الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
تقييم الجهود الدولية لمكافحة التغيرات المناخية المتفاقمة (1 – 3)

لم تفلح لحد الآن الجهود الدولية المبذولة لمكافحة التغيرات المناخية، بالرغم من الجهود الدولية الكبيرة برعاية الأمم المتحدة.وللإنصاف هي جهود مثابرة ومتواصلة منذ نحو أربعة عقود، خاصة عقب إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة في عام 1988،

والتي تحولت الى مؤسسة دولية رائدة تعنى بتقييم تغير المناخ، وتقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي له، ولأسبابه، ولتأثيراته المحتملة، ولاستراتيجيات التصدي له، معتمدة على أكفأ العلماء والخبراء وأحدث المنجزات العلمية والتكنولوجية.

ومن أنشطتها البارزة أنها دأبت على إصدار كل 5 - 7 أعوام تقريراً هاماً مكرساً لتقييم الجهود، وما تحقق إيجاباً أو سلباً.، وما يتوجب القيام به. بشأن الحد من التغيرات المناخية وتداعياتها.

وقد أعدت ‎ لحد الآن 6 تقارير ضخمة، الأول في عام 1990 والثاني في 1995 والثالث في 2001 والرابع في 2007 والخامس في 2014. وقد تضمن كل واحد منها بيانات قوية، مُلِخصاً أحدث المعلومات والوقائع حول واقع تغير المناخ، مُقدماً أكثر الأدلة شمولية وموثوقية حول دور أنشطة الإنسان الجشعة، عاكساً إجماعاً لا لبس فيه من أن النشاط البشري الجشع هو سبب مهم في التغيرات المناخية وتداعياتها المؤثرة كارثياً على نصف البشرية.

ويُذكرُ بان تقارير IPCC الدورية هي حصيلة جهود ثلاث مجموعات عمل (WG) مختلفة، مركزة على علم تغير المناخ، آثاره والحلول المحتملة. يحتوي كل تقرير منها على آلاف الصفحات، ويمثل طيفاً كاملاً للمعرفة البشرية بشأن النظام المناخي، متضمناً بيانات لا غبار عليها بشأن واقع تغيراته.

يُعد التقارير المئات من العلماء والخبراء المتخصصين، من جميع أنحاء العالم، وهي ثمرة عملهم المشترك لجمع الأدلة ومراجعة كل ما له علاقة بمشكلة التغير المناخي، ومن ثم التوصل إلى توافق في الآراء، وفي تحديد الخلاصات والإستنتاجات الرئيسية لألاف الدراسات التي يتم نشرها خلال فترة التقرير.

بعد ثلاثة أشهر، من المقرر ان يدرس مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ" (COP28)، الذي سينعقد في دبي في الفترة 30/11 – 12/12/ 2023، التقرير التقويمي الجديد عن حالة تغير المناخ والجهود الدولية المبذولة لمكافحته والتخفيف من وطأة تداعياته وأبرز الحلول المطروحة.

ورقتنا هذه تسلط الضوء على التقرير وأبرز محتويات، ومضامينه، وأهميته، والمسائل الهامة التي تناولتها أبوابه، والخسائر والأضرار والعواقب، والتحديات والطموحات، والحل الآني المطروح- بالإستناد الى تقارير IPCC، ولجانها الثلاث، وما نشرته الأمم المتحدة من مواد على موقعها في باب العمل المناخي. ونختتم الورقة بتساؤلات اَنية وملحة مشروعة..

التقرير التقويمي الجديد

أصدرت IPCC في 20/3/2023 التقرير التقويمي السادس (AR6) بعد ان أقرته الهيئة في جلسات إجتماعها الـ 58 في سويسرا في 13-17 اَذار 2023.وهذا التقرير هو الأخير في سلسلة التقارير الهادفة إلى تقييم المعلومات العلمية والتقنية والاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالتغيرات المناخية العالمية وتداعياتها. وقد حمل عنوان: " الخيارات الفعالة موجودة وينبغي وضعها موضع التنفيذ الآن للتقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتكيف مع تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري".

محتوياته

التقرير التقويمي السادس مؤلف ضخم، ساهم في إعداده 234 عالمًا، بالإستناد الى أكثر من 14 ألف ورقة بحثية علمية. وبلغ مجموع صفحاته 10 اَلاف صفحة، ضامة مقدمـة و 6 أجزاء:

الأول- عنوانه: التغيرات المرصودة فـي المناخ وآثارها. يتضمن الملاحظات والآثار المرصودة للتغيرات المناخية، وإتساق التغيرات في الأنظمة الفيزيائية والأحيائية مع الاحترار، وبعض الجوانب المناخية التي لم يلاحظ الرصد تغيرها.

الثاني- عنوانه:أسباب التغيرات المناخية. ويتناول:انبعاثات غازات الدفيئة المعمرة، ومحركات تغير المناخ، وحساسية المناخ، والمرتدات، وغزو تغير المناخ.

الثالث- عنوانه: تغير المناخ وآثاره ذات المدى القصير والطويل وفقاً لسيناريوهات مختلفة. ويتناول: سيناريوهات الانبعاثات، وإسقاطات التغييرات المناخية، واَثارها في المستقبل، ومخاطر حدوث تغيرات مفاجئة أو لا رجعة فيها.

الرابع-عنوانه:الخيارات والاستجابات فـي مجالي التكيف والتخفيف وترابطها مع التنمية المستدامة على المستويين العالمي والإقليمي.ويتناول:الاستجابة لتغير المناخ، وخيارات التكيف والتخفيف، والعلاقة بين خيارات التكيف والتخفيف والتنمية المستدامة،والتعاون الدولي والإقليمي.

الخامس- عنوانه: المنظور طويل الأجل: الجوانب العلمية والاجتماعية - الاقتصادية ذات الصلة بالتكيف والتخفيف المتسقة مع أهداف وأحكام الاتفاقية الإطارية، والواقعة فـي سياق التنمية المستدامة. ويتناول: منظور إدارة المخاطر، ونقاط الضعف والآثار والمخاطر الرئيسية: منظورات طويلة الأجل، والتكيف والتخفيف، ومسارات الانبعاثات نحو التثبيت، وتدفقات التكنولوجيا والتنمية، وتكاليف التخفيف وأهداف التثبيت طويلة الأجل،والتكاليف والمنافع والآثار المناخية المتفاداة على المستويين العالمي والإقليمي، وقضايا البيئة والاستدامة الأعم.

السادس-عنوانه:الاستنتاجات المتينة وأوجه عدم اليقين الرئيسية. يتناول:التغيرات المرصودة فـي المناخ وآثارها وأسبابها، محركات وإسقاطات تغيرات المناخ المستقبلية وآثارها، والاستجابات لها.

أهميته

تأتي أهمية التقرير من المؤشرات الهامة التالية:

1. من المحاور التي تناولها، وهي بإختصار 3 محاور أساسية:

الأول: تناول الوضع الحالي وآخر الأرقام بشأن التغيرات المناخية وتأثيرها السلبي.

الثاني: تم تخصيصه للتوقعات وما يمكن أن يحدث مستقبلا في حال بقاء الوضع على ما هو عليه. والمحور الأخير: إستعرض الحلول وما يمكن للحكومات القيام به للتعافي من هذا الوضع المقلق.

2. من مكوناته، حيث يتكون من تقارير مجموعات العمل (WG) الثلاث لـIPCC، وتقرير تجميعي Synthesis Report. ومن بين تقارير مجموعات العمل، التي ضمها:

* التقرير الخاص بشأن ارتفاع درجة الحرارة.

* التقرير المختص بالعلوم الفيزيائية، وعنوانه " الأساس العلمي الفيزيائي لتغير المناخ".

* التقرير الخاص بالتغيرات المناخية واستخدامات الاراضي.

* التقرير الخاص بالمحيطات والغلاف الجليدي.

* التقرير الخاص بتخفيف آثار التغيرات المناخية.

* تقرير التأثيرات والتكيف وقابلية التأثر.

* تقرير التخفيف من آثار تغير المناخ

* التقرير التجميعي..

ويُذكرً ان الدورة 43 لـ IPCC، التي إنعقدت في نيروبي، بكينيا، في نيسان 2016، هي من حدد موضوعات التقاريرالخاصة بالتقرير التقويمي السادس ((AR6، ووضعت التسلسل لتواريخ صدورها الفعلي:

وإعتمد AR6 أيضاً على خلاصات وإستنتاجات التقرير التقمويمي الخامس (AR5) في عام 2014.

ولعل من أبرز التقارير التي ضمها AR6 هو تقرير مجموعة العمل الأولى (WGI)، الذي حمل عناون: "الأساس العلمي الفيزيائي لتغير المناخ"، والذي اأقرته الدورة الـ 54 لـ IPCC ونُشِرَ في 9 اَب 2021، والذي ركزت فيه على الإجماع التأسيسي لعلوم المناخ حول أسباب وتأثيرات انبعاثات غازات الدفيئة البشرية.

وقد تضمن أدلة جديدة عن علم المناخ مبنية على الأبحاث التي نُشرت في هذا المجال.وبالمقارنة مع التقييمات السابقة تضمن مزيد من التفاصيل حول الآثار الإقليمية للتغيرات المناخية، مع الحاجة إلى مزيد من البحث حول تغير المناخ في شرق ووسط أمريكا الشمالية.

3. من المسائل التي تناولتها أبواب AR6.

فقد تناولت الأبواب العلمية للتقرير بالوصف العلمي للمعرفة الأساسية لأزمة المناخ: ما وصلت إليه، وتفصيلات ما يتعلق بتأثيراتها، وطرق الحد منها، باحثة في أسباب تفاقمها، وتداعياتها، والتطورات المتوقعة لها مستقبلآ،وكيفية التصدي لعواقبها.

أما التقرير التجميعي، الذي حمل عنوان " العمل المناخي العاجل يمكن أن يؤمن مستقبلا صالحا للعيش للجميع" فقدم تقييماً علمياً رصيناً للمناخ،هو حصيلة 8 سنوات، اي منذ اتفاقية باريس 2015، معتمداً على النماذج التي توصل إليها العلماء في العلوم الفيزيائية لتغير المناخ، وفي آثار التغيرات المناخية، والتكيف معها، والتخفيف من اثارها.

4. من تخصيصه ملخصاً هاماً خاصاً لصانعي السياسات (SPM)،حمل عنوان:" العمل المناخي العاجل يمكن أن يؤمن مستقبلا صالحا للعيش للجميع"،جرت الموافقة عليه سطراً سطراً من قبل ممثلو الدول خلال الأيام الخمسة التي سبقت 6 اًب 2021.وهو يقدم فهماً للموقف الحالي للمناخ بما في ذلك كيفية تغيره، ودور التأثير البشرى في ذلك، وحالة المعرفة حول مستقبل المناخ المحتمل والمعلومات المناخية ذات الصلة بالمناطق والقطاعات، والحد من التغيرات المناخية الناجمة عن الأنشطة البشرية.

وقام معدو التقرير بتلخيص المعرفة والمعلومات والاستنتاجات بلغة سهلة الفهم لأصحاب القرارات، على النحو التالي:

* الظروف الراهنة والتوجهات.

* التطورات المتوقعة في المستقبل البعيد.

* رد الفعل المطلوب، والخطوات التي لا بدّ منها في المستقبل القريب.

5. من وصِفَ التقرير بحق بأنه مرجع رئيس لكافة المؤسسات المعنية بتغير المناخ، وفي مقدمتها أطراف الإتفاقية الإطارية، بإعتباره تقريراً تجميعياً لسلسلة من تقارير جولة التقييم الأخيرة، والتي بدأت في عام 2015.

ولا أدل على ذلك من ان التقرير حضي بموافقة 195 دولة من اطراف إتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (UNFCCC).

  كتب بتأريخ :  الإثنين 28-08-2023     عدد القراء :  1482       عدد التعليقات : 0