الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
رأي من معني بالأمر

كثرت النقاشات في الأيام الأخيرة حول قانوني السجناء السياسيين ورفحة وضرورة التعامل معهما مجدداً من باب تحقيق العدالة الإجتماعية ، ورفع ما رافق تطبيق هذين القانونين من انتهاكات وخروقات واستغلال بشع لا يمكن لكل مراقب او كل من له علاقة بهذا الأمر ان ينكره . وبما انني من المشمولين بقانون السجناء السياسيين واتقاضى راتباً لفترة السنتين في السجن ، فإنني ارغب ان ان اطرح وجهة نظري في هذا الأمر الذي اصبح يشكل احدى مواضيع الساعة المهمة في هذه الفترة الإنتقالية التي يمر بها وطننا والتي ارجو ان تتخللها كل الإجراءات التي ستضع وطننا على امل الخروج من المآزق والمهالك التي اوقعها فيه الإسلام السياسي واحزابه وكل من ساعد على ذلك من احزاب القومية الشوفينية والتخلف الفكري.

لا شك ان التعامل مع هذين القانونين لا يجب ان ينفصل عن التعامل مع كل القوانين الأخرى المشابهة التي طالها الإستغلال المجحف والتطبيق غير العادل لفائدة فئات قليلة من المجتمع، على حساب مجموع الشعب . واعني بذلك رواتب الرئاسات الثلاث والوزراء وتقاعد من عملوا سابقاً كموظفين كبار في جهاز الدولة ، خاصة بعد 2003، والرواتب التي يتقاضاها جلادو النظام السابق داخل وخارج الوطن ، وكل الإمتيازات للنواب والوزراء والمدراء العامين ومن على شاكلتهم ، وغير ذلك من القوانين الكثيرة الأخرى.

اما ما يخص قانوني السجناء السياسين ورفحة ، فإنني ارى ما يلي:

أولاً: كان احد الأسباب الموجبة لصدور هذين القانونين هو فقدان المواطنين الذين تشملهم هذه القوانين ليس لحريتهم في فترات متفاوتة فقط ، بل لكثير مما كانوا يملكونه ايضاً من وظائف او بيوت او حتى اثاث بيتية ، ولفترات زمنية طويلة او قصيرة ، مما اقتضى تعويضهم عن ذلك . وأرغب هنا ان اطرح مسألة تتعلق بهذا الموضوع الذي تناوله بعض المعلقين الأفاضل واصفين ممن يتقاضون هذه التعويضات من السجناء والمعتقلين السياسيين وكأنهم يتعاملون مع الأمر على اساس الحصول على منافع مادية لنضالهم السياسي ضد دكتاتورية البعث الفاشية المقيتة ’ ولم يتوان البعض الآخر حتى من إطلاق لقب المرتزقة عليهم . وهنا اود ان اشير ، خاصة بالنسبة للسجناء والمعتقلين السياسيين.

إن الذي دخل السجن بسبب نضاله السياسي لم يتفق مسبقاً مع اية جهة للحصول على اية مكاسب كثمن لهذا النضال ، بل بالعكس فإنه حينما ساهم في النضال الوطني كان يتوقع الموت في اية لحظة وليس المكافأة ، وهذا بالعكس تماماً ممن يتلقون الإتفاق بالتعويض اولاً كما يفعله المرتزقة او كما يفعله منتسبو المليشيات اليوم الدينية منها وغير الدينية .فالمسألة لدى السجين السياسي هي مسألة الدفاع عن مبدأ اولاً وليس الحصول على مكاسب مادية لم يكن يفكر بها اصلاً .

ثانياً: يجب إعادة النظر في ملفات كافة المشمولين بهذين القانونين والتأكد من شمولهم الفعلي حسب المعطيات التي جاء بها القانون . وسبب هذا الإجراء هو التلاعب الفض من قبل بعض الأحزاب الحاكمة بالعمل على شمول من ليس لهم علاقة بمقتضيات هذه القوانين بكل ما يمكن الحصول عليه من مكاسب مادية لا يستحقونها ، ولا بأس من اللجوء الى معاقبة كل من اساء التصرف او عمل على التحايل على هذه القوالنين .

ثالثاً: حين التأكد من شمول الشخص، وليس العائلة كما في قانون رفحة ،فيجب النظر هنا فيما اذا كان هذا المشمول يتقاضى راتباً آخراً ، تقاعدي او غير تقاعدي ، وفي هذه الحالة يسمح له باختيار الراتب الأكثر فقط.

رابعاً: بالنسبة لقانون رفحة فإن المعروف عنه بانه اصبح يسمى بقانون تقاعد العائلة بكل افرادها ، وهذا لا ينسجم ومبدأ العدالة في توزيع ثروات الدولة على مواطنيها . لذلك يجب التأكد من شمول الفرد الواحد من العائلة بعد التأكد التام من تطبيق مقتضيات القانون على هذا الشخص ،وأن تنطبق عليه الفقرة " ثالثاً " هنا ايضاً . وهنا يجب الإنتباه الى ان بعض العوائل قد تلجأ الى اساليب غير قانونية لفصل افراد العائلة عن بعضهم البعض لكي يتمتع كل فرد بمزايا القانون ، ومثل هذه الظاهرة معروفة ، مع الأسف الشديد ، لدى بعض العوائل في دول المهجر والتي تُستَعمل للحصول على المساعدات الإجتماعية لأفراد العائلة الواحدة ، كاللجوء الى الطلاق الكاذب بين الزوجين مثلاً .

خامساً: ينبغي الإهتمام هنا بالحالة الإجتماعية والمادية للمشمول الحقيقي بهذا القانون فيما اذا كان له مورداً مالياً آخراً ام لا . فإن كان هذا الراتب التقاعدي يشكل مورده المادي الوحيد فلا مانع من الإستمرار بالتمتع به تحقيقاً لمبدأ التقليل من انتشار الفقر في المجتمع، وحق المواطن بالتمتع بخيرات وطنه .

سادساً: بعد تثبيت اسماء المشمولين بشكل لا يتنافى وما جاء في صلب هذين القانونين ، تحال ملفاتهم الى مؤسسة التقاعد ويُعامَلون كمتقاعدين تسري عليهم قوانين مؤسسة التقاعد بحيث يؤدي ذلك الى الغاء مؤسسة السجناء السياسيين ورفحة.

سابعاً: لا بأس من التفكير باسترداد جميع الإمتيازات التي اكتسبها المشمولون لحد الآن والتي تتجاوز الراتب التقاعدي الشهري ، وذلك من خلال تبني قاعدة التوقيفات التقاعدية المتأخرة والتي تُستقطع من راتب المشمول بنسبة لا تتجاوز نسبة التوقيفات التقاعدية المعمول بها في قانون التقاعد النافذ الآن.

ثامناً: ولضمان العدالة الإجتماعية ينبغي ان تُستعمل المبالغ المُسفقطعة كتوقيفات تقاعدية متأخرة ، يضاف اليها مساهمة الدولة التي تُحدد بقانون ، كموارد مالية لمكافحة البطالة وتهيئة فرص عمل.

إن تحقيق هذا المبدأ يجب ان لا ينفصل عن تحقيق مبدأ ملاحقة الفساد والفاسدين في كل مؤسسات الدولة وأجهزتها الفاعلة منذ عام 2003 ، عام بدء انتشار فساد الأحزاب الإسلامية ، وحتى الآن .

ربما نستطيع من خلال مناقشة هذه الأفكار مناقشة منصفة ، بغية الوصول الى ايجاد حلول للأزمة الإقتصادية التي يمر بها وطننا واهلنا . وهذا يتطلب التكاتف الجاد للوقوف بوجه اي اجراء يقود الى هدر المال العام وعدم تحقيق العدالة الإجتماعية.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 19-05-2020     عدد القراء :  2451       عدد التعليقات : 0