الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل يستطيع الشعب العراقي انتزاع حقوقه من المتسلطين؟

الاستجابة لمعالجة مثل هذا السؤال تتطلب الأخذ في الاعتبار السياق الذي يحدث فيه النضال في أي بلد من أجل انتزاع الحقوق. مع جدية البحث عن الاستراتيجيات والخطوات العامة، ليس النظرية فحسب، إنما العملية التي قد يتبعها الشعب، أي شعب، للحصول على حقوقه من الحكام المتسلطين. هنا تقع المسؤولية، بالأساس، على النخبة السياسية والقوى الوطنية النزيهة وأصحاب الفكر والقلم والصحافة.

لوضع حد لتجربة سياسية سيئة كلفت العراق والعراقيين الكثير من الماسي والأزمات على مدى عقدين من الزمن، هناك من بين تلك الاستراتيجيات الهامة: إعداد المواطنين أعدادا جماهيريا جيدا. التحري في قواعد المعلومات التي من شأنها أن تؤسس "نفسيا وموضوعيا" لعملية التوحد بين أفراد الشعب بشكل حاسم بحيث يتيح العمل معا في حركات اجتماعية أو أحزاب سياسية ومنظمات مجتمعية للضغط على الحكومة وتحقيق هدف التغيير السياسي. أيضا، ممارسة التوعية المجتمعية بطريقة فعالة بعيدا عن مظاهر ضيق الأفق الحزبي، إذ يجب على الشعب أن يكون على دراية بحقوقه ومطالبه وأهمية النضال من أجلها. خيار التثقيف بالقضايا الوطنية والاجتماعية العامة يمكن أن يعزز الوعي والشعور بالمسؤولية الجماعية. التهيئة التامة لاستخدام وسائل الإعلام والتكنولوجيا المتاحة لتوثيق الانتهاكات ونشر المعلومات والتواصل مع المجتمع الدولي لجذب الانتباه العام وممارسة الضغط على الحكام المستبدين للاستجابة لمطالب الشعب.

لكن السؤال: ما العمل، إذا ما مارست السلطة العنف المسلح بحق من يخرج للتظاهر والاحتجاج كما عهدنا ذلك في العراق خلال السنوات السابقة.؟

بالتأكيد أن الرد على العنف المسلح بالعنف المسلح غير مستحب وقد يؤدي إلى تصاعد العنف والفوضى على نطاق واسع. في الدولة المدنية الحوار والسلمية هما الوسيلتان الأكثر فعالية للتعبير عن المطالب والحقوق. لكن عند ممارسة العنف المسلح من قبل السلطة، باتجاه المتظاهرين الملتزمين بالسلمية. يمكن للمتظاهرين أن يستخدموا وسائل أخرى أكثر فعالية، مثل العصيان المدني والإضرابات وحملات المقاطعة وتوجيه الرأي العام الداخلي والعالمي للضغط على الحكومة لتحقيق مطالبهم. إلى ذلك، فإن حق الدفاع عن النفس هو حق أساسي ومشروع في حالة تعرض المتظاهرين للهجوم المسلح الذي يهدد حياتهم. بمعنى يمكن أن يستخدموا الدفاع الذاتي للحفاظ على سلامتهم الشخصية مع الالتزام بالقوانين والقواعد المحلية والدولية المتعلقة بالحقوق العامة.

في هذا السياق، أن ممارسة الضغط على المنظمات الدولية، يعتبر إحدى أهم الاستراتيجيات: في سبعينيات القرن الماضي تعرض الشعب الشيلي لحملة إرهابية إثر انقلاب بينوشيه على حكومة "اليندا" الديمقراطية، لكن بسبب ضغط الشعب الشيلي على المنظمات الدولية استطاع الشيليون انتزاع حقوقهم. المؤسف، أن أصحاب الفكر والرأي والأحزاب والقوى ومنظمات المجتمع المدني العراقية المعارضة لطبيعة النظام الطائفي واستبداده، لم يخوضوا مثل هذه التجربة، بل لم يعيروا هذا الجانب أي اهتمام يثنى عليه. مع أن تصعيد الاحتجاج وممارسة الضغط على المنظمات الدولية قد يكون من أهم الوسائل التي بإمكانها وضع حد لتسط الأنظمة وإرهاب الدولة. تاريخيا، تكشف الوقائع والأحداث بأن الحملات الدولية والضغط السلمي لها تأثير قوي في تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان ودفع الحكومات للتغيير. مثال شيلي في سبعينيات القرن الماضي إبان حكم الديكتاتور العسكري أوغستو بينوشيه، قام الشيليون والمجتمع الدولي بحملة مستمرة للضغط على النظام القمعي. تضمنت هذه الحملة الاحتجاجات السلمية والحملات الإعلامية إلى جانب الضغط الدبلوماسي على المستوى الدولي. نتيجة لهذه الضغوط، تم إجراء استفتاء عام في شيلي في عام 1988 تحت إشراف الأمم المتحدة، أدى إلى رحيل بينوشيه وعودة الديمقراطية إلى البلاد.

نعم إن السياق والظروف يختلفان من بلد إلى آخر، وقد يكون النجاح في انتزاع الحقوق يعتمد على العوامل المحلية والعالمية المختلفة. وإن الوضع في العراق بشكل عام، سيما جيوديموغرافيا، مختلف عن تجربة شيلي نتيجة الظروف التاريخية والسياسية لكل بلد، وان التحديات التي يواجهها العراق معقدة، لا تسمح المقارنة المباشرة بين البلدين. لكن ما يشهده المجتمع العراقي اليوم أخطر بكثير مما حصل في شيلي في عهد بينوشيه. العراق مليء بالصراعات والتدخلات الخارجية التي ساعدت على تعميق الصراعات الداخلية والتمزق الطائفي والعرقي. كما أن تعرضه لغزو أجنبي أدى بالاضافة لإنهيار الدولة وإحداث فراغ سلطة، إلى تحديات كبيرة منعته من تأسيس حكم ديمقراطي قادر على إعادة الإعمار بعد سنوات من الحروب والاضطرابات. بيد أنه لازال فريسة فساد سياسي واقتصادي واداري وتوترات طائفية وعرقية، أيضا، تهديدات إرهابية من التنظيمات المتطرفة.

إذن، يجب على العراقيين إذا ما أرادوا تحقيق التغيير السياسي والإصلاح ومكافحة الفساد الذي أنهك الدولة والمجتمع، أيضا التغلب على التحديات القائمة لتأمين قضايا العراقيين الحقوقية والإنسانية اللازمة وتوفير الأمن والاستقرار والازدهار حقا، بذل الكثير من الجهود لتحقيق الدعم الدولي من خلال الانفتاح على المنظمات الدولية والمجتمع الدولي.

وبما ان للحملات الدولية والضغط السلمي للمجتمع الدولي قواعد واضحة ومؤثرة، يجب ان تجد سندا واسع النطاق من الشعب المحلي لتعزيز دورها الهام في مجال الحقوق الإنسانية وفي الضغط على الحكومات. إن الوضع العراقي الحالي يتطلب تحليلا دقيقا للتطورات والتحديات التي يواجهها البلد. اذ لا يزال يواجه تحديات كبيرة في مرحلة ما بعد الغزو. وهذه التحديات تشمل: عنف واضطرابات واعتداءات إرهابية وصراعات مسلحة داخلية تؤدي إلى خسائر في الأرواح والدمار وتعطيل الاستقرار. توترات وانقسامات سياسية وطائفية تعيق عملية بناء الحكم الديمقراطي وتضعف الوحدة الوطنية. فساد سياسي ومالي يعد تحديا كبيرا، كما ويؤثر على التنمية الاقتصادية وتوزيع الثروة بشكل عادل. نقص حاد في الخدمات الأساسية، كمحاربة الفقر وتوفير العمل والسكن وتأمين الصحة والتعليم، إذ تؤدي جميعها الى اعاقة التنمية المجتمعية وتطور البلد واعماره.

أن استحداث استراتيجيات ناجعة للتغيير وازالة ما احدثه النظام الطائفي من تراكمات سياسية واقتصادية ومجتمعية خطيرة، تقع على عاتق التيارات الشعبية للحراك الجماهيري والأحزاب الوطنية العراقية. عليها ايضا، ان تتحمل المسؤولية لتفعيل دورها المركزي بكل الطرق ومنها توجيه رسائل قوية لجعل صوت الشعب مسموعا، بعيدا عن التنظير المثالي والنفاق السياسي، بل فهم الواقع المحلي والظروف السياسية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب العراقي منذ ستة عقود، لاجل احداث التغيير السياسي وإرساء مفهوم دولة المواطنة والقانون.

  كتب بتأريخ :  الخميس 13-07-2023     عدد القراء :  678       عدد التعليقات : 0