الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
قانون الخدمة الالزامية ما بين الرفض والقبول

ليس مستغربا الرفض الشعبي الكبير لمشروع قانون الخدمة الالزامية والذي يمكن الاعتماد عليه كرأي عام سائد، فهذا الرفض لم يأتِ من فراغ، ذلك إن جذور القضية مرتبطة بكثير من جوانبها بتأريخية طبيعة الجيش منذ نشأته ودور الحكومات في تكوين عقائده وتسييره، فلو إستثنينا مجموعة الضباط الاحرارالتي أسقطت النظام الملكي ودورها الوطني، فإن توجه الجيش عموما كان لخدمة الانظمة حتى مع تبدل عقيدته بين فترة ما قبل عام 1963 وما بعدها، فالعقيدة الوطنية التي غلفت الاطار العام للقوات المسلحة لم تمنع الحكومات المتعاقبة من إستخدام الجيش في قمع أبناء الوطن والامثلة كثيرة بدءً بحروب العشائر وقمع إنتفاضة الاشوريين ومحاربة الثورة الكردية بمختلف مراحلها وتنظيماتها السياسية القومية المتعددة، حتى إذا ما تغيرت عقيدة الجيش الى القومية لم تتغير وجهات الحكومات المتلاحقة في تكريس تكوينه كقوة قمعية داخلية. ولأجل تحقيق هذه الغاية سمحت السلطات بإستشراء الرشى والمحسوبية داخل المؤسسة إضافة الى الرواتب العالية، قياسا ببقية موظفي الدولة، فقط لإرضاء ضباط الجيش وكسب ودهم وبالتالي ضمان ولائهم للسلطة وليس للوطن، وفي كل هذا كانت إنسانية الجندي العراقي مستلبة وكرامته مهانة دوما بقيم وأعراف قمعية تسلطية ولا وجود لحدود توقف الانتهاكات بحق الرتب الادنى من قبل الاعلى. وضمن سياسة القمع وإذلال الشعب إستخدمت سلطات البعث المقبور عملية التجنيد الالزامي كأداة هامة في ذلك، من خلال طول فترة الخدمة وشمولها لفئات شبابية متعددة بما فيهم خريجو الجامعات والمعاهد، وربما كانت حالة الجندي المزرية تلك إحدى عوامل بعض الهزائم التي حصلت في الحرب مع إيران وكذلك الهزيمتين الفاضحتين في حربي عامي 1991 و2003 بمواجهة القوات الاميركية، حتى حصل الاحتلال وجاءت سلطاته لتقوم بحل المؤسسة العسكرية، ذلك القرار الذي أثبت خطأه منذ اليوم الاول، لكن إرتياحا باديا كان لإلغاء فكرة التجنيد الالزامي والتي بقيت سارية لما يقارب العقدين من الزمن. لكن ما يجلب الانتباه هو إن نفس القوى المحاصصية التي رضيت بحل الجيش وإلغاء التجنيد الالزامي تعود اليوم لطرح مشروع قانون إعادة الخدمة الالزامية، فلماذا؟

   يبدو إن الامر غير مرتبط بفكرة حب الوطن وتكريس ذلك عن طريق الخدمة الالزامية، بل إنه جاء بعد تعمق الازمة البنيوية في المجتمع العراقي وإتساع الفجوة بين السلطات الحاكمة والشعب بهمومه وإحتياجاتيه المتنامية يوما بعد يوم ، وفي مقدمة تلك الهموم إزدياد البطالة بين عموم الشباب، لذلك فإن تفكير السلطات إتجه نحو إمتصاص ولو مؤقت للبطالة عن طريق التجنيد الالزامي، دون وضع حلول جذرية عن طريق تنشيط الاقتصاد الوطني وإنتشاله من الصيغية الريعية نحو إقتصاد فاعل ومؤثر، فهناك مصانع وأراضي زراعية معطلة وكفاءات وطنية تستطيع النهوض بالواقع المزري.

   إن الجيش العراقي الذي أُعيد بناؤه بعد 2003 لم يمتلك الى اليوم العقيدة الوطنية بل إنه قام على أساس الولاءات الطائفية ـ الاثنية أولا ومن ثم نحو ولاءات حزبية أومناطقية وصولا الى ولاءات شخصية لأفراد مؤثرين في الواقع والحكم، إن جيشا كهذا غير مؤهل لإستيعاب الاف من الشباب على إنهم عراقيون، بل ستجري نفس التقسيمات على الجنود المكلفين وهذا أسوأ ما في الامر. فلو أرادت السلطات إعادة الخدمية الالزامية عليها أولا ضمان لحمة المجتمع ككل وإشاعة الديمقراطية الصحيحة وثقافة حقوق الانسان داخل المجتمع عموما وداخل المؤسسة العسكرية بشكل خاص وذلك عن طريق وضع قوانين تحد من السلطات المطلقة لقادة الجيش وضباطه وتضمن إحتراما عاليا للمواطن العراقي ـ الجندي المكلف ـ مع توفر شروط الضبط العسكري بطرق قانونية ليست تعسفية، وقبل هذا وذاك تنقية الجيش من العناصر الفاسدة وذوي الولاءات غير العراقية وإعادة بناء عقيدة وطنية تضمن تماسك القوات المسلحة وفق أسس صحيحة غير قابلة للتجزأة.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 08-11-2022     عدد القراء :  1419       عدد التعليقات : 0