الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
االصحة والتعافي والإغاثة في صميم..المفاوضات الأممية بشأن التغيرات المناخية

يشهد القرن الحادي والعشرون تغيرات مناخية عاصفة تتفاقم عاما بعد عام، مشكلة بآثارها الوخيمة أكبر تحد لصحة البشر ورفاهيتهم في أرجاء العالم، مؤثرة على جوانب شتى تمس حياتهم ومعيشتهم، تأثراً بظواهرها الجوية القصوى،والدمار الواسع الذي تخلفه، بما فيه للبنى التحتية،وبضمنهاالصحية، وإنتشار الأمراض والأوبئة، وشل قدرات القوى العاملة وما يترتب عن ذلك من تداعيات خطيرة.

في عام 2008،أصدرت الدورة 55 للجنة الإقليمية لإقليم شرق المتوسط قرارها [EM/RC/R.8] الذي حث الدول الأعضاء على:تنفيذ إطار عمل للقطاع الصحي لحماية الصحة من التغير المناخي،وإنشاء آلية تنسيق فعالة رفيعة المستوى لتعزيز القدرة المؤسسية لحماية الصحة من التغير المناخي، وتسهيل المشاركة الفعالة للقطاع الصحي في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وضمان دور قيادي لوزارة الصحة في اَليتها، وبناء قدرات الإنذار المبكر للأمراض التي تتأثر بالمناخ.

وفي عام 2009، أقرت (جمعية الصحة العالمية) خطة عمل جديدة للمنظمة بشأن التغير المناخي والصحة، متضمنة تعاون (مركز أنشطة الصحة البيئية) مع الدول الأعضاء لحماية الصحة من التغير المناخي عن طريق:وضع سياسات واستراتيجيات وتوصيات مسندة بالبينات، وتحديد مشاكل الصحة العامة الناجمة عن التغير المناخي، وتجنبها ومعالجتها، ونشر أدوات وإرشادات ومعلومات وحزم التدريب لدعم الوعي الوطني وحملات الدعوة بشأن ضعف الصحة والتكيف مع التغير المناخي،وبناء القدرات وتوفير التدريب لقطاع الصحة لتقييم ومتابعة مواطن ضعف الصحة الناجم عن التغير المناخي، وتقديم الدعم التقني لإعداد خطط التكيف الوطني ضمن خطط القطاع الصحي لحماية الصحة من التغير المناخي

وتشير إحصاءات وأرقامالمركز الأقليمي لصحة البيئة (CEHA) في تلك الفترة الى ان 19 – 25‌% من عبء المرض في إقليم الشرق الأوسط يرتبط بالعوامل البيئية.وقُدِرت التكلفة السنوية للأضرار التي تؤثر على الصحة ونوعية الحياة بسبب التدهور البيئي بنحو 1.8 إلى 3.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.أما اليوم فان التقارير الدولية تؤكد بأنها أكثر بكثير.

وأكد الأمين العام لـ(الأتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر) في كلمته أمام فعالية "الاستثمار في تعزيز الأنظمة الصحية من أجل التغطية الصحية الشاملة، من خلال مقاربة موجهة نحو الرعاية الصحية الأولية" في الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة،في 28/11/2022، إن التغطية الصحية الشاملة، التي تجسد حق جميع الناس في الحصول على خدمات صحية عالية الجودة وسهولة الوصول اليها بأسعار معقولة، تتماشى مع مهمة الاتحاد الدولي، الذي يضم 192 جمعية وطنية، وملايين الموظفين والمتطوعين، الذينيعملون لصالح الفئات الأكثر ضعفا، ولتخفيف المعاناة الإنسانية.

ونوه الى إجراء الأتحاد مشاورات مع المجتمعات المحلية ومجموعات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم لتحديد عوائق الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية وتقديم المساهمات لتقرير "حالة الالتزام بالتغطية الصحية الشاملة، داعياً وجوب أن نعطي الأولوية للاحتياجات الصحية للفئات الأكثر ضعفاً، لا سيما في حالات الكوارث، وأزمة المناخ، وحالات الطوارئ الصحية، والعنف.ويجب على الحكومات تطوير استراتيجيات صحة المجتمع من خلال تحسين التعاون بين خدمات الصحة العامة والمجتمعات ومنظمات المجتمع المدني.الى جانب إدراكما من صحة من دون الصحة النفسية، خاصة في الأزمات. وتعزيز النظام الصحي يعني دمج وتوفير موارد خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي لجميع من يحتاجون إليها.

ولعل أحدث ما يجسد مواكبة دولية للتطورات المتسارعة للتغيرات المناخية ولتأثيرها الشديد على صحة وحياة الإنسان في جميع أنحاء الكوكب،هوتخصيص (COP 28) في دبي يوماًخاصاً لـ "الصحة، والتعافي، والإغاثة، والسلام " ضمن برنامجه الحافل. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ مؤتمرات الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية تخصيص مثل هذا اليوم، مدللآ على إدراك مخاطر التغيرات المناخية، المهددة لجودة الهواء، والمياه، وللأمن الغذائي، ولأماكن العيش والسكن، المتجلية بموجات الحر الشديد، وشحة الأمطار، وندرة المياه، والجفاف، والتصحر، والحرائق الواسعة، والعواصف الغُبارية العاتية، والأعاصير المدمرة، والفيضانات الكاسحة، وغيرها، التي تحولت الى سبب رئيسي لنزوح المجتمعات الأكثر عرضة لتداعياتها، ولنشوء أوضاع مضطربة، وقيام نزاعات، تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر..

سيكون اليوم المذكور يوم الثالث من كانون الأول/ ديسمبر. ومن المقرر ان يتم خلاله تسليط الضوء بالأدلة والقرائن على التداعيات الصحية الوخيمة للتغيرات المناخية،واستكشاف مسارات جديدة، ضمن أجندة المؤتمر الأممي، لمهمات الإغاثة العاجلة للمتضررين، ولمتطلبات التعافي، وغيرها من مهمات دعم المجتمعات الأكثر تضرراً، وتعزيز مرونتها واستقرارها.

وسيتضمن برنامج اليوم،أيضاً،عقد مؤتمر لوزراء الصحة والبيئة والمناخ،من أرجاء العالم، يناقش أزمة المناخ وتداعياتها الصحية، ووضع الحلول والمعالجات لها،لتكون ضمن أجندة الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية.

لقد رحبت منظمة الصحة العالمية (WHO) بحرارة بقرار تخصيص يوم لدراسة أزمة المناخ وتداعياتها الصحية ضمن أعمال مؤتمر المناخ الأممي الثامن والعشرين في دبي، واصفة إياه بـ " القرار التاريخي، الذي سيوفر الاهتمام المطلوب لمعالجة هذا التهديد ذي الأهمية العالمية".

من جهته، كتب المدير العام لـ WHOالدكتورتيدروس أدهانوم غيبريسوس، مشيراً الى المحادثات البناءة التي أجراها مع د.سلطان أحمد الجابر، الرئيس المعين للمؤتمر،حول ضرورة إلتفات المؤتمر لمشاكل المناخ والصحة، والتحديات الخطيرة التي تواجه الصحة العامة في العالم نتيجةللتغيرات الحالية للمناخ ً.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد قرعت،عشية محادثات المناخ المحورية في COP27)) في شرم الشيخ 2022، جرس الإنذار، مُحذرةً بأن أزمة المناخ ما زالت تعرّض صحة الناس وأرزاقهم للخطر، ووجوب إدراج الصحة في صميم المفاوضات الدولية الحاسمة. وأكد الدكتور غيبريسوس: "إن تغير المناخ يصيب ملايين الناس بالأمراض، أو يعرّضهم بشكل أكبر للإصابة بها، في جميع أنحاء العالم، بينما تعصف الآثار المدمرة للظواهر المناخية المتطرفة بالمجتمعات الفقيرة والمهمشة". وأضاف: "لا بد أن يتفق القادة ومقررو السياسات في COP 27 على وضع الصحة في صميم المفاوضات". وقال:" لا يخفى، أن صحتنا تعتمد على صحة النُظم البيئية المحيطة بنا، وهذه النُظم باتت مهددة تحت وطأة التصحر والتغيرات في قطاع الزراعة والاستغلآل المفرط للأرض والتنمية العمرانية المتسارعة. كما أن التغلغل المتزايد في الموائل الحيوانية يفاقم من فرص انتقال الفيروسات الضارة من مستودعاتها الحيوانية إلى البشر. ومن المتوقع أن ينجم عن تغير المناخ، في الفترة بين عامي 2030 و2050، ما يقارب 250 ألف وفاة إضافية سنوياً بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري. وتُقدّر تكاليف الأضرار المباشرة على الصحة (أي دون احتساب التكاليف في القطاعات المحدِّدة للصحة مثل الزراعة والمياه والصرف الصحي) بمبلغ يتراوح بين 2-4 مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2030".

مع هذا، لم تُدرج ضمن مفاوضات COP 27.

ومواصلة لجهودها، أعلنت WHO في 22/6/2023 عن تعيين الدكتورة فانيسا كيري أولَ مبعوثة خاصة للمدير العام للمنظمة معنية بتغير المناخ والصحة، موضحة بأن الدكتورة كيري هي الرئيسة التنفيذية لمؤسسة "Seed Global Health"(منظمة غير ربحية، تركز على تعزيز النظم الصحية، وتحويلها من خلال الاستثمارات الطويلة الأجل، وتدريب القوى العاملة الصحية. وقد ساعدت،تحت قيادة كيري، في تدريب أكثر من 34 ألف طبيب وكادر تمريض وقابلة، في 7 بلدان، مما ساهم في تحسين الرعاية الصحية لأكثر من 73 مليون شخص).وهي خبيرة وطبيبة مرموقة في مجال الصحة العالمية..ستضطلع بدور محوري في الترويج على أوسع نطاق وأرفع المستويات، لمشاريع WHO بشأن المناخ والصحة، التي ترعى 32 مؤشراً من مؤشرات التنمية المستدامة، يتأثر 17 منها بتغير المناخ أو ببواعثه، ويؤثر 16 مؤشراً منها على صحة الأطفال تحديداً.وقال المدير العام للمنظمة: " سنستفيد من خبرتها الواسعة وتفانيها في مجال الصحة العامة، استفادة جمة، في التصدي للعواقب الصحية لتغير المناخ. وسنعمل معا من أجل مستقبل أكثر استدامة وقدرة على الصمود لفائدة الجميع".

ولاشك، سيكون لها دورها في أعمال يوم الصحة والتعافي والإغاثة والسلام، الذي نتمنى له كل التوفيق والنجاح!

الى هذا،رحبت منظمة الصحة العالمية بالالتزام الذي وصفته بالتاريخي الذي أبداه قادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة،في 20 أيلول الجاري،باعتمادهمإعلانا سياسيا بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 25-09-2023     عدد القراء :  1077       عدد التعليقات : 0