الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
سُعار اليمين المتطرف يجتاح أوربا / ج 1

نظرة في بداية وانتشار الموجة الحالية

   ليس مصادفة أن ينشط التطرف اليميني في المجتمعات المختلطة الاعراق والمتباينة المستويات الاقتصادية ـ الاجتماعية، فاليمين عموما، والذي يطلق عليه أيضا بالمحافظ أو المحافظين عُرف عنه تمثيله لشرائح المالكين من مختلف البرجوازيات المجتمعية " صناعية، عقارية، مالية، ... الخ" كما يرتبط اليمين أيضا بتجليات الفكر القومي أو هو لصيق ذلك الفكر، وما كانت الموجة الحالية من صعود اليمين إلا نتيجة مباشرة لإنهيار الاتحاد السوفيتي وإستقلال بلدان عدة كانت جزءا منه، وبسبب تبدل المنظومة الاقتصادية من الاشتراكية الى الاقتصاد الحر ظهرت وبشكل سريع شرائح برجوازية سيطرت على المشهد وإستدارت نحو تنمية الشعور القومي في محاولة لترسيخ ذلك الاستقلال وأيضا لتقوية نفوذها في المجتمع. ومع هذا الانتشار السريع للفكر القومي اليميني في شرق أوربا، نما الفكر اليميني في عموم دول أوربا الاخرى. وقد تزامن ذلك مع موجات هجرة بشرية كبيرة من دول الجنوب والشرق نحو أوربا والتي جاءت إما بسبب الحروب أو المجاعة والجفاف، أو غياب الديمقراطية وإستشراء الاضطهاد السياسي وغيرها من إفرازات الانتصار الرأسمالي وبروز القطب الاوحد عالميا. وبالرغم من حاجة دول أوربا الغربية خصوصا لتلك الموجات البشرية حيث إنها تساعد في تنشيط الاقتصاديات الوطنية أو الحصول على أيدي عاملة بجهد وكلفة أقل وأيضا الحصول على كفاءات علمية وغيرها من الفوائد، إلا إن اليمين القومي كان رافضا بشدة لوصول تلك الاعداد من المهاجرين، بل إن سياسة الهجرة أصبحت إحدى روافع صراعات القوى السياسية في كل بلد على حدة، وبات الموقف منها من موضوعات تجاذب وكسب أصوات الناخبين في الانتخابات الوطنية على محتلف الاصعدة بل وحتى في إنتخابات البرلمان الاوربي.

   وعلى نقيض ما كانت ومازالت تدعيه حكومات دول أوربية عدة من تمسك بحقوق الانسان عامة وبحق اللجوء والمواساة وغيرها من شعارات براقة، إلا إن سياسة التهميش قائمة، والانعزال في مقابل مشاريع إندماج فاشلة، مما أدى الى نشوء تجمعات سكانية للمهاجرين لا تتساوى مع تلك التي تقتصر على أبناء البلد الاصليين من حيث ضعف الخدمات الاجتماعية بشكل عام والتباين في الحصول على فرص العمل وبالتالي إرتفاع نسب البطالة بين الشباب قياسا بأقرانهم من بنات وأبناء الدول الاوربية، فكانت تلك التجمعات السكانية عبارة عن مناطق رخوة ساعدت على نمو شعور العزلة والاضطهاد أو التمييز العنصري، مما سمح لانتشار إتجاهين منحرفين هما : عصابات الجريمة المنظمة " المخدرات، وتجارة السلاح، وإمتهان القتل وغيرها" والاتجاه الثاني هو تنظيمات سرية للتطرف الديني ـ الاسلامي المرتبط بالتنظيمات الارهابية الدولية كالقاعدة وداعش وغيرهما. لكن ذلك لم يمنع ظهور شرائح من المهاجرين إستطاعوا الاندماج في سوق العمل وأيضا نجاحات دراسية متميزة ظهرت منهم كفاءات علمية عديدة . كما إستطاع البعض من تشكيل منظمات مجتمع مدني إلا إنها لم تستطع الى الان إحتواء كل أو أغلب بنات وأبناء الجاليات المهاجرة ومساعدتهم على الاندماج في مجتمعاتهم الحالية، ولهذا أسباب عدة لا مجال لبحثها هنا، ومع كل ذلك الحيف والمحاولات الجادة للمهاجرين للاندماج في المجتمعات الجديدة أو لإظهار كفاءاتهم المتعددة، فإن قوى اليمين مستمرة في رمي أسباب كل التراجعات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تحصل في بلدانها على عاتق المهاجرين وتحميلهم كل مسؤولية التردي، مع تشغيل ماكنات إعلامية ضخمة تعمل بإتجاهين الاول: تاليب عموم المجتمع ضد المهاجرين والاتجاه الثاني تكريس شعور الدونية والنقص عند المهاجرين أنفسهم، مما ولّد حالة إنقسام حاد في المجتمع يستطيع أي متتبع تلمسها بسهولة. وبشكل حثيث عملت القوى اليمينية في أغلب دول أوربا الغربية على تنسيق مواقفها وشعاراتها وإستطاعت في عام 2008 من عقد لقاء لها في مدينة " أنفر" البلجيكية حضرته أحزاب من النمسا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا والدنمارك وغيرها، إنتهى الاجتماع الى إقرار شعار يدعو الى مكافحة الاسلمة في أوربا، داعين الى وقف هجرة المسلمين والى الحد من نشاطات الاماكن الدينية الاسلامية القائمة أصلا ومنع إنشاء أخرى، وهكذا نما شعور معاداة المسلمين وظهر مصطلح يعرف بـ ( الاسلامفوبيا) تحول لاحقا الى شعار تتصيد تحته قوى اليمين أخطاء بعض المهاجرين وتضخيمها وساعدها كذلك قيام بعض الانشطة ذات الطابع الارهابي ، لينمو اليمين المتطرف بشكل كبير يراود قادته حلم قيادة بلدانها بشكل منفرد أو مع تحالفات تخضع لشروطهم بعد أن كان طموح الوصول الى برلمانات بلدانها صعب المنال، إلا إن ما حدث في أوكرانيا عام 2014 ساعد بشكل قوى التطرف اليمين على الانتشاء والصعود، وهو ما سيكون موضوع الجزء الثاني من هذه المادة .

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 27-04-2022     عدد القراء :  1809       عدد التعليقات : 0