الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مسار الانتفاضة وافقها المفتوح

   تساؤلات كثيرة راودت الجميع بسبب الاحداث التي شهدتها ساحات التظاهرات الشبابية التي كانت كالحلم الذي لازمنا جميعاً، متحولاً الى واقع وحقيقة.

   ‎اشعرتنا هذه التظاهرات بمسؤوليتنا المشتركة بالالم والحزن، القلق والشعور بالذنب، والخوف والرغبات؛ وأيقنا ان علينا التسديد.

   ‎وكان للسلطة الفاسدة سلاح تمسكت به للسيطرة والبقاء؛ الا وهو تعزيز الخوف في قلوبنا وفي قلوب الشبيبة، فهي تدرك ان الخوف هو اسهل طريق للقمع وللسيطرة، سيما انه تزامن مع الحزن والشعور بالذنب؛ لاننا احسسنا لفترة، باننا لانستطيع ان نفعل شيئاً.

   ‎ لكن المتظاهرين عبروا الحواجز المتأرجحة، والتي تمكنت منا طيلة ١٦ عام، والتي كانت سماتها السكوت، والالم والشعور بالعار والذنب والغضب معاً.

   ‎اجتاز شبابنا الابطال سُلّمَاً تراتبياً، واجتزناه نحن معهم وبسببهم، وعلى ايديهم.

   ‎ لقد نهج الثوار (سلمية التظاهرات)، ورفعوا شعار السلمية، بعد ان ايقنوا بوعيهم المتفوق، انه السيف الاقوى الذي يجابهون به نقمة الفاسدين واعتقالاتهم واغتيالاتهم للشباب المتظاهر، وقمعهم كوسيلة للتفوق ولاخماد الثورة.

   ‎واستمر الثوار في نهجهم هذا، واستمر شعارهم يلازمهم في كل خطواتهم التي سلكوها (سلمية سلمية)، وثبتوا عليه حتى وصلوا به لمراحل اعلى وهي مرحلة الشجاعة والجود بالنفس، فاتخذوا شعار (بالروح بالدم نفديك ياعراق)...

   ‎تقدموا بصدورهم العارية مضحين بارواحهم الغالية، واستمروا بقناعة، وقدموا التضحيات الكبيرة...

   ‎ومن خلال هذه المرحلة تعزز تأثير حالتهم فينا جميعاً، وعبروا بنا هذه المرحلة والتي ادركنا وضوحها، بصوت ام الشهيد الثكلى التي صرخت وهي تشيع ابنها وقالت(ابني الشهيد فداء العراق... سوف اقف مكانك يا ولدي حتى تحقيق حلمك الذي استشهدت من اجل تحقيقه)

   ‎وتعزز بالشاب الذي صاح باعلى صوته (أبي استشهد من اجل العراق الذي هو اغلى منه، أبويه فدوة للعراق)...

   ‎هذه الشواهد جعلتنا ندرك ان التظاهرة عبرت مرحلة الشجاعة، وتأكد لنا ذلك حين تغير شعار الثوار واستبدلوا( بالروح بالدم نفديك ياعراق... فاصبح بالحب والعمل نبنيك ياعراق)...

   ‎كان شعارهم هذا ملازماً لشعار السلمية، واستطاعوا من زرع القناعة حتى في قلوب العشائر التي تغلي دماؤهم للثأر من قتلة فلذات اكبادهم، وأخمد الثوار مرحلة الغضب(الخطرة) عند هذه العشائر، ونهضوا بهم وبوعيهم الى مرحلة مابعد الشجاعة معززة بالسلمية، فساروا معهم بهذا النهج وانظموا اليهم.

   ‎ما أبلغ هذه الدروس التاريخية التي حقق فيها الثوار عظمة لم تخطر على بال؟!

   ‎وخلال هذه المراحل استمرت سلطة الاستبداد والقمع المكشوف في محاولاتها البائسة لاعادة مرحلة الخوف في القلوب، وترسيخ الخوف من العنف والموت والابادة والتصدي؛ لانها وسيلتها الوحيدة لقمع الثورة.

   ‎لكن الثوار استمروا في تسلق سلالم الوعي، وادركوا ان لا عودة ولا رجعة عن المكان الذي وصلوا اليه، وان عليهم الاستمرار بالصعود بهذا السلم الذي يوصلهم للهدف الصحيح.

   ‎وبقيت السلطة تقبع تحت سقف مخاوف ورعب من المستقبل الذي ينتظرها، وشخص امامها شبح قفص الاتهام وقصاص القضاء، فراوحت وراوغت وتخبطت، وهي تدرك انه طريق اللاجدوى، فتمسكت بورقتها الاخيرة وهي التلويح باحتمالية انجرار الشباب الثائر لوضع راديكالي غاضب فوضوي (لتقلب السحر على الساحر)، ولكن هيهات لتلاميذ الدرس الواعين الذين تفوقوا على كل التصورات، ان يكبوا هذه الكبوة وينزلقوا في هذا الكمين.

   ‎يتطلع ثوار تشرين الان الى مرحلة الاستعداد التي وضعوا اقدامهم عليها، ليصلوا منها لمرحلة القبول التي فيها سيكون ازدهار العراق واصلاح ما أًفسد من بنيته، وسينهضون به ويرتقون.

   ‎ينتظر شبابنا الثائر الان يداً تمسك بهم وتخطو لعتبات تحقيق السلام، يدٌ مجبولة بالصبر وعدم الانفلات بالعواطف، وغير مغالية بالشجاعة المفرطة، ثابتة النية، تمسك اياديهم بهدوء، وتعقد معهم قران السلام الابدي لعراقنا الحبيب.

   ‎وتستمر مخاوف السلطة من ترشيح اي شخصية يرشحها الثوار، لانها بكل القناعات والتحليلات، ستكون الاداة الفاضحة لجرائمهم، اليد التي ستقودهم الى باب القضاء والقصاص.

   ‎لقد ساهموا دون قصد بمزيد من احتقار الشعب لهم، واصراره المتزايد في رفضهم.

   وها نحن جميعاً، بانتظار نهاية هذا المخاض الذي سيتكلل بولادة العراق الجديد المعافى، في لحظة الفرصة التاريخية العظيمة.

  كتب بتأريخ :  الخميس 26-12-2019     عدد القراء :  1470       عدد التعليقات : 0