الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
كوثر حمزة "ام نصير" ... حملت آلامها للمحكمة ولكن..!!
بقلم : ماجدة الجبوري
العودة الى صفحة المقالات

حين اخبرتها عبر الهاتف  ستتاح لها فرصة تقديم شكوى في محكمة الجنايات الكبرى ضد النظام البائد لم تصدق، دهشت، فرحت، وكيف لا وهي  تحمل هما والما كبيرا تريد ازاحته عن كاهلها المتعب منذ سنوات طويلة.. اتفقنا ان نلتقي في كرادة مريم وهو المكان المتفق علية لتجمع المشتكين، ومن ثم نقلهم بسيارة خاصة تابعة لمحكمة الجنايات .
خرجت من بيتها قبل بزوغ الشمس، من الحلة الى بغداد، كنت اتواصل معها عبر الهاتف لأعرف اين وصلت، مع وجود السيطرات والازدحامات .
اخيرا لاحت لي من بعيد ملفعة بعباءتها السوداء، وابتسامة عريضة تغطي وجهها، يملؤها  أمل كبير بتعرية النظام امام العالم. في البداية اخبرنا القاضي محمود الحسن متأسفا بعدم وجود فضائية لنقل المحاكمة، معللا السبب بالانتخابات، ومع ذلك رضيت ام نصير بذلك، قالت سوف اشفي غليلي بالمجرمين، انتظرنا ساعات كانت طويلة جدا، ولكن للاسف الشديد أجلت المحاكمة لليوم الثاني، مما كدر مزاجها، علما انها مجازة من دائرتها ليوم واحد، اصطحبتها معي وهونت عليها الامر، قلت انتظرت سنين طويلة، انتظري يوماً واحداً، قلت لها تحدثي لي عن حياتك قليلا ومعاناتك ؟ .
اجابت: حين كنت في مرحلة  الإعدادية، انتميت الى الاتحاد العام لطلبة العراق، واصبحت سكرتيرة الاتحاد في المدرسة، من نشاطاتنا رحلات وسفرات مدرسية الى الاماكن الاثرية، ومسابقات شعرية، وغناء كانت علاقة الطلبة جيدة ونتسابق في الدراسة، كما كنا نثقف الطلبة لزيادة الوعي لديهم، اضافة لانتمائي الى رابطة المرأة العراقية.
في تلك الفترة كان شخص يدعى" جبار جاسم عبد" يتردد على بيتنا، كصديق ومسؤول حزبي لاخواني، اعجب بي وبنشاطي  المدرسي والسياسي، وفاتحني بمشاعره تجاهي، عنها كنت ابادله الاحاسيس، بعدها تقدم لخطبتي وتم زواجنا.
في عام 1976 أتيحت لي فرصة السفر الى الاتحاد السوفيتي "سابقاً" مدة سنتين بعثة دراسية في معهد الفلسفة والاقتصاد، اتذكر حينها كنت حاملا بابنتي سهاد.
في يوم 20/3/1979 ودعني العزيز ابو نصير مجبرا بعد اشتداد الهجمة على الحزب الشيوعي العراقي الى مكان اجهله، تاركا وراءه اربعة اطفال هم "نصير، سهاد، ليلى، ياسمين " تاركا جنينا ينمو في بطني، كان فراقا ابديا بالرغم من انني قد رأيته مرات قليلة وسريعة.
بعد اربعة اشهر من اختفاء ابو نصير، وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل داهمتنا قوة من جلاوزة النظام، كنت احتضن اطفالي، حين سمعت قرعاً عنيفا على باب بيتنا الخارجي، خرجت والدتي التي كانت تسكن معي، اجابت من الطارق ؟ جاءها صوت شقيقي " محمد رضا" حين فتحت كان مقيدا وبرفقة افراد الامن، كان فخا لنا.
سحبوني من الفراش ، وانا ارتدي دشداشة النوم، مقيدة اليدين،  تاركةًًُ ورائي صوت والدتي وهي تصرخ وتبكي.
هناك في مديرية أمن الحلة تعرضت الى انواع التعذيب " الكي بالكهرباء، الفلقة، أطفاء السكاير في جسمي، تعليقي في المروحة، وكل هذا التعذيب يجري وانا عارية من كل ملابسي".
في احدى المرات اقتادوني الى أحدى الغرف، كانت فيها" طاولة منصوبة" وفوقها ومشروبات كحولية، كانوا سكارى حينها، وهناك جردوني من ملابسي اولا ، ثم اوثقوا يدي وسحبوني الى حمام وانا عارية، واغتصبوني بوحشية وسط صراخي وبكائي، حينها كنت أحمل جنينا في بطني.
بعد سلسلة من التعذيب النفسي والجسدي، تم نقلي الى الامن العامة في بغداد، وتعرضت للتعذيب ايضا، منه رشقي بالتيزاب وبكميات كبيرة فوق صدري وبطني وافخاذي، عندها فقدت الوعي، لفترة طويلة .
بعد ان أفقت من غيبوبتي وجدت نفسي تحت قفص من الحديد محاط بشرشف في سرداب في المستشفى وتشرف علي دكتورة اتذكر كان اسمها "بشرى"، ومنظر جسمي يرثى له، كانت الدماء تنزف من شراييني، اجريت لي عمليات ترقيع، كل هذا لم يمنعهم من التقاطهم صوراً لي وباستمرار، لمست بطني كانت خالية من جنيني، قالوا انني ولدت بنتا ميته، لا زلت افكر بها، غير مقتنعة بموتها، ربما ولدت حية وأخذوها بعيدا عني !!.
استمر اعتقالي اكثر من سنة، بين مديرية أمن الحلة وألامن العامة في بغداد، كانت ايامي لاتوصف، يوميا اموت عشرات المرات، كنت اتحمل الالام، والاهانات، وكل الجحيم، ولكن كان كل تفكيري باطفالي الصغار، كيف يعيشون بدون امهم وابوهم؟ !!.
حين خرجت من الاعتقال، كان سؤالي عن اطفالي وزوجي وامي، عندها كانت المصيبة اعظم، كان موقف والدتي بطولياً، فقد اخذت اطفالي بيدها ولفت شوارع الحلة وهي تصرخ " ياناس ياعالم، هذوله الاطفال قتلوا ابوهم وامهم، وين اوديهم وشلون اعيشهم " وهي تصرخ في الشارع، ولكن المسكينة لم تتحمل الصدمة، بعد شهرين لفظت انفاسها قتلها  المجرمون!!
اما زوجي فقد تعرض لمداهمة من قبل ازلام النظام، كان متخفيا في بيدر" حنطة او شعير" لم يستسلم بل قاومهم، قتل احد الضباط، لكنه اصيب، زحف الى مزرعة"باقلاء" وبقي ينزف، وفي الصباح، كانوا يبحثون عنه، اقتفوا اثار الدماء وعثروا عليه.
ابن عم ابو نصير، كان يعمل في مستشفى الحلة الجمهوري يقول: سمعت بان احد الشيوعيين أصيب بطلق ناري،  والقي القبض عليه وهو مجروح في المستشفى، استطعت التوصل اليه،فوجدته ابو نصير، بالرغم من تعرضه للنزف من اثر طلقة في رقبته، لكنه لم يفقد وعيه نهائيا، امسك بيدي واعطاني " خاتم زواجه وساعته" وقال اعطها لام نصير اذا تم اطلاق سراحها، وقل لها ان تذهب لاحد الاصدقاء مع اطفالها في كركوك.
ام نصير " لمت " اطفالها من الاقارب، اخذت بنصيحة ابو نصير، وغادرت الحلة متخفية الى منطقة " تازه خرماتو" حطت بها الرحال ثلاث سنوات هناك وكانت حياتها لاتخلو من الصعوبة، الاطفال لهم احتياجات كثيرة، ثم عادت الى احدى قرى الحلة يطلق عليها منطقة " الديلاب" وهناك بنت مكانا او مايسمى بيتا من الطين لتعيش القلق من ملاحق ازلام النظام.
الذهاب الى المحكمة مرة اخرى...
في الصباح الباكر، استقلت ام نصير تكسي، متجهة نحو المحكمة، متشبثة بامل الأدلاء بشهادتها، بل واثقة، قد يكون السبب هو شفاعة القاضي لوضعها الصحي، هذا ماتصورته!
ام نصير لا تستطيع المشي او تسلق سلم، سيقانها بل شرايينها تنتفخ وتتحول الى كتلة سوداء.
ولكن كل هذا لم يشفع لها عند المحكمة ولا عند القاضي الذي اجل قضيتها مرة اخرى، بالرغم من توسلاتها .
لم تستطع منع دموعها، احست بالظلم مرة اخرى، في حين كانت تحلم بتحقيق العدالة، ان تنفض جرحا حملته عشرات السنين، لكنه امر مؤسف ان تتدخل اعتبارات الانتخابات في تسيير امور العدالة.. والا ماهو السبب ؟.
http://www.iraqiwomensleague.com/uploader/ar/1266887124um naser1.jpg

قطعة من جسم كوثر حمزة ام نصير.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 22-02-2010     عدد القراء :  4131       عدد التعليقات : 0