الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
صحة المواطن العراقي والموت البطيء

   تصدّر احتفالات اليوم العالمي لحقوق الانسان لهذا العام، شعار (اعادة البناء بشكل افضل_قوموا ودافعوا عن حقوق الانسان) فأي بناء سيقوم به العراقيون وهم يغرقون في عشرات الازمات والكوارث الامنية والمعيشية والصحية، ويعانون من الخلل المقصود بكافة مفاصل الحياة دون استثناء؟ وكيف يستطيع المواطن العراقي ان يدافع عن حقوقه التي غيبتها السلطات المتعاقبة، التي لم يكن بحساباتها ان حقوق الانسان لها الاولوية لانه اثمن قيمة في الوجود؟ غافلة ان قوانين حماية صحة المواطن نُصّت وثُبّتت في هذا الوطن منذ زمن بعيد؟

   لقد تحولت بلاد الرافدين وارض السواد من ارض خصب ومياه عذبة لاينضب دفقها، الى مساحات مهددة بالتصحر واليباس، ونهرين يداهمهما خطر الجفاف ومنسوباهما مستمران بالانخفاض.

   عراقنا الذي اصبح مؤهلًا لاحتضان مختلف الامراض والاوبئة. واثار نقص وتلوث مياه الشرب، وتزامنها مع انعدام كافة الخدمات، يهدد حياة العراقيين، وخصوصاً بهذا الوقت الذي يعاني فيه العالم من اجتياح جائحة كوفيد 19 وتفشي وباء الكورونا.

   لقد كان العراق سباقاً بالاهتمام بصحة الفرد والاهتمام بالعناية بالبيئة وعلاج الاضرار التي تهددها، فمنذ بداية الثلاثينيات كان تصدر قوانين تهتم بهذا الجانب، مثل قانون الاشراف على الحرف التي تتسبب بالروائح الكريهة رقم ٤٢ عام ١٩٣١، وقانون تصريف المياه الملوثة رقم ٢٩ لعام ١٩٣٤، وقانون تنظيف الشوارع ونقل الازبال وازالتها رقم ٤ لعام ١٩٣٥، وقانون منع تلويث الانهار رقم ٤ لنفس العام ١٩٣٥، وقانون المكانات والمحلات المضرة بالصحة العامة للمواطنين رقم ١١ لعام ١٩٣٦ وغيرها من القرارات التي تعني بسلامة وبصحة الفرد العراقي.

   لقد استبشر العراقيون خيراً عندما استحدثت فيه وزارة للبيئة عام ٢٠٠٣ وصدر قانون رقم ٣٧ عام ٢٠٠٨ بخصوص هيكلية ومهام هذه الوزارة، ليتبعه صدور قانون حماية البيئة، وغيرها من نشاطات هذه الوزارة، والتي لم يتحقق منها شيء على ارض الواقع، بل كانت حبراً على ورق، ومن ثم اصدرت الدولة بعد ذلك قرار ان بالغاء هذه الوزارة ودمجها بوزارة الصحة، متناسية الدور المهم والحاجة الماسة لوجود وزارة خاصة تتكفل بعلاج ما تعرضت له بيئة العراق، وبخاصة خلال زمن النظام السابق وما تركته الحروب من فواجع كارثية في ارض العراق بسبب التلوث بمخلفات اليورانيوم المنضب المشع، والتي انتشرت في اكثر من 300 موقع كانت تشغلها القوات الامريكية في العراق، والتي قدرت بخمسة الاف طن من النفايات السامة القاتلة التي سيبقى العراق يعاني من تداعياتها الخطيرة لأمد طويل، والتي طالت مياه الانهار بل وحتى المياه الجوفية وتغلغلت بالتربة وتسببت في تسمم السلسلة الغذائية، (نباتات تتغذى على الماء الملوث بالسموم، وحيوانات ودواجن تعتمد في تغذيتها على هذه النبات، وبشر يعتمد في غذائه على النبات والدواجن واللحوم الحيوانية التي تحمل تلك السموم الكيمياوية الخطيرة المهلكة). وازدادت الاصابات بالامراض المختلفة وتعرض العراقيون للاصابة بالامراض الخطيرة وانواع السرطانات التي اودت بحياة الكثيرين من بنات وابناء العراق واطفاله وشيوخه، وابتلت النساء بظاهرة ولادة اجنة مشوهة تلفت احصائياتها الانتباه وتنذر بمخاوف ان تدخل في التركيب الجيني للفرد العراقي مستقبلاً. ناهيك عن موضوع الصرف الصحي الذي لم يتلق الاهتمام، وضفاف النهرين التي اصبحت مكباً للنفايات ومخلفات العمليات الجراحية في المستشفيات والتي ترمى بمياه دجلة والفرات، تلك المياه التي يشرب منها العراقيون بشكل مباشر او غير مباشر، ولم تبال حكومة العراق بالمخاطر الصحية الكبيرة التي يتعرض لها المواطن. يضاف لهذا التلوث المتزايد والاهمال المستمر وانعدام الخدمات، الجهل الذي اكتسح شريحة كبيرة من الناس بسبب عزوفهم عن التعليم او الاستمرار به، وانشغالهم بتوفير لقمة العيش الصعبة في ظل تصاعد نسبة البطالة والفقر في الكثير من مناطق العراق ومدنه، عدا مايعانيه الالاف من العراقيين النازحين للمخيمات الفاقدة لكافة شروط الحياة الطبيعية السليمة. ولابد ان ان نذكر ايضاً تأثير العواصف الترابية التي تخضع لها بقعة العراق الجغرافية، وعدم صلاحية اراضي جنوب العراق التي ابتلت بالمياه المالحة ودون التفاتة لمعالجتها، الى ان اصبحت هذه الاراضي غير صالحة للزراعة، اضافة لمخلفات مصانع الاسلحة في زمن الطاغية، وعوادم السيارات ومولدات الطاقة، والتي تتوجت بدخان المحروقات من اطارات السيارات في الساحات والشوارع الداخلية والتي قام بها اعداء الشعب لتحجيم حراك الشباب التشريني الثائر على الظلم.

   يضاف لها مايعانيه العراقيون خلال مواسم الامطار، وطفح المجاري المهملة ومواسيرها التي تآكلت بسبب القدم وانعدام الصيانة، والتي تتسبب في اغراق الشوارع والازقة بعد كل زخة مطر، بل وتتسرب للبيوت وهي متشبعة بالتلوث والقذارة المسببة لشتى الامراض.

   وتجتمع كل هذه الكوارث وغيرها لتتزامن من جائحة كوفيد 19 التي شغلت العراقيين مثلما شغلت كل الناس في انحاء العالم كافة.

   فلينتبه العالم ليرى الموت البطيء المحتوم الذي ينتظره العراقيون، والذي تعددت مسبباته، ونحن لا نزال نقبع تحت خيمة الظلام وسلطة الفساد والسرقات والمافيات الاجرامية وميليشيات القتل، والحكومة التي تختلق شتى انواع الازمات لالهاء المواطن واشغاله عن حقوقه الجوهرية المشروعة التي تتعلق بسلامته وحمايته ومستقبله.

   ان العالم المتحضر ينظر لحقوق الانسان بعيون الحرص والاهتمام، وينتظر النهوض بمستوى صحة البيئة وصحة الانسان، واسعاد الشعوب التي هي السواعد التي تبني بلدانها، وهي من تصنع مستقبلها.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 11-12-2020     عدد القراء :  1404       عدد التعليقات : 0