الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
لغتنا، ما اسمها، ما حلوها، ما مرّها؟

تكلم لأراك

لو سألنا افراداً دون تعيين، ما ذا تعني لهم اللغة او ما اهميتها، وطلبنا جواباً بسيطاً وليس بحثا او دراسة، لأستخلصنا من الأجوبة:

أن اللغة هي وسيلة  للتفاهم والتفكير والمعرفة والتعبير

ولو اعحبني مقالا في اللغة العربية  ورأيته مهم جداً وطبعت نسخة لجاري الكندي، فحتما سيهمله او يطالبني بترجمته كي يفهم المضمون، وإن لم افعل فهذا يعني بأني لا احترم  عقله كوني اعطيت له وسيلة معرفة بدون مفاتيح، او لنقل  اهديت له حاسوب وضعت عليه رقما سرياً لا يعرفه، ولا انا افتحه له!

مسيحيي العراق من الكنائس الآشورية والسريانية والكلدانية، كتبت طقوسهم في لغة قديمة لا يعرفها سوى الدارسين، مع وجود بعض الكلمات المشتركة مع اللغة المحكية بمسمياتها، ولو احصينا ما فيها من مفردات،  فأسهل طريقة هي بالأستعانة بالقاموس الكلداني العربي للمطران يوجين منا، اما لو اردنا وضع قاموس للغتنا المحكية فعلينا الأستعانة بقواميس للغات عدة منها العربية والتركية والإيرانية والكردية والأنكليزية، فقد تلقحت من حيث يسكن أبناء شعبنا المتعدد التسميات.

فما هي لغتنا الأم؟ ما إسمها؟ ما أهميتها في الطقوس؟ هل ما يسمى بلغة السورث هي نفسها لغة التراث والطقوس؟ من أضاع اللغة الأنسان أم الكنيسة؟ وأخيراً، هل ترجمة الطقوس إلى لغة محكية واجب أم خيانة؟

(ملاحظة: الأقوال التي استشهد بها، وجدتها في ثنايا العم كوكول،  وليس نتيجة قراءات سابقة)

من لا اسم له لاحضور له

جمال الغيطاني.. لا اعرف من هو والخلل في معرفتي

بضعة ملايين موزعين في اصقاع المعمورة، اقل من نصف مليون في ارض الوطن، لا يتجاوز من يعرف لغتنا الأم العتيقة أكثر من 0.001% (والنسب من مخيلتي)، اغلبهم من الأكبيروس او كانوا لفترة مشروع كهنة وأكتشفوا بأن الطريق ليس لهم، ومن يعرفونها لا يتكلمون بها، بل يستعملونها لقراءة الصلوات الطقسية أمام المؤمنين الذين لا يفهمون ما يقال (واقصد لغة الطوس)!

نصف العدد او اقل بقليل لا يتكلمون اللغة المحكية بلهجاتها، وعدد الذين يقرأونها اقل من 1% واغلبهم من الشمامسة، رقعت بلغات العالم، ولم تطور ذاتها، لا تحمل اسم واحد، وكل فريق يسميها كما يحلو له، فريق يدعي انها آرامية، وآخر سريانية، وآشورية، وآثورية، وسورث، ولغة المسيح، واللغة المسيحية، ولنا الحق ان نسميها كلدانية وهي الأصح بحكم الدلائل واهمها القاموس المعتمد قاموس كلداني عربي.

ليس الدين بما تظهره المعابد وتبينه الطقوس والتقاليد .. بل بما يختبئ بالنفوس ويتجوهر بالنيات. - جبران خليل جبران

بين لغتنا الجدة الطقسية ولغتنا الأم المحكية مسافات شاسعة ومتباينة في الأختلاف، فلا الجدة تفهم على الأم، ولا الأم تعرف ما تريد الجدة، إنها علاقة شائكة فرضت نفسها بحكم التقوقع الفكري والرهبة من ما نعتبره مقدسات، والملفت للأنتباه هو تلك السلبية التي أحاطت بكليهما، حيث لا الطقسية تطورت ودرّسَتْ، ولا المحكية أنجبت مفردات جديدة، والكنيسة المسكينة حارت من ترضي، (والمقارنة هنا ليست  بالأجيال) فمن يعرف لغة الطقوس ليسوا جيلاً بل استثناء، ومن يعرف اللغة المحكية أجيال من مسيحيي العراق قد تكون متساوية مع اجيال لا تعرفها، مع قلة في سوريا ولبنان وتركيا وإيران، بأختلاف المفردات الدخيلة، أما الصفة المشتركة بين الجميع، فهي عدم استطاعة (سيبويهم) من ترجمة مقال علمي او أدبي رصين إلى لغة صافية خالية من الترقيعات، ومهما كانت الترجمة ، فمن الذي سيقرأ ويفهم؟

ومع ذلك، نرى الكثير من يتمسك باللغة ويرفض ترجمة الطقوس بحجة الحفاظ على الأرث والتراث ولو كان على حساب الكنيسة، كونهم كونوا فكرة بأن الإيمان هو بالطقوس التي هم لا يفهمونها، وليس بتعاليم الكنيسة والكتاب المقدس والحياة بروح الأنجيل! تفكير محدود محصور باللغة، لا يكترثون لآلاف مؤلفة من غادرة كنائسنا من الأجيال الجديدة بل حتى القديمة بسبب تعصب اعمى في اللغة.

أسوأ مسافة بين شخصين ، هي سوء الفهم. - جبران خليل جبران

وتبقى العلاقة عكسية بين فهم الطقوس وبين ممارستها، ومن يشارك في صلوات الرمش من الشمامسة فهم يغردون ما يقرأون دون اي معرفة او فهم، أما من العلمانيون، فهم يرسمون علامة الصليب كلما سمعوا (شوحا لا ولورا) وإن لم ينتبهوا لها فالحركة تأتي اوتوماتيكية عندما يرسمعا الآخرون، ويقفوا متى ما وقف خط الأمام، ويحلسوا بجلوسهم، وابشع منظر وهو متكرر جداً عندما يلوح الشماس او الكاهمن للشعب ليخبرهم بوقت الوقوف او الجلوس، وهذا دليل على عدم الفهم.

المشكلة الحقيقة تكمن باللا فهم، فما هو الغير مفهوم؟

الصلوات الطقسية لا تفهم، كلام الله في لغتنا الأم العتيقة لا يفهم، كلام الله في اللغة المحكية لا يفهمه الكثير، فما احرج تلك العلاقة بين الله والمؤمين؟ والبعض ينباكى على ما لا يعرفه الأغلب وقد يكون هو من بينهم!

اما من يقول بأن لغتنا هي لغة المسيح، فأنا أجزم بأن المسيح الأنسان قبل القيامة، سيحتاج الى مترجم لو سمع صلاة شلام الخ مريم مليثي نعميه.

إن اللغة أحد وجهي الفكر، فإذا لم تكن لنا لغة تامة صحيحة، فليس يكون لنا فكر تام صحيح  .... ابن خلدون

اللغة في حالة صيرورة، لأن العالم كله يتقدم ويخلق الكثير من المصطلحات الحديثة التي لا تفهم إلا بلغتها الأصلية او اختراع مفردة جديدة بأي لغة حية لها علمائها يتفقون على ترجمتها، كي يكون للناطقين بأي لغة عقلاً يستوعب الجديد.

ولأننا لا نعرف وجود علماء لغة او لغويين، ولأننا لا نملك اسم محدد للغتنا ولا يوجد تفاهم او اتفاق بين حكمائنا وقاداتنا، لذا لغتنا تتخلف ولا تتطور.

فحقيقة لا بمكن ان يكون لنا فكر في لغتنا الأم، وأنا كلي ثقة بأن لغة تفكير الأنسان هي اللغة التي تشبع الفكر وليس تفقره، فمن اراد ان يفكر بوضع المطارات اليوم، وهو من تعلم لغتنا الأم في البيت والعربية في الشارع والدراسة، فهل سيفكر بلغتنا الأم؟ وكيف يفكر عاشق اللغة بما يجري في المستشفيات الآن؟ او ما الجديد الذي تقدمه ناسا؟ كيف يتم نقل الذبذبات في الأثير؟ ووووو

هل فطاحل لغتنا يفكرون بلغتنا او رغما عنهم يفكرون بأي لغة أخرى إلا لغتنا؟

سألت صديثي الشماس عن ترجمة جملة وهي:

العالم يشكو من تداعيات وباء كورونا

فاستعان بصديق واتى الجواب: برناشوتا مكزونا من عقباتا دمرا دكورونا

بالتأكيد بعد الشرح لم اقتنع بترجمة وباء لتأتي بمعنى مرض بالرغم من وجود الأوبئة سابقاً

أصر الأميون  سابقاً على تعليم أبنائهم، فماذا فعل فطاحل لغتنا مع أبنائهم؟

يعاتبون الكنيسة على انها ترجمة الطقوس إلى لغة البلاد التي لها ابرشيات ورعايا فيها، علما بأن كل الكنائس الكلدانية في مختلف العالم، تفتح دورات سنوية لتعليم اللغة، ويعلن ذلك مرارا وتكرارا في القداديس كي يشارك أكبر عدد ممكن مع اغرائهم برسامتهم شمامسة، (وهذا يضعف كثيراً اهمية الشماس ودورهم الصحيح في الكنيسة)، ولا يشترك في تلك الدورات سوى القلة القليلة، لذا فلا لوم على الكنيسة كونها تحث على تعلمها وتخصص كادر لذلك، لكن سؤالي لمن يتقنها ويتباكى عليها ويعاتب كنيستنا على ترجمة الطقوس وتجديدها:

هل علمتم لغتنا الأم قراءة وكتابة لأبنائكم الأميون يا فقهاء اللغة؟

كلنا نعرف آباء أميون أصروا على ان يدخلوا أبنائهم إلى المدارس والجامعات ودفعوا أثمان لذلك من حياتهم وتفكيرهم وجهدهم وامكانياتهم المادية، فأصبح لملايين الأميين ملايين الملايينن من الأبناء المتعلمين

لكن الضليعين في لغتنا الأم، هل عملوا على محو الأمية من بيوتهم، أم هذا عمل الكنيسة أيضاً؟؟

وهل يسرهم ابتعاد أبنائنا من كنائسنا بسبب عدم فهمهم لطقوسنا واستيعابها والتعلق بها؟

يفترض على رجال كنيستنا ان يكترثوا يمن لا يعرف اللغة أكثر بكثير من الذي يعرفها، فالخيانة حقيقة ليست بترجمة الطقوس، بل بابقائها غير مفهومة للشعب.

والأفضل تحديد الطقوس واختصارها، وتغييرها جذرياً،  وترجمتها الى كثير من اللغات كي نحافظ على كنيستنا والأجيال القادمة، فحيل الفيس بوك والجي 5 ليس كجيل الحكواتية وقصص السعلوة والطنطل ولعبة التوكي

او ليكن لدينا طقسين، حديث وقديم، والأخير سينتهي بمرور الوقت، لكن يهمنا ان لا يتنهي كل شي معه

ومن اراد كنيسة حية، فليجدد طقوسها، كوننا نفقد ولا نكسب

إن اللغة هي أكثر من مجرد وسيلة للتعبير عن التفكير. إنها في الحقيقة عامل رئيس في تشكيل التفكير .... ادوارد سعيد

نعم  من هو مثلي خسر لغته، فهل سيفرح المتباكين على اللغة لو خسر الكنيسة وخسرته؟

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 06-05-2020     عدد القراء :  1320       عدد التعليقات : 0