الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
لبنان.. اصرخى فى وجه الطائفية البغيض

ما دخلوا قرية إلا وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون، وما تمكنوا من أرض إلا وبارت، ومن نعيم إلا وزال، ومن أمن وسلام إلا وانقسم المجتمع وتقاتل وتناحر وتباغض، الطائفية الدينية، أو قل بصراحة ووضوح الصراع السياسى الدينى الإسلامى على السلطة وعلى الحكم، سواء تحت لواء الخلافة أو مظلة الإمامة، أو عباءة الصراع السنى الشيعى، أو الصراع السنى السنى، أو تحت لواء الميليشيات الدينية المسلحة، كلها طرق للهدم وللخراب وللدمار، فما زالت الطائفية فى لبنان تخرب ولا تعمر، تهدم ولا تبنى، وسيطرة ميليشيات حزب الله التابعة للملالى تجلب الخراب والدمار على لبنان، وما زالت أفغانستان تحت حكم طالبان التابعة للسلفية الوهابية تئن تحت وطأة التخلف والفوضى بعد انتصار الإسلام السياسى على الملاحدة الروس، وما زالت العراق تحترق تحت حكم الملالى الشيعى فى النصف الأسفل، والنصف الوهابى الأعلى، وكلاهما يحصد الأرواح والنفوس، وما زالت سوريا تئن وتتوجع تحت سطوة المتاجرين بالدين، وأيادى السلفية الوهابية والملالى الصفوية تعبث بمقادير ومصير الشعب، ويا ليت لبنان ظلت على علمانيتها، وأفغانستان على الإلحاد الروسى، والعراق على مئات الملل والنِّحل، وسوريا تحت حكم الطاغية وعاش الجميع فى سلام، وعلى سرير ينام الأطفال عليه فى أمان.

ولما نقول أبعدوا السياسة عن الدين وعن الحكم، فلا دولة فى الإسلام، وهو دين للعبادات وليس نظام دولة، والقانون الوضعى هو الأجدى والأنفع والأصلح، ويراعى منافع واحتياجات الناس، ولسنا فى حاجة إلى خلافة أو إمامة أو ولاية، ولا قوة ولا سلطان ولا جيش ولا سلاح إلا للدولة الوطنية، فإنما نحاول اجتناب هذا الصراع القاتل والمدمر والحارق لآمال الشعوب التى يحاصرها الموت من كل جانب، صراع مكتوب على الشعوب الإسلامية منذ قرون بين الدين الواحد والمذهب الواحد والفرق المختلفة والتى يُكفر بعضها بعضًا من ناحية، وبين المذاهب المختلفة والتى يستحل كل مذهب شرف ومال ودم الآخر، ويكفرون بعضه بعضاً من ناحية ثانية، وبين الدين والأديان الأخرى التى تجعل غيره من الذميين الكافرين بلا ولاية أو ريادة، ومواطنون فى بلادهم الأصلية من الدرجة الثالثة، فإذا حصل على حق يكون منحة وعطية يمكن الرجوع فيها، ويجبر قهراً على دين آخر.

لبنان واحة الحرية والجمال والأناقة والحضارة والابتسامة العريضة ورقصة الدبكة، أصبحت ساحة للفوضى والقتال والصراع والحزن ورقصات الموت فى كل شارع وفى كل حارة، لبنان الذى عاشت فيه الطوائف كلها من السنة والشيعة والدروز والموارنة والروم والأرمن والعلويين واليهود وطوائف أخرى «ثمانى عشرة طائفة» كانت تعيش فى سلام ومحبة، أصبحت بفعل الطائفية الدينية تعيش على براكين من الدمار والقتل والتخريب والفساد.

وليست لبنان وحدها تحترق وتنفجر، بل كل الدول القائمة على منهج وحكم دينى، ودخلتها الفاشية الدينية، وسيطرت على عقول أبنائها، واستقطبت شبابها للجهاد والقتال، وصدّرته للعالم تحت مزاعم الدعوة، كلها تعيش على بركان من الغضب والفوضى والتخلف.

فلتصرخ لبنان وتنهض ضد الطائفية الدينية، وتتحرر من سيطرة الملالى والمشايخ وليعودوا إلى مساجدهم وعباداتهم لا يبرحونها ولا يفارقونها، ويتركون أمور الناس للمتخصصين والعلماء، ولتنظر الشعوب فى كل الدول الإسلامية إلى مصير الحكم الدينى والصراع الطائفى، وما تجنيه الشعوب من خراب وفوضى، والمصير الحتمى والتاريخى للدولة الدينية، أفيقوا قبل فوات الأوان.

عودة الطائفية الدينية إلى مخزن التاريخ أمر حتمى، وإبعاد الدين عن الحكم أصبح ضرورة، وقيام الدولة الحديثة التى تحقق المساواة بين طوائف الشعب أضحت مطلباً شعبياً، بلا تمييز طائفى أو عرقى أو دينى، «علمانية على أبوها»، وهو الحل الأمثل لكل الشعوب، والمخرج من هذا الصراع، ولم يعد هذا أمل اللبنانيين فقط، بل هو حلم كل الشعوب التى تخشى الانهيار، كما تنهار بيروت، وكما انهارت سوريا والعراق واليمن وليبيا بفضل الصراع على الخلافة والإمامة والدولة الدينية، التى لم نقابل فى تاريخ البشرية نموذجاً ناجحاً لها، حتى نتمسك به أو نسترشد به ونهتدى بهديه ونقتنع بتجاربها ونتائجها، منذ اليوم الأول، سوى خراب ودمار وقتل وسفك وحرق وسبى هنا وهناك باسم الله، والله ليس بغافل عما يعمل الظالمون، صرخة لبنان هذه المرة فى وجه الظلم وفى وجه الطائفية والدولة الدينية، وصرخة كل الشعوب للخروج من عباءة الإمامة والخلافة والدمار، وعودة إلى الدولة المدنية بجيش واحد وبرلمان واحد دون محاصصة أو طائفية، وانتخابات حرة دون تمييز على أساس عرق أو دين أو جنس، فى لبنان وغير لبنان.

"الوطن" القاهرية

adelnoman52@yahoo.com

  كتب بتأريخ :  السبت 15-08-2020     عدد القراء :  1851       عدد التعليقات : 0