الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أصل الحكاية

   إعتاد اخوتنا المصريون إن تجاذبت الحديث معهم في اي موضوع أن يسحب النقاش في البدء يمنة ويسرة ثم يقول لك (هي أصل الحكاية) وهنا يدخل في صلب الموضوع الرئيسي .. يبدو لي إننا في الشأن العراقي كي نضع الاصبع على الجرح علينا أن نعود الى أصل الحكاية

   فرغم إن المشهد العراقي قد تشبع بالهموم وتشعب بمشاكل وفيه من التقاطعات والمصاعب ما يصعب حصره بسهولة، إلا إننا بالعودة قليلا الى الوراء فإن لكل تلك الخيوط رابط أساسي واحد يتمثل في : الاحتلال الاميركي ودور المرجعية الدينية في النجف .. فبعد حقبة عقود عدة من حكم الدكتاتورية وكتم الانفاس وما كان يرتكبه النظام من جرائم بشعة، يأتي الاحتلال لإزالة ذلك النظام دون أن يزيل مخلفاته، ولهذا أسباب شتى . لكن الاحتلال يعلم بأن شعب العراق عصي على الطاعة وفرصته مؤاتية ليأخذ زمام المبادرة بنفسه، وكان على علم أيضا بأن كل القوى التي تواصل معها قبل الوصول الى بغداد لم تكن بذاك الثقل الجماهيري الذي يساعده لتمرير ما يريد.. وهنا وجد ضالته في مرجعية النجف، فمكانتها الدينية والاجتماعية، ورغبات أتباعها المكبوتة سابقا في التعبير عن ولائهم لها، كانتا خير معين لتمرير برنامج الاحتلال... خاصة وإن السيد السيستاني كان قد أعطى إشارة للقوات المحتلة برغبته في التعاون معها مع الايام الاولى لبدء معارك دخول القوات الحليفة للاراضي العراقية حينما أصدر فتواه الشهيرة بعدم القتال مع قوات صدام وعدم مساندة قوات الاحتلال، حيث كان يعلم جيدا إن قوات بحجمها الكبير وعدتها المتطورة جدا، جاءت إنما لإسقاط النظام وليس الفشل، فإطمأن الى إنه سيحصل ما يريد ... وهكذا بدا الود بين الاثنين وبدأت الاتصالات مع مجيئ بريمر عبر وسطاء عدة وإستغل ذاك المرجع الاعلى وبدأ يجس النبض لما يمكن أن يحققه، فإستجابة بريمر لطلبه الاول بتشكيل حكومة تتبع مجلس الحكم ويتمتع فيها الشيعة بالاكثرية أيضا، كانت الضوء الاخضر لتدخلاته اللاحقة، فأعلن عن مشيئته بكتابة الدستور من قبل جمعية منتخبة!! ويشير بريمر الى محاولات عدة بذلها هو عبر وسطائه والابراهيمي مبعوث الامين العام للامم المتحدة لثني السيستاني عن رغبته تلك إلا إنهم لم ينجحوا!! وهنا يبدو قد تلاقت رغبتي الاحتلال والمرجع الاعلى في تكريس التخلف وعدم البناء الصحيح للدولة ، فتشكلت الجمعية حسب رغبة السيستاني ليرأس لجنة كتابة الدستور أحد توابعه ( همام حمودي) ويعمل مقررا للجنة وكيله في كربلاء ( احمد الصافي) فتولد دستور مشوه يدفع العراقيون الى اليوم ضريبة الموافقة عليه... عندها إستتب الامر للسيستاني بفرض ما يريد فكانت له تدخلات عديدة لكن أبرزها وهي أسوأها :

   1 ـ مباركة وتأييد قوائم أتباعه الإنتخابية من الفاسدين والسراق ليضمن مزيدا من التراجع وتكريسا أكبر للتخلف وكي تستمر سطوته

   2 ـ فتوى الجهاد الكفائي التي أعطت الشرعية لمجاميع مسلحة منفلتة تمتهن القتل والترويع والنهب

   3 ـ دور المرجعية السيئ عن طريق تدخل مجاميع منظمة من قبلها في حشود المنتفضين أيام إنتفاضة تشرين / 2019 ، بحيث أدت الى تفرقة وحدة الصف ومن ثم الهيمنة على الوجود الرافض لكل مخرجات العملية السياسية وصولا الى توقف كل نشاطات المنتفضين في وقت بث خطبة المرجعية بأيام الجمع، حتى إستتب الامر ليقول وكيله في كربلاء إن المطاليب تتحدد في نقطتين لا غير هما : مفوضية إنتخابات جديدة وإنتخابات مبكرة بقانون جديد !! وغابت تماما بقية مطاليب الناس بعيش بكرامة إنسانية .. وهكذا تلاقف الفاسدون ما قالته مرجعيتهم فهي لا تبتغي سوى حمايتهم وإستمرارهم في الحكم، حتى إن حدثت الانتخابات فإننا نتلمس نتائجها الان بكل ما أفرزت من سيئات لم تقل المرجعية رأيا فيها، بل لازمها الصمت كما في كل مرة ترى الخراب يدب في المجتمع والتراجع يسود المشهد.

   المرجعية التي يدافع عنها مريدوها :

   ـ لم تقل يوما شيئا عن فساد إبنائها بالاسماء والافعال، وهي تعرف كل شيئ، وأكتفت بإطلاق تصريح عمومي فضفاض " المجرب لا يجرب"

   ـ لا يهمها تشويه عقول الناس بما تبثه منابر أتباعها وربما وكلائها من خرافات وأساطير كاذبة وتغييب متعمد لوعي الناس وإشغالهم عن المطالبة بحاجياتهم الضرورية ومستلزمات العيش بكرامة

   ـ لم تنبس ببنت شفة عن المبالغة التي يؤدي فيها مريدوها شعائر دينية مثل الاربعينية ومناسابات وفيات بعض الائمة التي تعطل الحياة العامة وتشل حركة الناس بالاضافة الى الممارسات الفجة في تجسيد تلك المناسبات

   ـ لم تردع أحدا من وكلائها أو مريديها وهو يثير النعرات الطائفية ويشتم الاخرين من غير أتباع المذهب

   ـ لم تقل كفى لمن يثير رعب الناس ويتهجم على أخرين بحجج واهية وإفتراءات فقط لأجل تكريس سلطانهم البائس

   وغير ذلك الكثير من مناسبات صمت المرجعية

   وأخيرا لمن يتصور إن المرجعية هي فقط شخص السيستاني أقول لا إنها مؤسسة كبيرة بها أقسام إدارية مثلا لشؤون المحاضرين واخر للوكلاء وقسم للاعلام واخر للعلاقات وإدارة لشؤون طلبة الحوزات وقسم للمالية والرواتب وربما غيرها ، المرجعية لديها إمكانيات أكبر من وزارة ... وبالتالي ما يصدر أو لا يصدر عنها لا يتم إعتباطا بل يأتي عن دراسة وتمحيص ودراية ...

   لذلك أرى أن لا نجاح لإحتجاج أو تجربة حكم وطني ما لم تُركن المرجعية جانبا ويُمنع تدخلها

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 06-07-2022     عدد القراء :  1806       عدد التعليقات : 0