الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
تجريم التطبيع: القرار الاهم

   لا أجد نفسي متعاطفا مع مشروع قانون صوّت عليه البرلمان العراقي منذ 2006 والى الان سوى مشروع القانون الاخير في 2022/5/19 الذي يجرم التطبيع مع دولة إسرائيل ويقترح عقوبات مشددة عدة لمخالفي القانون المذكور.

   فالتطبيع يعني إقامة علاقات رسمية وغير رسمية مع مؤسسات دولة الاحتلال الاسرائيلي وعلى مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية أو الثقافية بل وحتى أحيانا الاستخباراتية، وهو بذلك يضع دولة التطبيع في خانة الدول التي تختار التبعية المطلقة لانظمة الرأسمال العالمي والسير وراء نظرياتها في الليبرالية الجديدة أو القبول غير المشروط بإفرازات العولمة الرأسمالية، وأيضا فإنه يعني تحييد الدولة المطبعة إزاء قضية خطيرة وهامة في المنطقة ألا وهي قضية الشعب الفلسطيني، فالتطبيع يعني ضمنا التوقف عن المطالبة بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وأيضا القبول أو الصمت على توسع بناء المستوطنات، وهذا يعني تهجير للفلسطينيين من مناطقهم وأيضا قضم لما تبقى من أراضي يطالب بها الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها، وكذلك فهي عملية تشويه ومسخ للتراث والمعالم الفلسطينية.

   ومهما كانت منطلقات أو دوافع مجلس النواب العراقي في إقرار مشروع القانون، سواءا كانت قومية أو دينية، وكلاهما مشروعا، لكن الاهم هو إن القضية الفلسطينية هي قضية تحرر وطني كبرى عانت الامرين على مدى تاريخها، من خيانات وتجاذبات وتقاطعات وتشويهات متعددة وصلت حد إذابة المطالب الوطنية المشروعة والاستعاضة عنها بمطالب ضيقة مثل دينية أو إسكانية أو غير ذلك مما هو أقل من السقف الوطني الاعلى... لذلك فإن إعادة إبراز القضية الفلسطينية على هذا المستوى المهم ومن قبل دولة إمتلكت إرثا شعبيا كبيرا في مقارعة إنشاء إسرائيل منذ البدايات ولاحقا قدم خلالها مواطنون عراقيون أرواحهم شهداءا من أجل فلسطين، ودفع الشعب العراقي ثمنا باهضا نتيجة إستغلال الانظمة الدكتاتورية المتعاقبة لقضية فلسطين في قضم الديمقراطية والحريات السياسية والفكرية وكذلك الارتكاز على شعارات مناهضة إسرائيل في ضعف التنمية الاقتصادية والبشرية وغير ذلك من تكريس لمظاهر التخلف، وعليه فإن مشروع القانون يأتي تتويجا لما تحمله وبذله العراقيون من أجل فلسطين.

   ومهما حاول دعاة التطبيع، على المستويين العالمي والاقليمي، من تزويق فكرة التطبيع على إنها تجلب الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي والتنمية المتعددة المجالات وغير ذلك، فإن الحوادث والسنين أثبتت زيف ذلك، فها هي مصر دولة التطبيع العربية الاولى لم تشهد الى الان الاستقرار السياسي المنشود والذي تفجر بشكل كبير في أحداث الربيع العربي عام 2011، كما إن معدلات الفقر فيها بإزدياد، ومازالت هجرة أبنائها الى الخارج قائمة من أجل لقمة العيش، كما لم تنجومن محاولات الموساد الاسرائيلي في إختراقها، فمنذ أواخر السبعينات حيث بدأ التطبيع والى اليوم، تم كشف العشرات من شبكات التجسس الاسرائيلي داخل الاراضي المصرية، ومازالت تعاني الى الان من أنشطة التطرف الاسلامي الاجرامية داخل حدودها، فأين الاستقرار؟ لكن مايجدر الاشارة اليه في تجربة مصر هو رفض فعاليات المجتمع المصري من نقابات وجمعيات ثقافية وإنسانية ومثقفين للتطبيع بأي شكل كان.. بل ذهبوا الى تهميش ومقاطعة من ينجر نحو التطبيع. وأما الاردن الدولة العربية التطبيعية الثانية، فما بين الفينة والاخرى تقفز الى واجهة الاعلام الدولي حوادث اللاإستقرار السياسي فيها وضعف وجود تنمية إقتصادية وبشرية شاملة، وتكتفي المطالبات الاردنية الرسمية بضرورة السماح للمسلمين بإقامة شعائرهم في القدس!! وبذلك تقلصت القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني الى مشكلة شعائر دينية لا غير. والحقيقة إن هذا ما تريده إسرائيل بالضبط حيث تتحول قضية الشعب الفلسطيني الى مشاكل مجموعة أثنية تبحث عن حقها بممارسة حقوقها الثقافية والدينية ليس إلا. أما دول التطبيع الحديثة فلم تظهر منها سوى أفلام تجوال السواح الاسرائيليين في أراضيها، وفي هذا الكثير من اللغط وعلامات الاستفهام.

   إن الانزعاج الامريكي من مشروع القانون كما أعلنته وزارة خارجيتها والتبرم البريطاني وتعليقات إسرائيل الرافضة، قد لا تسهل مرور القانون، فما يصدر في العلن ترافقه عادة ضغوطات سرية عبر طرق عدة دبلوماسية أو غيرها لإيقاف تمريره ، وقد تظهر تبريرات عدة لعدم تشريعه مثل عدم أهلية برهم صالح للتوقيع عليه لإنتهاء مدة رئاسته، هذا إن وقع على القانون، كما إن المحكمة الاتحادية قد تستند على هذه الحجة لإعلان عدم دستورية القانون!! وغير ذلك من الاساليب الملتوية التي تعيق مرور القانون مما يستدعي حملة تضامن وطنية أولا مع المشرعين وثانيا لابد من دور أكبر للمثقفين ومنظمات المجتمع المدني العراقية في إبراز أهميته والتوعية بضرورة عدم إلغائه أو إيقافه فربما في ذلك ما يساعد كثيرا في توليدة ضغط مضاد، وأيضا قد يشكل القانون نقطة إلتقاء سياسي للمختلفين، لذا أجد من الضروري على مجلس النواب العراقي الاعلان بكل شفافية عن أسماء الكتل والنواب الذين قاطعوا جلستي القرائتين الاولى والثانية لمشروع القانون، أو ممن حضر وصوت بالرفض، ففي ذلك فضح لزيف هؤلاء وأيضا تبرأة للذات البرلمانية من محاولات الالتفاف والتمويه على القانون الهام والخطير بنفس الوقت.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 31-05-2022     عدد القراء :  1149       عدد التعليقات : 0