الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
كورونا والجهاز الإدارى

ستمر أزمة كورونا كما مرت كل الأزمات، فلن يفنى العالم، ولن تختفى دول أو جزر من على الخريطة، ولن تقف الدنيا على رجل واحدة حتى يمر نصف المشيعين يودعون النصف الآخر، وحتى لو صار هذا واقعاً سيعوض الأبناء ما فقدوه من الأجداد والآباء، وستعمر أرض الله بخلق الله، الظالم منهم والمظلوم، والطيب والشرس والقبيح، ولن يستوعب أحد منا الدرس، وستمضى المحنة مهما كانت التكلفة ومهما كان الثمن، ولو قدر لنا أن تمر هذه الجائحة بخسائر بشرية ومادية على قدر الطاقة والجلد، فنحمد الله على حسن الصبر، ونشكر الناس على جهد الاحتمال، ونمدح فيهم تطويع الضجر والغضب، وليس هذا على قدرة وجهد الجهاز الإدارى على وجهه الأكمل، ولو كان أنقص قليلاً أو كثيراً، ما زاد الأمر سوءاً مما نحن فيه، وما نقص ما يعانيه الناس ويكابدون، وكأن الحمد على قدر العطاء وعلى قدر الكسل وصبر الطيبين الغلابة. والكلمة هنا لوجه الله والوطن، ولا ننتظر جزاء ولا شكوراً من المعارضين، ولا عقاباً ولا تأديباً من المؤيدين، بل أنا واقف مع الدولة المصرية فى وجه الجميع، أدفعها مع المخلصين الأوفياء إلى الأمام، غير عابئ بمن يلوم أو يمدح أو يقدح، وقد كنا عند التأييد والمؤازرة نخشى سيل الاتهامات من المعارضين بالتطبيل والنفاق، وأصبحنا الآن عند الاعتراض نخاف سيل الاتهامات من المؤيدين بالعمالة والخيانة، ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولو كشفنا الغطاء وصارحنا أنفسنا، لكانت الحقيقة أن كل شىء ليس على ما يرام يا فندم، وليست الصورة وردية كما يزعمون ويعلنون، وعندنا الكثير ممن هم ليسوا على مستوى الأزمة وإدارتها، أو على قدر المسئولية وحجمها من قريب أو من بعيد، سبعة ملايين موظف أو أقل فى بلادى، حجم الجهاز الإدارى للدولة المصرية عاجز للأسف عن إدارتها وتسيير حركة حياة الناس بسهولة ويسر، أو كما يجب أن يكون، وقد قالوا لنا يوماً وعايرونا أياماً: إن هذا الجهازالضخم مترهل ومتراخٍ ومستوحش، وعمالة على الفاضى وتأكل وتشرب من لحم الحى، ويكفينا نصفه فقط أو أقل من نصفه كثيراً، ندير بهم أمور البلاد والعباد، كما هو فى كل دول العالم، ولما جاء وقت وأوان الامتحان والتنفيذ، عجز كما عجز من قبل، وفشل كما هو فاشل من قبل ومن بعد، وكنا نظن أن هذه الحقيقة التى اكتشفوها من زمن الزمان، عن ترهل هذا الجهاز وتضخمه، أن شيئاً يعد لتنميته ورفع كفاءته وتخفيضه وحصاره، وأن الأجهزة المعنية والمسئولة قد فكرت فى البدائل وأعدت العدة للتغيير والتعديل، إلا أن هذه الحقيقة كانت للإخبار فقط وللمعرفة ليس غير. وليس العيب فى الجهاز الإدارى فقط، بل العيب كل العيب فى المسئولين عن هذا الجهاز نفسه، فلا قدموا حلولاً لهذا، ولا أعدوا العدة لتقليصه، ولا أهلوا الناس لعمل آخر، ولا وزعوهم على مصالح أخرى لسد العجز فيها، ولا فكروا فى تنمية مهارات هذا الجهاز أو رفع كفاءته، وظل يعمل كما هو لا يسمع ولا يتكلم ولا يحس بمشكلات الناس، وإليك مثالين غاية فى الغرابة، وهما الشهر العقارى وإدارات المرور، ولو رأيت التناقض الواضح والمؤسف بين دعوة الدولة للتباعد الاجتماعى حفاظاً على صحة المواطنين من تفشى الوباء، وبين دفعها المواطنين دفعاً إلى التكدس أمام شبابيك الجهتين فى تحدٍ صارخ للتباعد الاجتماعى لإنهاء مصالحهم وأعمالهم الضرورية، ثم نشكو الناس للناس أنفسهم من تفشى المرض نتيجة هذا التدافع وهذا التزاحم، بل دعنى أزعم أن هذا التزاحم وغيره قد ساهم فى انتشار العدوى وتفشى الوباء بصورة ملحوظة، وكأن الأمر لا يعنى المسئولين عنهم، أليس فينا رجل رشيد على الأقل يتخذ قراراً بالعمل وردتين فى اليوم الواحد، أو يرتب المترددين على هذه المصالح وغيرها بالحروف الأبجدية، أو يخترع لنا منهجاً غير الدارج والقاتل والمميت، هل جلس المسئولون بعضهم مع بعض وتدارسوا الأمر بما فيه صالح الناس، كل شىء عندنا دون دراسة أو ترتيب، ومن حسن طالع هؤلاء الكسالى، أن الجائحة فريدة فى تجربتها، استثنائية فى اختبارها، ، إلا أنها محنة ككل المحن ومصيبة ككل المصائب، وربما تأخذ وقتاً ليس بالكثير حتى يفيق الناس من الصدمة، ويفتحوا صفحة المحن والشدائد ويبحثوا فيها عن إدارة الأزمة، ويسيروا على بركة الخطط والبرامج، وهذا ليس متاحاً كما يجب أن يكون.

أؤكد أننا ضحايا العشوائية والفهلوة، ولسنا للأسف أصحاب منهج علمى فى حل مشكلاتنا، الناس فى دول العالم قد خففت تماماً التعامل مع الجهات الحكومية من تسجيل وبيع وتراخيص واستخراج شهادات، وأصبح كل هذا يتم عبر شبكة التواصل والبريد من زمن طويل، وكنا أولى بهذا من غيره، بناء الإنسان، بناء منظومة إدارية علمية، الاستفادة من التقنية الحديثة فى إنهاء مصالح الناس، اختصار إجراءات التقاضى والتعامل الورقى مع الجهات المسئولة، فلا يمكن على الإطلاق أن يقبل العقل بقاء منظومة تراخيص السيارات كما هى من خمسين عاماً، أو تسجيل الوثائق واستخراجها أو إثبات الملكية وغيرها على هذا النحو العقيم، يا ناس تجارب العالم يمكن نقلها بسهولة ويسر، فهى الأولى بالإصلاح والإنجاز، وأولوية أولى تسبق كل الأولويات، كورونا كشفت العالم، وفضحت الفاسد والجاهل والفهلوى والمنافق والدجال، دولاً وحكومات وأفراداً، والقادم لن يحتمل.

"الوطن" القاهرية

adelnoman52@yahoo.com

  كتب بتأريخ :  الجمعة 12-06-2020     عدد القراء :  2220       عدد التعليقات : 0