الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ماذا يعني التحالف العقائدي وإحياء البيت الشيعي؟

الفرق بين الانتخابات السابقة والمبكرة القادمة تتمحور حول قضيتين رئيسيتين. الأولى أن ما بعد الانتخابات السابقة وبالتحديد في تشرين من العام ٢٠١٩ هبت إنتفاضة الجماهير الشعبية بعد أن سدت الطغمة الحاكمة جميع السبل للإصلاح وتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم لعموم الشعب, إضافة إلى تفاقم الفساد وتغوله في جميع مؤسسات الدولة, وتراجع الصدريين عن شعار الإصلاح الذي كان محور حملة سائرون في الانتخابات السابقة, كما ضاعف تدهور أسعار النفط وتراجع كبير في ميزانية الدولة إلى انتهاج سياسة اقتصادية عشوائية تعتمد على القروض الخارجية التي تنتهي أخيرا في جيوب الفاسدين دون أن تحل مشاكل البلد كما هو الحال ومنذ ٢٠٠٣. إن هذه الإنتفاضة الباسلة التي تضرجت بالدم نتيجة تلاحم بين الفاسدين في سلطة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والكتل الإسلامية وميليشياتها المنفلتة حيث هاجموا ساحات الإحتجاج السلمية في بغداد والمحافظات الجنوبية الأخرى وقتلوا المئات واختطفوا النساء والرجال دون وازع من ضمير ولتنفيذ اجندات خارجية.. ولم يكن المنتفضون يحلمون بأكثر من وطن آمن ومستقر وحياة كريمة والذي يعني إصلاح وتغيير في النهج الطائفي وإصلاح العملية السياسية وتقديم حيتان الفساد والقتلة إلى العدالة والمطالبة بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة بقانون انتخابي عادل ومفوضية مستقلة حقا واشراف دولي.. أما القضية الثانية فهي تتعلق بالشعارات والتحالفات المبنية على إحياء النهج الطائفي المقيت.

ما تحقق من إنتفاضة تشرين هو تغيير فوقي فقط حيث فرض المنتفضون استقالة عادل عبد المهدي دون اتخاذ أي إجراء قضائي ضده على الجرائم التي ارتكبت ضد المنتفضين.. وتأمل الشارع العراقي خيرا من بديله السيد مصطفى الكاظمي الذي وعد وتوعد بالكشف عن قتلة المنتفضين وتقديمهم للعدالة, ومحاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة, وحصر السلاح بيد الدولة, وإجراء انتخابات مبكرة يتحقق من خلالها الإصلاح الذي ينشده المنتفضون..لكن كل ذلك لم يتحقق, بل تفاقمت عمليات القتل واختطاف للناشطين في عهد الكاظمي وكشفت دوره المخرب والهادف لإنهاء الإنتفاضة حتى ولو أدى ذلك إلى إغراقها بالدم من جديد, وتم الإلتفاف على الانتخابات المبكرة من خلال قانونها المجحف وعدم ضمان نزاهتها خاصة وإن الميليشيات وسلاحها هما السائدان في الساحة, مما سيدفع الى مقاطعتها من قطاعات واسعة من أبناء شعبنا.

 لم تكن الكتل الإسلامية وميليشياتها تعتقد بأن هذه الإنتفاضة ستستمر خاصة وإن تلك الكتل لم تنقطع بتوجيه مختلف الإتهامات لها، وعندما فشلت في النيل منها ومن شعاراتها الوطنية الإصلاحية وجبروت وتنوع المشاركين فيها، دفعت بعناصرها المجرمة لقتل واختطاف الناشطين فيها, خاصة وقد لعب الصدريون من خلال ميليشية القبعات الزرق دورا مخرّبا مستخدمين القتل واختطاف الناشطين وحرق خيام المنتفضين كإسلوب مدان لفض التظاهرات السلمية. ولقد سهّل انتشار وباء كورونا من جهود السلطة وميليشيات الكتل الإسلامية من إضعاف زخم الإنتفاضة الباسلة، لكنه لم يستطع إطفاء شعلتها الوهاجة إذ اندلعت ثانية وخاصة أن الظروف الموضوعية لم تتغير فالفساد مستشري وقتل واختطاف الناشطين قائم والسلاح هو اللغة التي يستخدمها القتلة لإسكات صوت المنتفضين في ظل صمت مصطفى الكاظمي المريب. ومن جديد غرّد السيد الصدر ودعا اتباعه ومن خلال شعارات ديماغوغية النيل من المنتفضين وقتل وحرق خيامهم في الناصرية وفي بغداد قبل يومين، واستعراض عضلاتهم في ساحة التحرير وساحة الحبوبي عبر "صلوات الجمعة"!  

كل هذه الأفعال المنافية للقانون والتي تستهدف زعزعة أسس النظام الديمقراطي التعددي والدستور التي اقترفتها الميليشيات التابعة لأحزاب السلطة فلم نلمس أية إجراءات ردعية لها من قبل حكومة الكاظمي والسلطة القضائية. فجاءت تغريدات الصدر الأخيرة لتبدد الأوهام بأن شعارات سائرون السابقة التي تدعو إلى التغيير والإصلاح كانت محض شعارات لا قيمة لها حيث استعاضت عنها بشعارات "التحالف العقائدي وإحياء البيت الشيعي " التي وجدت آذان صاغية لها من قبل الكتل الإسلامية الفاسدة الأخرى والذي يعني بطبيعة الحال العودة إلى النهج الطائفي الذي سبق وأن أدانته تلك الكتل في السابق وعزت إليه وهي محقة, إلى تفاقم المشاكل التي تواجه البلاد وتفشي الفساد وتدهور شامل في حياة ومستقبل أبناء الشعب.

وجاء رد الشارع العراقي والمنتفضين سريعا منددين بهذه الشعارات الخطرة وداعين إلى تبني جماهير شعبنا شعار "احياء البيت العراقي" الذي يعني بطبيعة الحال توحيد نضال شبيبة شعبنا من كردستان ولحد الفاو من أجل التغيير وإصلاح العملية السياسية برمتها وتقديم قتلة المنتفضين وحيتان الفساد إلى القضاء العادل واسترداد الأموال المنهوبة.  إن التيار الصدري بهجومه المحموم على المنتفضين وتوجيه التهم القديمة الجاهزة لهم يضع الصدريين في الواجهة حيث سيؤدي ذلك إلى خسارتهم جماهير واسعة من المنتفضين والذين سبق وان صوتوا لهم في الانتخابات السابقة لذلك فإن تغريدات السيد الصدر الأخيرة حول إحياء البيت الشيعي والتحالف العقائدي لم تأت من فراغ فإنه يعرف جيدا بأن قاعدته الانتخابية بفضل نهجه المعادي لشعارات المنتفضين بالتغيير والإصلاح الحقيقيين، وتلطخ يد أتباعه بدم شهداء الانتفاضة ستتقلص كثيرا وستحبط مساعيه لتصدر المشهد السياسي القادم. لذلك فإنه بدأ بمخاطبة الكتل الفاسدة الأخرى لعله يجد بينهم مَن هو مستعد للغوص معه في مستنقع المحاصصة الطائفية حيث سيكون بيتهم القديم الجديد.  

  كتب بتأريخ :  السبت 05-12-2020     عدد القراء :  2874       عدد التعليقات : 0