الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الاحتجاجات ... وتبديل الاولويات

   شكلت الاحتجاجات التي إنطلقت في تشرين أول من عام 2019 ظاهرة متميزة في مواجهة نظام المحاصصة الطائفية ـ الاثنية وكتله السياسية المتنفذة في الحكم، ليس فقط بحجم وإتساع الجماهير المشاركة، بل أيضا لجذرية المطالب التي آلت اليها الاحتجاجات بعد سلسلة إعتصامات ومظاهرات محدودة لم تخرج جميعها عن مطالب محددة كالتوظيف، أو تقديم خدمات معينة لمنطقة ما وغير ذلك من المطالب المجزأة المحدودة، والتي لم تكن لتشكل تهديدا حقيقيا لوضع السلطة واحزابها، حتى جاءت إحتجاجات تشرين لتلم شمل كل تلك الفعاليات وتتقدم بمطالب جذرية تفضي الى إنهاء نظام المحاصصة والاعتماد على نظام إنتخابي جديد وما يمليه كل ذلك من تغييرات أساسية على صعيد الدستور الدائم وبقية القوانين النافذة والتي ستؤدي في الاخر الى فقدان المتحاصصين الفاسدين لمواقعهم ونفوذهم وإحتمال تعرضهم للملاحقات القانونية وغير ذلك مما جعلهم يلجأون الى العنف في مواجهة تلك الاحتجاجات بدل التعامل بواقعية وجدية لتقديم الافضل، فكان القناص المجهول أول من حرّف جزءا كبيرا من الاحتجاجات للمطالبة بكشفه وتقديمه الى العدالة، لتتوالى عمليات القمع والخطف والاغتيال التي رُحلت لمتهم مجهول أيضا سمّاه وزير دفاع المحاصصة آنذاك بـ "الطرف الثالث" والذي بقيت السلطات تدّعي مجهوليته مرة وتوجيه سهام الاتهام للمحتجين أنفسهم في أخرى على إنهم من بدأ العنف وأصاب أعدادا من القوات الامنية ولا أحد يعرف صدقية تلك الاعداد، ومع كل ذاك بدأت حملة دعائية ضخمة لتشويه سمعة المحتجين وصورة الاحتجاج، شارك في تلك الحملة سياسيون يعدون من الصف الاول للنظام وقادة لميليشيات قتل منفلتة ، مما أشر الى ضخامة قوة الاحتجاج وحجم الرعب الذي عاشته كتل المحاصصة، مما حدا بها لتقديم حكومة عادل عبد المهدي ككبش فداء، رغم إن تلك الحكومة ورئيسها لم يكونوا بريئين من كل الجرائم التي حصلت ومن كل الفساد الذي سبق ورافق تلك الفترة، لكن أراد المتحاصصون أن يسحبوا الانتباه عن المطاليب الرئيسية التي إنطلقت من أجلها حركة الاحتجاج الكبيرة تلك، فتبدلت الاولويات وبات مطلب تقديم عبد المهدي وحكومته للقضاء كمتهمين ينتشر بأكثر من مائة مرة من مطلب تغيير الدستور، وصار مطلب كشف المجرمين بالاسماء ممن قاموا بعمليات القتل مباشرة ومن أعطاهم الاوامر تلك، رغم تشخيصهم من قبل المحتجين وعموم الشعب، إلا إن المطلب كان موجها للسلطات الرسمية لتقول قولها الفصل في الامر وذلك مما لم يحدث الى الان والذي يعني إنه أصبح مطلبا أساسيا على حساب مطالب أخرى تفضي لانهاء نظام المحاصصة، وهكذا توالت التبدلات حيث إستطاعت الكتل المتنفذة من دس مجاميع منها في الاحتجاجات وبإمكانيات كبيرة جدا لتسلم زمام المبادرة حتى غدا مطلب طرد المندسين أساسيا على حساب مطالب أخرى بدأت بها الحركة الاحتجاجية، وهكذا ضغطت سلطات القمع والمحاصصة لتغيير أولويات المحتجين، وللاسف نجحت في ذلك بشكل كبير، وصولا الان الى الصراع على أماكن تجمع المحتجين كالتحرير في بغداد والحبوبي في الناصرية وغيرها ببقية المحافظات وكأنها أماكن مقدسة كل يريد التمسك بها والدفاع عنها!! مما دفع بمطالب تغيير نظام المحاصصة الى التراجع بعيدا بل وإنه بات غير مسموعا في أحيانٍ كثيرة، فلماذا؟ ألا توجد ساحات وأماكن أخرى يلجأ اليها المحتجون لتنفيذ فعالياتهم وتأكيد مطاليبهم الاساسية وبذلك يسحبون البساط من تحت أقدام ذيول السلطة وكتلها المجرمة وإعادة مطالب الاحتجاج الاساسية الى الواجهة؟

   إن المطالبة بتقديم المجرمين من القناصين الى منفذي عمليات الاغتيال والخطف وغيرها مما أبدع العقل المجرم بإيجادها وتنفيذها، تبقى مطالب مهمة وأساسية لكن ليس على حساب مطلب إنهاء النظام الذي أوجد تلك الجرائم ومنفذيها ، فإن تحقق مطلب الشعب بإسقاط نظام المحاصصة ورموزه ، عندها سيصبح من اليسير معرفة من هم المجرمين الحقيقيين وتقديمهم الى العدالة لينالوا جزاءهم العادل.

   وأخيرا فإن العودة الى المطالب الاساسية وعدم الانجرار وراء رغبات السلطات في تبدل الشعارات والاولويات مع وجود قيادة للاحتجاجات ذات فكر واضح يرسم أفق التغيير، تعتبر اليوم من أساسيات نجاح العمل الاحتجاجي وتخليص الشعب من سياسيي الصدفة وما أوصلوا إليه البلد من حالة تردي غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 04-12-2020     عدد القراء :  2439       عدد التعليقات : 0