الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
التكنية وعموم المخاطبة عندنا وثقافة الحداثة 2 -3

١ - حجي/ حجية (حاج/ حاجة): الحج عند المسلمين هو أحد أركان الدين، أي أحد أهم العبادات، بعد الصلاة والصيام. وفي الماضي، وقبل توفر وسائط النقل الحديثة، كان الذهاب إلى الحج، خاصة للمسلمين من بلدان بعيدة نسبيا، أمرا شاقا، بل ومحفوفا بالمخاطر، ومن هنا كان توديع المسافر إلى مكة لأداء الفريضة، وداعا ليس كأي وداع، لأهمية أداء الفريضة التي لم تكن متيسرة لكل متدين من جهة، ومن جهة أخرى لاحتمال أن يكون الوداع الأخير، بلا عودة. وبالتالي تمثل عودة الحاج من مكة إلى موطنه حدثا استثنائيا، يحتفى به بشكل متميز. ولأهمية الحدث، يعود الحاج، وهو يحمل وساما وشرفا كبيرا، بأن يسمى من الآن (الحاج فلان)، أو (الحاج أبو فلان). لكننا لو تمعنا بهذه التسمية أو المخاطبة، لاكتشفنا مدى غرابتها، رغم أنها مألوفة ومنتشرة بشكل واسع جدا، وغدت طبيعية، لكن ليس كل ما هو سائد صحيحا وطبيعيا. إذا نظرنا للحج كعبادة واجبة للمسلم الملتزم، أي (المتدين). فهل يمكن أن ينادى شخص عندما يؤدي فريضة الصلاة بـ (المصلي فلان)، وعندما يصوم بـ (الصائم فلان)؟ نعم، مثلما كان من يحج يخاطب بالحاج (حجي)، كان كذلك من يذهب بطريق شاق وعلى الدواب إلى زيارة أحد الأئمة (علي في النجف)، أو (الحسين في كربلاء)، وهكذا بقية ما يسمى بالمدن (المقدسة؟)، كان يخاطب بعد عودته بـ(الزائر)، بالعامية (زايِر/ زايْرة). لكننا نرى اليوم، وبعد ٢٠٠٣ شيوع المخاطبة بمفردة (حجي) و(حجية). حتى المسلم الملتزم الذي لم يحج إلى مكة، يخاطب (حجي)، بل المسلم بالولادة لكن غير الملتزم يخاطب (حجي)، لا بل حتى اللاديني، سواء كان ملحدا أو إلهيا، ناهيك عن غير المسلم، كل هؤلاء يخاطبون بـ(حجي) أو (حجية). البعض يقتصرها على مخاطبة المسنين، ويعلل ذلك، إنها مخاطبة تعبر عن الاحترام، بينما شخصيا أشعر إنها تحطّ من قدري عندما أخاطب بها. وهذه ليست حساسية بسبب عقيدتي الإلهية اللادينية التي اعتمدتها منذ نهاية ٢٠٠٧، بل كنت حتى قبل ذلك لا أستسيغها، ولو تمعنها عقلاء المتدينين من المسلمين لأقروا بغرابتها ولامنطقيتها.

٢ - سيد/ سيدة/ آنسة: هذه هي المخاطبة الرسمية، لكنها تكاد لا تستعمل، فالسيد أصبحت عرفا خاصة بالمنحدر من نسل النبي عن طريق فاطمة وعلي. وكما سيأتي استعيض بخطابَي (سيد/ سيدة) بـ(أستاذ/ ست)، وبتمييز واضح بين الرجل والمرأة، فعندما يخاطب الرجل بـ(أستاذ)، لا تخاطب المرأة مثله بـ(أستاذة) بل بـ(ست) حتى لو كانت مستحقة للقب الأستاذية وهو غير مستحق لها.

التكنية وعموم المخاطبة عندنا وثقافة الحداثة ٣/٥

٣ - سيد/ علوية: وهذه المخاطبة الطبقية الخاصة بأولاد وبنات فاطمة وعلي، أي من يكون جدهم الأعلى الرسول. وهي مخاطبة تنم عن الطبقية والتمييز النسبي، بتفضيل (السيد) على (العاميّ)، و(العلوية) على (العامية). وهذا التفاضل بين الناس بسبب نسبهم يفترض به أنه يناقض مبادئ الإسلام حسب نصوص من القرآن والحديث، مثل: «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا؛ إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، «لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى»، «الناس سواسية كأسنان المشط». لكن كل هذا يُنقض باعتبار المسلمين أفضل من غيرهم، بحسب الآية: «كنتم خير أمة أخرجت للناس»، أو «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس»، مع عدّ المسلمين العرب أفضل من (الأعاجم) منهم، وقريش أفضل من بقية العرب، وبني هاشم أفضل أهل قريش، وأولاد عليّ وفاطمة أفضل الهاشميين. ثم نجد التفاضل مرة أخرى في التمييز بين (علماء الدين) و(العوامّ)، ناهيك عن تفضيل الرجل على المرأة. والغريب إن المنحدر من نسب علي وفاطمة في إيران يكتب أمام اسمه في الوثائق الرسمية (سيد)، وإذا كانت امرأة يكتب قبل اسمها (سادات).

٤ - شيخ: وهناك شيخان، شيخ الدين، وشيخ العشيرة، وهذا الثاني يطلق في العراق على الرجال فقط، بينما تستخدم أيضا تسمية «شيخة» في دول الخليج على نساء أسر المشايخ والأمراء. مع إن رجل الدين المنحدر من نسل الرسول وأهل البيت، فلا يخاطب بالشيخ أسوة ببقية شيوخ الدين، بل يخاطب بـ(سيد)، مسبوقة بمفردة (سماحة) أو (فضيلة)، كما إنه إذا ذهب إلى الحج لا يخاطب (حجي) بل يبقى سيد، هذا اللقب كما (العلوية) يلازمان في بعض المناطق حتى الأطفال، فمنذ الطفولة يخاطبان بـ(سيد) و(علوية).

٥ - أستاذ فلان/ ست فلانة: وكما بينت في (٢) فيما يتعلق بكلمتي المخاطبة (سيد/ سيدة) المغيب، نجد إنه في حال الاحترام يخاطب الرجل بـ(أستاذ) والمرأة بـ(ست). حتى لو كان المخاطب خريج ابتدائية، لكن ظهر بمظهر أنيق، أو إذا كان موظفا عاديا، دون إدراك إن كلمة (أستاذ) إنما تعني پروفسور، بينما حتى لو حملت المرأة أعلى الشهادات الأكاديمية وأكثر من اختصاص علمي، لا تسمى إلا (ست). و(ست) في الواقع ليست إلا اختصارا لـ(سيدة)، والمفروض أن تقابلها المخاطبة بـ(سي) كما في تونس، اختصارا لـ(سيد).

٦ - دكتور/ دكتورة: هو لقب أكاديمي، يستعمل في كل العالم، مع إني لا أرى له مبررا، ولكن في مجتعاتنا أصبح أدعياء التدكتر لا يعدون ولا يحصون، كما إن الطبيب يخاطب بـ(دكتور)، حتى لو كان طبيبا عاما، من غير اختصاص، وبالتالي لا يحمل درجة الدكتوراه. وربما يكون ذلك كعرف مقبولا، أما أن يسمي أنفسهم أطباء من غير اختصاص بـ(دكتور)، حتى في المحافل الرسمية، ويحبون أن يخاطبوا كذلك، فهذا لا يصدق عليه إلا الانتحال المفروض أن يكون معاقبا عليه، والغريب إن الكثير من سياسيينا هم من منتحلي هذه الدرجة الأكاديمية، سواء كانوا أطباء، أو مدعين لحيازة الدكتوراه في اختصاص ما. يا لانعدام الحياء.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 19-06-2020     عدد القراء :  2244       عدد التعليقات : 0