الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مجالس المحافظات ... بين الديمقراطية والفساد 2

  الحزب الشيوعي وإنتخابات مجالس المحافظات القادمة

   دأبت قيادة الحزب الشيوعي على المشاركة في الحياة السياسية الناشئة بعد 2003، إعتبارا من مساهمة سكرتيرها في مجلس الحكم ومرورا بمشاركة وزير واحد فقط في بعض الوزارات مع مناصب متناثرة هنا وهناك في بعض حلقات دوائر الدولة ... إلا إن إصرارها على المشاركة في كل إنتخابات حصلت سواءا للبرلمان أو لمجالس المحافظات يحمل الكثير من التساؤلات سيما تلك المشاركات التي دخلتها بتحالفات مرفوضة من قبل نسبة كبيرة من أعضاء الحزب .

   لقد كانت النتائج كارثية في كل إنتخابات يُزج الحزب بها، فما بين صفر مقعد الى أقصى عدد وهو مقعدين ومحافظات لا يحصل فيها على أي شيئ الى أخرى حصل فيها على مقعد واحد، وكانت أكبر حصيلة هي إنتخابات عام 2013 حيث حصل على خمسة مقاعد متناثرة في أربع محافظات بما فيها بغداد ، وكل تلك النتائج لا تليق بتراث الحزب ونضالاته. لكن الغريب في الامر في كل مرة وبعد إعلان النتائج، تخرج تقييمات قيادة الحزب لتلقي باللائمة على كل شيئ إلا نفسها هي وكأنها منزهة عن الخطأ أو التقصير، في حين يرى جمع من المراقبين المحايدين إن قيادة الحزب كانت الاكثر تراجعا في كل المنظومة الانتخابية، حيث إنها لم تمتلك نظرة علمية موضوعية لإدارة العملية الانتخابية، فلم تقم بتوزيع أصوات الناخبين بصورة صحيحة، فكل ما في الامر هناك مرشح أرأس من قيادة الحزب وعلى الجميع التصويت له لا غيره، كما إن حملات مرشحيها الانتخابية تقتصر على اللقاء بالمؤيدين وقلة منهم من ذهبوا بعيدا الى أخرين .. وقبل هذا وذاك ترفض قيادة الحزب مراجعة برنامج الحزب وسياستها وأيضا خطابيها الاعلامي والسياسي... فكل ذاك يشكل الارضية الاوسع والتي عليها ممكن بناء النجاح أو الفشل.

   كان الموقف الامثل للحزب هو مقاطعة الانتخابات البرلمانية، التي عُدت مبكرة عام 2021، بضغط من أعضائه وجماهيره والذين كانوا يمنون النفس بأن تكون المقاطعة بداية سياسة جديدة للحزب تنأى به عن لوثة أحزاب المحاصصة، ودخوله في معترك المعارضة المناهضة ليس فقط للعملية السياسية، وإنما لكل مخرجاتها... إلا إن كل تلك الاماني أجهضها السيد رائد فهمي في يوم الانتخابات نفسها، وبعد إغلاق صناديق الاقتراع وقبل إعلان أية نتائج، حينما كتب على صفحته في الفيسبوك مشيدا بدور مفوضية الانتخابات والقوى الامنية في سير الانتخابات والحد من محاولات وإمكانية التزوير!!! فلماذا قاطعتم إذاً؟ سؤال يفرض نفسه. لكني أعتقد إنه بتصريحه هذا أراد أن يجامل القوى النافذة ليقول لها إن المقاطعة لم تكن برغبته الشخصية أو بإرادة اللجنة التي يقودها، ليعود التذبذب بالمواقف وعدم الوضوح اللذان يعتبران أساسا كبيرا في عزوف الجماهير عن الالتفاف حول الحزب.! حتى أُعلن عن إنتخابات مجالس المحافظات القادمة المزمع إجراؤها قريبا، ليبادر السيد فهمي نفسه بالتأكيد على إشتراك الحزب فيها، وكالعادة بدأ الحديث عن إنشاء تحالف مدني واسع وكبير ووعود بإنهاء نظام المحاصصة والقضاء على الفساد و... و.... وكما صرح هو مؤخرا بأن جهدا كبيرا بذلوه للوصول الى هذا التحالف المسمى "تحالف قيم المدني"، إلا إن مراجعة لأسماء وعناوين القوى التي سعى الحزب وعمل جاهدا للتحالف معها، فإن بعضها تقترب من مفهوم دكاكين سياسية عائلية وبعض آخر هلامية الوجود!! ولو جمعناها كلها بتاريخها وما تمتلك من جماهيرية ومواقف فإنها لا تقترب مجتمعة من عُشر تراث الحزب ونضالاته وتضحياته على مدى وجوده المشرف، لكن كل كيان من هذه القوى المتحالفة تعامل مع الحزب - كما تسربت بعض المعلومات - على إنه الاقوى والافضل والاهم من الحزب الشيوعي!!! فلماذا؟ سؤال يبحث عن إجابة...

   ويبدو إن أخطاء التحالفات السابقة لم تستفد منها قيادة الحزب الحالية في إختيار المرشحين وأهليتهم ومكانتهم لوضع التسلسل الافضل في كل قائمة، فقد أُتيح لي الاطلاع على كيفية إختيار تسلسل المرشحين في إحدى المحافظات، فكانت النتيجة صادمة حقا، حيث إعتمدوا على القرعة في تحديد التسلسل ليقع مرشح الحزب الاول برقم (خمسة) !! ولا أدري كيف للقرعة أن تحدد أهلية وأفضلية المرشحين؟ فهل أنتم في لعبة يا سادة؟ أم إنه عمل سياسي يحتاج الى توظيف كفاءات علمية وطرق صحيحة وصولا الى نتائج أفضل. لكن يبدو لي إن قيادة الحزب تريد أن تقول عملنا ما علينا أو هذه هي قدرتنا وهذا هو الموجود !!!! ويا للبؤس إن صح ذلك.. فما هو إلا ملاحقة للفشل بإصرار عجيب، دون حساب ما يولده ذلك من نكوص وتراجع في نفسيات ومعنويات وإندفاعات رفاق الحزب وربما عزوفهم عن العمل لاحقا أو محاولات التهرب من المسؤولية، وكل هذا يؤدي الى تراجع أكبر على صعيد العمل الجماهيري وتغييب لروح التحدي والبسالة التي إتصف بها الشيوعيون على مدى تاريخهم، فالقيادة الحالية وما قبلها منذ 2003 والى الان قامت تدريجيا بعملية قطع بين تراث وتاريخ الحزب وتقاليد عمله الثورية مع واقعه الحالي ، للأسف الشديد، وكأن هذا هو ما مطلوب منها!

   ستخرج تقييمات قيادة الحزب بعد الانتخابات لتلقي باللوم على كل شيئ، إلا على نفسها، أو إنهم سيعتمدون رأيا قاله السكرتير السابق حميد مجيد موسى من إن نجاح الحزب في الانتخابات أو فشله لا يعتمد على عدد المقاعد التي يحصل عليها في البرلمان !!! مبتدعا إسلوبا متفردا في تقييم عمل كل منظمة وجهدها وغير ذلك من هوامش الكلام ..

   يبقى الحزب أمانة في أعناق مناضليه الحقيقيين وصيانته وديمومته وتطويره مهام يفترض أن ينهض بها كل حريص على نضالات الرفاق السابقين وتضحياتهم، وما زال في الوقت متسع لإجراء مراجعة شاملة لكل ما حدث وتصحيح العمل نحو حزب يتفرد بالنظرية العلمية كما عهدته الجماهير سابقا، وتتمنى أن تعهده الان أيضا.

  كتب بتأريخ :  الأحد 17-09-2023     عدد القراء :  735       عدد التعليقات : 0