الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
غياب المصداقية ..إخفاق الوعود
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

بينما نقترب من لحظة تاريخية هامة في تحديد مصائر وجهة التطور الاجتماعي لبلادنا، نشهد حقيقة تعاظم الصراع بشأن القضايا الاجتماعية والسياسية الرئيسية. فماتزال البلاد منقوصة السيادة، وماتزال آثار الاحتلال وسياساته المتخبطة تواصل التدمير المادي والروحي، وهكذا الحال مع عواقب الدكتاتورية الفاشية. ولم تتقرر، حتى الآن، هوية الدولة العراقية، ولم تبدأ إعادة إعمار حقيقية. وعجزت سياسات القوى المتنفذة عن تقديم بديل وطني حقيقي، بل أشاعت، على العكس من ذلك، أجواء اليأس وخيبة الآمال، وأضاعت فرص وضع البلاد على مسار التقدم الاجتماعي. وماتزال تجليات الأزمة متفاقمة، ومن بين أخطرها هشاشة الوضع الأمني وإخفاق المؤسسات المعنية في التصدي للارهاب والتخريب وعصابات الجريمة المنظمة، وتفشي الفساد والبطالة وسوء الخدمات الأساسية، واستمرار مصاعب الحياة المعيشية، وتزايد جيش الأرامل واليتامى والمعوقين، وتعاظم معاناة الملايين من المعوزين والمحرومين، ناهيكم عن توتر العلاقات بين الأطراف السياسية، المتنفذة خصوصاً، واحتقان الأجواء المحيطة بالتوجه الى الانتخابات وسط إعادة اصطفاف سياسي قلقة لم تتحدد ملامحها النهائية.
كل هذا يدخل في مسار التنافس الانتخابي وصراع القوى "الكبيرة" لجني مزيد من الكراسي والمغانم. غير أن أبرز ما نشهده اليوم من حقائق واقع مرير يتجسد في إخفاق القوى المتنفذة في إدارة الصراع بسبب التمسك بمنهجية المحاصصات والمصالح الضيقة.
وفي ظل تفاقم أزمة البلاد على جميع الصعد تتجلى الآثار السلبية لاستخدام المال السياسي في الحملات الانتخابية، التي يفترض أن تكون حملات نزيهة وعادلة وديمقراطية. وعلى الرغم من أن تعليمات المفوضية المستقلة للانتخابات تنص على تحريم استخدام المال السياسي، فان هذه التعليمات تفشل في منع استخدام هذا المال لأسباب عدة في مقدمتها تركيبة المفوضية القائمة على أساس المحاصصة.
وبعد أن انكشف زيف وعود القوى المتنفذة وغياب مصداقيتها، بات واضحاً اليوم أن منهجية المحاصصات وكل ما ارتبط بها من رؤى ضيقة وتسلكات استحواذ وإقصاء وتهميش، وتجاهل لمعاناة الناس واستهانة بارادتهم، أن هذا أوصل البلاد الى أزمتها المستعصية من ناحية، وعزز القناعات من ناحية ثانية بأن حل المعضلات الراهنة لا يمكن أن يتحقق الا عبر التخلي عن منهجية المحاصصات والتفكير الضيق بالمغانم والانغمار بالصراع على السلطة والامتيازات.
غير أنه مما يبعث على الأسى أن ما نشهده اليوم يكشف عن مأزق سياسي واجتماعي عميق أشرنا الى بعض تجلياته الفاجعة. ولعل حال البرلمان، الذي يتسم من بين احباطات أخرى، بافتقاد الرؤية، يضيء الوجه الأكثر تعقيداً لهذا المأزق حيث احتدام الصراعات بين الأطراف السياسية بشأن تشريعات قد يؤدي بعضها الى حرمان متنفذين همهم العودة الى كراسي البرلمان ثانية بغية التمتع بالمزيد من الامتيازات الخيالية على حساب بؤس الملايين.
وتدلل الوقائع على أن الحكام ليسوا مؤهلين، بل غير مستعدين لتحقيق وعودهم. فقد أخفقوا في بلورة البرنامج الوطني لاخراج البلاد من أزمتها الشاملة. ولم يتبلور، حتى هذه اللحظة، ما وعدوا به الشعب من بديل. وبدل أن تستخلص القوى المتنفذة الدروس من تجربة السنوات الصعبة الماضية ظلت تواصل نهجاً في إدارة الصراع يجسد روح الاحتكار ونزعة الاستحواذ وضيق الصدر بالديمقراطية والتعددية والتنوع.
ومن ناحية أخرى فانه اذا كانت قد تيسرت، في اللحظة الراهنة، فرصة الأغلبية لمجموعة من القوى، الطائفية التوجه في الغالب، فان سمة الأغلبية هذه ليست حقيقة نهائية ساكنة، ذلك أن توازن القوى في المجتمع جزء من الحياة، وبالتالي فانه يمكن أن يشكل لحظة سياسية عابرة في لوحة الصراع الاجتماعي المتغيرة على الدوام.
* * *
ينبغي، ونحن نواصل المسير الكفاحي باصرار ورؤية واقعية واضحة وثقة بالمستقبل، أن لا تغيب عن بالنا حقائق واقعنا المرير. فهناك عواقب الدكتاتورية الفاشية والتشوهات والآثار المدمرة التي تركتها في الروح العراقية، وهي آثار أضاف اليها "المحررون" و"المقررون" المزيد مما يثقل التركة المقيتة. بل إن بعض المتنفذين يرون في أجواء العوز والحرمان واليأس والضياع سبيلاً يسهل تزييف الارادات وشراء الأصوات، ومن هنا مراهنتهم على تدني الوعي وإذعان الأدمغة المغسولة.
ويتعين أن لا نغفل حقيقة ذلك الخيار ذا التوجه الطائفي الذي تسعى كتل كبيرة الى فرضه بأساليب شتى، مدعومة بتخلف الواقع الاجتماعي والثقافي، وامتلاكها أدوات تأثير على الناخبين، بينها تضليل المحبطين واستغلال عوز المحرومين، واستخدام الرشوات والهبات وشراء الذمم، واستثمار الثقافة البطرياركية السائدة، وجوهرها التمييز ضد النساء، لتوجيه النصف الأعظم من المجتمع الوجهة التي تخدم مصالح المتنفذين. هذا ناهيكم عن السعي الى استغلال الرموز الدينية والمشاعر الطائفية وتوظيفها في الصراع الانتخابي.
ولعل الحقيقة الأسطع التي يتعين أن تبقى ماثلة أمام أنظارنا تتجلى في أن تغيير الوعي والواقع لن يتحقق بدون كفاح فكري وسياسي مديد تخوضه قوى التنوير الديمقراطية لتوعية الملايين وإقناعهم بحقيقة أن مستقبلهم يرتبط، أساساً، بمصالحهم الاجتماعية لا بالطائفة التي ينتمون اليها. وهذا هو السبيل الذي يسلكه الشيوعيون والديمقراطيون الحقيقيون، وهم يمضون برايات الأمل والتغيير، رايات "اتحاد الشعب"، صوب غد وضّاء.


طريق الشعب - 23/2/ 2010

  كتب بتأريخ :  الإثنين 22-02-2010     عدد القراء :  3006       عدد التعليقات : 0