الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مجلس الشيوخ...

فجأة يا سيدى وأنا أشاهد التلفاز، أطل علينا السيد المستشار رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، يعلن على الشعب جدول مواعيد انتخابات مجلس الشيوخ، والتى تدور رحاها فى أغسطس القادم، وينظم عمليات طلبات الترشح، والأوراق المطلوبة والدعاية الانتخابية، وشدد سيادته على التزام الناس بالإجراءات الاحترازية بعد أن زادت نسبة الإصابات بوباء كورونا، وكذلك عدد الوفيات، وأكد على التباعد الاجتماعى سواء كان فى الحملة الانتخابية، أو الدعاية والمسيرات واللقاءات للسادة المرشحين، وكذلك الاصطفاف أمام اللجان الانتخابية لأبناء الشعب.. تمام يا فندم.

وأحب يا سيدى المستشار أن أعلم سيادتكم، بأننا شعب لن نلتزم بالإجراءات الاحترازية، ولن نحافظ على التباعد الاجتماعى، ولن يرتدى غالبيتنا الكمامات الواقية لحماية أنفسنا والآخرين، بل وأؤكد لحضرتك أننا سنقبّل ونعانق بعضنا بعضاً، ويحتضن المرشحون أولاد البلد فى الراحة والجاية، من الخد الشمال تارة واليمين فى الأخرى، وأرنبة الأنف ومن الفم إذا استدعى الأمر واحتكم الظرف، وستقام ليالى العزاء للموتى هنا وهناك، من يستحق منهم ومن لا يستحق، ويتسابق المرشحون ورفاقهم فى واجبات المواساة مغلفة بالأحضان والقبلات وكلمات المواساة، وستقام الأفراح والليالى الملاح على حس الانتخابات، حتى يفوز أصحابها بزيارات السادة المرشحين وينالوا الرضا السامى والهدايا والثلاجات والبوتاجازات والبطاطين، وستجوب السيارات والموتوسيكلات والتكاتك الشوارع والحوارى والأزقة بمكبرات الصوت وسط الرقص والطبل والزغاريد، وزحام الكبار والصغار ورقص النسوة حاملات الأطفال على الأكتاف، واستعراض مهارات الشباب على الدراجات البخارية، وسط أكواب الشربات والشاى وتبادل السجائر، والزحام على الفوز بزجاجات الزيت وأكياس الشاى والسكر، وتدفق الناس وتدافعهم وتزاحمهم لنيل بعض من هذا الخير الوفير، وتهافت واندفاع الناس على الوجبات الجاهزة الساخنة، ونصف المائة جنيه الأولى ثم الموت لتحصيل النصف الآخر، كل هذا وسط أجواء كورونا، ومرحباً بها فى الموجة الثانية ولاعزاء لباقى الأمراض الأخرى.

وأعلمكم أيها السادة الأفاضل، أنه لا طاقة لنا بمزيد من الانقسام أو الانشقاق، «الحمل زاد على حده ويقصم الضهر» وإذا كان حمل الكورونا تنوء منه الجبال، ونخشى على أنفسنا من تداعيات الوباء وهى حتمية، جرَّاء التزاحم والاقتراب والفوضى والعشوائية المصاحبة للعملية الانتخابية، فإن الانقسام فى هذه الفترة العصيبة التى تمر بها البلاد أشد وأقسى، ومخاطره لا تقل عن مخاطر كورونا بل تزيد، فما بالكم لو اجتمعوا معاً فى جلباب واحد، أو مناسبة واحدة، والحال لا يسر عدواً أو حبيباً، والمتربصون بالوطن من داخله وخارجه كثر، ويسعون سعياً لتفتيت هذا الشعب ويسعون إلى تقسيمه، وإذا كان الخطر يحاصرنا من كل مكان، الجماعات التكفيرية فى سيناء والصحراء الغربية تهدد أمن البلاد، والأتراك فى ليبيا يزحفون زحفاً خلف التيارات الجهادية للاقتراب من مصر، مما يجعل الحرب خياراً حتمياً مفروضاً فرضاً علينا، والخطر القادم من الجنوب فى مؤامرة لتجويع الشعب وتعطيشه من الأصدقاء قبل الأعداء، يصبح تأجيل هذا الانقسام القادم لا محالة جرَّاء هذه الانتخابات أمراً مقبولاً وواقعياً وضرورياً حتى لو خالف القانون.

الوطن فى احتياج إلى لم الشمل وليس إلى تشتيته وانقسامه، ولحمة الثوب فى أشد الحاجة إلى التوثيق والتثبيت وليس إلى التمزيق، والشعب فى حاجة إلى الاتحاد والتلاحم والاصطفاف مع الدولة فى مواجهة كل هذه الأخطار، ولا نظن أبداً أن الانتخابات القادمة فى محلها أو فى موعدها، لا من ناحية كورونا ولا من الناحية الأخرى، هذه المخاطر التى تحاصرنا من الداخل ومن الخارج، وأكاد أجزم أن السلامة مع تأجيل هذه الانتخابات عاماً كاملاً، اللهم بلغت اللهم فاشهدوا علينا.

"الوطن" القاهرية

adelnoman52@yahoo.com

  كتب بتأريخ :  السبت 18-07-2020     عدد القراء :  1977       عدد التعليقات : 0