتل الديمقراطية - ولكنه هاجم السيسي، لأنه أسقط حكم الإخوان المسلمين والرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي، الذي اعتبره منتخبا ديمقراطيا، واتهم السيسي تلميحا بقتله. ثم أين هو من الديمقراطية، وسجونه مكتظة بمئات الآلاف من سجناء الرأي من أساتذة جامعة وطلبة وموظفين ومحامين وقضاة وعسكريين ومن سائر شرائح الشعب في تركيا.

ويجدر الإشارة إلى وجوب التمييز بين "تركيا" كتسمية اختارها مؤسس الجمهورية أتاتورك لبلاد الأناضول بعد سقوط السلطنة العثمانية، وبين القومية التركية التي هي إحدى قوميات بلاد الأناضول، وإن كانت هي قومية الأكثرية، لكن بقية المكونات الأخرى لشعب الأناضول، من كرد وأرمن وعرب وغيرهم، لا يمثلون نسبة ضيئلة، لكن مؤسس الجمهورية، كان صحيح من جانب علمانيا، مما يحسب له، إلا إنه كان قوميا منحازا لقوميته، وهو الذي رفض الاعتراف بالمجزرة التي ارتكبها أسلافه العثمانيون ضد الأرمن، بقتل مليون ونصف مليون منهم، رجالا ونساءً وأطفالا، وكذلك بقيت كل الحكومات التركية المتعاقبة ترفض الاعتراف بهذه المجزرة اللاإنسانية، وحتى علمانيته فقد فرضت بقرار فوقي، ولذا أبقى عليها أردوغان شكلا، وقضى عليها مضمونا، بخطة ذكية خبيثة وبالتدريج، وهو مستمر إلى نهاية الشوط في ذلك.

أما أورپا، فيخاطبها بلغة أولاد الشوارع مهددا إياها أن يفتح الأبواب عليها ليرسل إليها 3,6 مليون لاجئ.

لكن النظام التركي لا يتحمل مسؤولية هذا الغزو العسكري وحده، بل أمريكا برئاسة ترامپ أعطته الضوء الأخضر، بانسحاب القوات الأمريكية، وروسيا صامتة تجاه ما يحدث، ولا أظن نظام بشار الأسد البعثي مبتئسا بما يحصل، بل هذا يسر كل الأنظمة التي لها موقف معادٍ تجاه الشعوب الكردية، سواء النظام الإيراني أو السوري. وحتى إدارة إقليم كردستان العراق لم تتخذ موقفا تجاه هذا غزو العسكري التركي ضد الشمال الكردي لسوريا.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 11-10-2019     عدد القراء :  1941       عدد التعليقات : 0