الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
سامي مهدي: بورتريه
بقلم : زهير الجزائري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

للمرة الأولى التي شاهدت فيها سامي مهدي حقيقة، أي من لحم ودم كان في غاليري للرسم. لم تكن له هيئة شاعر له اهتمامات ميتافيزيقية: أصلع تماماً، يرتدي السفاري الكاكي، وبدين بدانة مفرطة. هذا قبل أن يصدر صدام حسين قرار تخسيس موظفي الدولة فيشمله القرار ليظهر فيما بعد بنصف ما كان عليه وإن بقي أقرب للبدانة منه لشخص عادي طوال حياته بل بقيت ملابسه وهيئته أقرب لتجار الجملة، في سخرية واضحة من الشاعر كرافان ابن اخت الشاعر أوسكار وايلد وهو يصف الشعراء القريبين دوماً من السلطة، حيث لا ينتمون إلى النخبة التي ترتدي ملابس مميزة تميزها عن العامة سواء بالاكسسوارات أو بالازياء الغريبة، كما هو حال النخبة المثقفة المنشقة في الغرب. لم يكن شاعراً قريبا من السلطة فقط إنما شاعر سلطة، صحيح هو لم يكتب الشعر السياسي، بل إن موضوعة الحرية لم تقلقه، موضوعة بطش السلطة لم تقلقه كانت موضوعة الوجود بحسب شعره هي التي تقلقه، فكرة الزوال 1979 التي كرس لها ديواناً كاملاً، الاغتراب كما في ديوانه سعادة عوليس 1987، أو غموض الكائن التي سادت جميع شعره، وهو في واقع الأمر تهرب من أي رأي بالسلطة وليست ميتافيزيقيا مخلصة. لم يكن سامي مهدي شاعراً رديئاً ولكن شعره يفتقر للجذوة، يفتقر للروح، شعره مكتوب ببراعة لكنه مصنوع. لم يكن شعر تجربة مأساوية كما هو شعر فوزي كريم، أو شعر ثورة كما هو شعر فاضل العزاوي، أو شعر دراما هائلة كما هو شعر سرغون بولص، أو شعر ملحمة معاصرة كما هو شعر حسب الشيخ جعفر. هو شعر مكتب مبرد ومخدوم خدمة جيدة، شعر موظفين أدمنوا الخدمة، شاعر يراقب الكون دون أن يتدخل في تفاصيله، شاعر يعرف أكثر منا، شاعر واضح، ولكن وضوحه يغري فهو يتعالى علينا بلغته ورموزه، الشاعر مدير، بقي طوال حياته مديراً، مدير المركز الثقافي العراقي في باريس، مدير دائرة الشؤون الثقافية، مدير تحرير، هو مدير حتى في شعره، هو يدير الشعر أكثر مما يكتبه، قصائده مقادة وموضوعة ومسيرة حسب رؤية المدير وأيديولوجيته، لم يشك ولا لحظة واحدة حتى وفاته لا بالأيديولوجية ولا بتطبيقاتها التي انتهت به لاجئاً من دون راتب، كما أنه لم تكن لديه ولا حتى أزمة ضمير إزاء الشعراء من جيله الذي انتهوا منفيين او مسجونين أو مقتولين فهو كشاعر أو كمثقف أبعد ما يكون عن التعاطف. كما أنه لم يكن مدرسة كاملة في الشعر له تلامذته ومقلدوه ومريدوه مثل سعدي يوسف، لقد عجز أن يجد شاعرا واحدا يتبعه، ولم نجد شاعراً واحداً نقول إن شعره تقليد واضح لشعر سامي مهدي.

لم يكن سامي مهدي شاعرا ذكياً فقط إنما كان ناقداً مفكراً أيضاً. قاد مسيرة هائلة في تبخيس بضاعة كل الشعراء من الأجيال السابقة والاجيال اللاحقة، فالسياب لم يكن مجدداً، ونازك الملائكة مقلدة لشعر إدغار ألان بو محافظة ومترددة، والبريكان شاعر يجدد في قوالب قديمة، والبياتي جدد في أباريق مهشمة وتوقف. اشترك في بيان مجلة شعر 69، وقد قلد تجربة شعر اللبنانية بحذافيرها، حتى في اسم المجلة التي أضافوا لها 69، وأراد صناعة خصومة مع فاضل العزاوي شبيهة بخصومة آدونيس ويوسف الخال، وهو كناقد كان محترفاً، كتب أهم كتاب عن تجربة الشعراء اللبنانيين في مجلة شعر " أفق الحداثة وحداثة النمط"، بحث علمي دقيق وموثق على نحو لم يتمكن منه أي ناقد لا في العراق ولا في الوطن العربي ولكنه لم يتخل أيضاً عن أيديولوجيته العروبية في اتهامهم بأنهم معادون للعروبة والإسلام كونهم من بيئات ثقافية هامشية تسعى للنيل من المركز العربي المسلم، واتخذ من نفس الذريعة في اتهام جماعة كركوك في كتابه الموجة الصاخبة، بأن أصول أكثرهم تركمانية وكردية، وجعل هذه المحددات هي الأساس في النظر لأي تجربة مجددة في الشعر العربي والثقافة العربية، وحتى في قراءته لشعر توفيق صايغ التي صدرت عن دار رياض الريس، فإن قال عن صايغ أنه صاحب مشروع شعري خاص به ومتميز من غيره، إلا أنه قال أيضاً أن الخطوط العامة لهذا المشروع كانت مرسومة في ذهنه ومبنية على أساس أيديولوجي وديني واضح ومحدد، وهو أن يكون شاعراً ً سورياً مسيحياً، وقد حدد مرجعيته الفكرية بهويتين ثقافيتين الأولى هي انتماؤه السياسي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، والثانية هي انتماؤه الديني.. أي مسيحي. لم يتخل سامي مهدي عن اتهام ان ظاهراً أو مبطناً لجميع التيارات الحداثية في الأدب العربي إما بعملها كخادم أو وسيط للغرب أو كقوى داخلية أقلوية دينية أو طائفية للنيل من الحضارة العربية.

  كتب بتأريخ :  السبت 03-09-2022     عدد القراء :  1395       عدد التعليقات : 0