الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
فكرة العقد السياسي .. وعبرة الديمقراطية التوافقية

   أخذنا طبع الاهتمام الى شعار " العقد السياسي الجديد " الذي يلوّح به هذه الايام والذي يراد به حلاً، كما يبدو، لازمة الحكم في البلاد، علماً انه على غير ذلك طبعاً .. وبصداه تقفز امام المرء مباشرة المآلات التي وصلت اليها "عقود الشرف" السياسية والاجتماعية السابقة بما فيها " الدستور العراقي " كونه عقداً اجتماعياً ايضاً. فهل هذا الشعار المطروح يعني الاخذ بالعبرة القاسية التي القتها ما سميت بـ " الديمقراطية التوافقية " ..؟ التي مسخت الديمقراطية وسلخت عنها كافة اجزاء منظومتها المدنية العادلة واختصرتها بـ " العملية الانتخابية " التي لم تفلت مرة واحدة من براثن التزوير الشرس.

   " العقد " المقترح بحاجة الى مزيد من الايضاح و التفكيك .. اذ لم تكن مضامينه مفهومة. لقد اطلق على عواهنه. فهل هو رقعة بائسة لا تستر، ام بدعة ملتبسة لا تجبر، ام ماذا.؟ واذا ما كان على هذه الشاكلة او تلك، فمن الوهم ان يظن متبنوه بانه كفيل باخفاء عورة فشل حكم الطغمة الحاكمة، الذي انتج خراباً لا مثيل له من الفساد والانحطاط . حقاً كان عصفه قد شلّح عرابيه الفاسدين من براقعهم التي موهوها بالمقدسات زوراً وبهتاناً.

   صرنا نشاهد ونسمع ما يتحفوننا به الفاسدون من الوان الخداع والدجل المفضوح، كي يتمكنوا من كسر جدار عزلتهم عن الجماهيرالذي شيدته انتفاضة تشرين. لقد لجأوا الى المكر الناعم بعد ان خذلتهم اسلحتهم الكاتمة حيث عجزت عن صنع الموت القادرعلى كتم صرخة حراك الشارع المنتفض. فبالرغم من بشاعة الاغتيالات والخطف والتهديد المتواصلة ظل عزم التشرينين والقوى الديمقراطية المشاركة والحاضنة لهم متصاعداً.

   لقد شاهدنا حلقات مسلسل الهموم، بدءً من " الدستور" الذي فصّل على مقاسات صانعيه و" وثائق الشرف " بين الكتل المتنفذة، الى " المشروع الاسلامي " الذي تنادي به كتلة دولة القانون، و" الكتلة العابرة للطائفية " التي يطرحها " تيار الحكمة "، و " ترميم البيت الشيعي " الذي يتبناه التيار الصدري. حتى وصلنا مؤخراً الى مشروع " العقد السياسي الجديد ".. لاشك في ان جميعها لا تعدو عن كونها بضاعة للاستهلاك المحلي. ليس فيها ما يبشر برائحة تغيير النهج السياسي القائم على المحاصصة الطائفية المقيتة. انما هي عناوين لا مضمون معالج للازمة الطاحنة فيها. وهذا ما قصر اعمارها الذي لم يتعد ساعة موتها قبل ان يجف حبر كتابتها.

   يتبلور سؤال باحث وحريص، يفرض نفسه على الذين يتبنون مشروع " العقد السياسي الجديد : مفاده هل ثمة معطيات من شأنها خلق القناعة لدى الناس بالامل الفاعل لهذا الطرح. وهو ما زال في صلب البيئة السياسية التي فشلت، وذات الشخوص الذين لم يتمكنوا من تحقيق انجازات تذكر للشعب و للوطن، ولم يسهموا بايقاف مجرى التدهور السياسي والاقتصادي والامني الحاصل منذ اعوام، ولم يثبتوا عملياً بقربهم من منهج التغيير الذي ينادي به المنتفضون، الذي تتبناه القوى المدنية الديمقراطية ايضاً.

   كما ان ما يعتمل في المسرح السياسي العراقي الساخن جداً، يدعو الى اعتماد نظرية "الاحتمالات " السلبية والاجابية مرهونة بالشك الحذر، بكل ما تطرحه القوى المتسلطة. حيث ان ما بدأوا يرونه اليوم، لم يكن ياتي على بالهم لا من قريب او بعيد قبل انتفاضة تشرين. فأرجح تفسير له هو محاولات لبناء خطوط الصد والحماية لمكتسباتهم من السحت الحرام المنهوبة من اموال الدولة، وكذلك للتشبث بمواقع نفوذهم في الحكم.. لذا اقتضى الحذر.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 17-02-2021     عدد القراء :  1929       عدد التعليقات : 0