الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
نحو تشكيل هيكلية تنظيمية للكتلة التاريخية القادرة على تحقيق النصر والتغيير

يخطئ تماماً من يتحدث عن العفوية الصرفة لانتفاضة الشبيبة العراقية الباسلة في الأول من تشرين الأول 2019 ويعتقد بأنها ليست نتاجاً لكمية هائلة من تراكم الإساءة المستمرة للكرامة الوطنية وهوية المواطنة والضغط النفسي والعصبي والاجتماعي على المجتمع بأسره، لاسيما الشبيبة، والنسوة منهم على الخصوص، ومن التمييز المفرط بين أفراد المجتمع على أساس القومية والدين والمذهب والحزبية والعشائرية والمناطقية، ومن النهب المستشري لموارد البلد المالية وثروته النفطية وقوت الشعب والفقراء والمعوزين والكادحين منهم على وجه الخصوص، ومن التبعية التامة لأجندات خارجية افقدت الوطن سيادته واستقلال قراراته الداخلية والخارجية ومن التدخل الإيراني اليومي الفظ في حياته وشؤونه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن الفعل المدمر للإنسان العراقي ودوره ودور الدولة بسلطاتها الثلاث وشؤون المجتمع من جانب الميليشيات الطائفية المسلحة، باعتبارها جزءاً أساسياً فاعلاً لقوى وهيكلية الدولة العميقة وتشكيلاتها المافياوية الشديدة التشابك والعمل المشترك مع المافيات الإقليمية والدولية. يضاف إلى كل ذلك معاناة البشر ، لاسيما الشبيبة من البطالة والفقر والغربة في الوطن ومن غياب التنمية بشكل تام ونقص شديد ومتفاقم للخدمات الأساسية. كل ذلك حرك الشبيبة المدنية والواعية على امتداد السنوات المنصرمة منذ الإطاحة الخارجية بدكتاتورية البعث المجرمة، فهبت بين فترة وأخرى ضد النظام الطائفي الفاسد الذي أنتجته قوى الاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق وبمساهمة قذرة من إيران والقوى الطائفيةالمحلية الفاسدة. وكل هبة من هبات الشبيبة المدنية والمؤمنة المتتالية جوبهت بالحديد والنار والوعود الكاذبة وباستمرار ممارسة نفس النهج السياسي العدواني إزاء الغالبية العظمى من المجتمع. وزاد في الطين بلة ما نجم عن تلك السياسات الطائفية والفساد العام والشامل من تفريط إجرامي من قبل السلطة التنفيذية ومجلس النواب بالبلاد والسماح باجتياحه وسبي واغتصاب وقتل بنات وأبناء شعبنا في المناطق التي احتلت من قبل عصابات داعش الإجرامية ونهب أمواله وتدمير تراثه الحضاري أو سرقته.

   وعلى امتداد السنوات المنصرمة لعبت القوى المدنية الديمقراطية، لاسيما الحزب الشيوعي العراقي، والقوى الدينية، لاسيما الصدريين، التي ادركت المخاطر الناجمة عن السياسات التي تمارسها قوى النظام على الدولة والمجتمع، دورها البارز في الهبات النضالية في السنوات الفائتة. وفّر هذا التراكم الكمي من معاناة الشعب عموماً والشبيبة خصوصاً في لحظة تاريخية استثنائية حاسمة مستلزمات التحول إلى حالة أو كيفية جديدة سمح لنهوض فعل جبار مفعم بالحس الوطني والوعي الواقعي بما يواجه المجتمع. وكانت الشبيبة الباسلة، التي عانت الأمرين خلال السنوات المنصرمة، هي الحاملة الفعلية للحركة الثورية، للانتفاضة والتغيير، وهي الحركة العابرة للقوميات والديانات والمذاهب والجنس وكل ما يفرق الشعب ويؤذيه.

   إن ما حصل في العراق خلال الفترة الفائتة هو نتاج عملية نضالية مريرة طويلة، إنها عملية سيرورة وصيرورة غير منقطعة رغم فجائية الانفجار الشبابي وعظمة الحراك الثوري والاستعداد الشبابي الهائل على الإقدام والتضحية اللذين هزَّ ا عرش القوى الحاكمة وزلزلزل الأرض من تحت أقدامها واطار صوابها فبدأت تضر ب بالحديد والنار ذات اليمين وذات الشمال، فسقط الشهداء بالمئات والجرحى والمعاقين بالآلاف وكذلك المعتقلين والمختطفين.

   وإذ بدأت الانتفاضة في الفاتح من اكتوبر 2019 فأن عوامل انفجارها اقدم من ذلك بكثير أولا، كما إنها تقف اليوم أمام مهمات جديدة لا يكفي ان تتحدد فيها المهمات والأهداف التي تواجه الانتفاضة، التي لم تعد شبابية فحسب، بل وشعبية إذ كسبت إليها الملايين من النساء والرجال أيضا، مع بقاء الشبيبة قلبها النابض وعقلها المحرك، بل يستوجب اوضع البلاد الراهن بلور ة هيكلية تنظيمية قادرة على إدارة حركة وفعل الانتفاضة، قيادة قادرة على توجيهها وتوحيد قواها ومساراتها الراهنة والقادمة، إذ بدونها يصعب الانتصار على القوى المضادة للانتفاضة والمنظمة لا في الدولة الرسمية فحسب بل وفي الدولة العميقة.

   واليوم يشارك الحزب الشيوعي العراقي ليس بخطابه السياسي الثوري المتقدم وصحافته ووسائل إعلامه الأخرى فحسب، بل وبكل رفاقه وأصدقاء الحزب ومؤيديه في هذه الانتفاضة الشعبية المقدامة أيضا، وقدم كوكبة من مناضليه الشهداء الأبرار ضمن قافلة شهداء الشعب والوطن الذين هدرت دماؤهم على أيدي قوى النظام الفاسد والدولة العميقة، فتحية لهم ولكل الثوار المنتفضين بوجه الدناءة والخساسة السياسية للنظام الطائفي الفاسد.

   إن هيكلية وقيادة الانتفاضة يفترض ان تنبثق من رحم القوى المشاركة في الانتفاضة وممن ساهموا في العمل المناهض للطائفية والفساد على امتداد السنوات المنصرمة والمحركة والمنظمة للهبات النضالية السابقة. إن تشكيل هيكلية وقيادة الانتفاضة ستساهم في تأمين التنظيم والتنسيق وتحقيق وحدة إرادة وعمل قوى الانتفاضة في مسيرتها المظفرة، إذ لم تعد هذه المهمة الكبيرة مسألة كمالية، بل مهمة ملحة وعاجلة، بسبب التحول الجاد والسريع في تكتيكات القوى المضادة وعن عدم تورعها عن استخدام كل الأساليب الفاشية الدموية المدمرة في مواجهة وتصفية الانتفاضة وضرب قواها الفاعلة.

   من هنا تنشأ الحاجة الملحة أيضاً إلى الاستعانة بكل القوى المستعدة للمشاركة في النضال الثوري وزجها في مواجهة القوى الحاكمة. لقد تفولذت الكتلة التاريخية الراهنة في معمعان النضال السلمي والدامي، وهي القادرة على تحقيق النصر، رغم كل المخاطر والمؤامرات الداخلية والخارجية التي تحيط بها، فوعي الثوار وجاهزيتهم السلمية للنضال غير محدودة واستثنائية.

   إن بلورة هيكلية وقيادة الانتفاضة، مع واقع تبلور المهمات والأهداف، سيسهمان في رفع سقف الاحتجاج الدولي الرافض للعنف في مواجهة المنتفضين السلميين وتقديم أقصى الدعم السياسي والمعنوي وممارسة أقصى الضغط على الدولة العراقية التابعة بكل سلطاتها وفرض الاستجابة لمطالب المنتفضين العادلة والمشروعة. والانتفاضة بحاجة ماسة الى هذا الدعم الدولي وتأييد الرأي العام العالمي.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 11-12-2019     عدد القراء :  1665       عدد التعليقات : 0