الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الوفد العراقي وأجندته لمؤتمر المناخ الأممي في دبي

(1-3)

بعد بضعة أسابيع، وتحديداً في الفترة من 30/ 11 الى 12/12/2023، ينعقد في دبي المؤتمر الثامن والعشرون لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (COP28)،

والذي جرت له الإستعدادات من قبل الأطراف الحريصة على قدم وساق منذ عدة أشهر، ضمن الهدف الجماعي الطموح: تحقيق نتائج طموحة لإبقاء الاحترار العالمي بحدود 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، عبر تخفيض الأنبعاثات المسببة للإحتباس الحراري، وزيادة تمويل العمل المناخي للبلدان النامية، وتنامي الاستثمارات على وجه السرعة في التكيف مع المناخ المتغير والتخفيف من وطأة تغيراته، مع استمرار تزايد الاحتياجات وسط أزمة المناخ المتفاقمة.

وخصص المؤتمر ضمن برنامجه الحافل أياماً لمناقشة ومعالجة أزمة المناخ وتداعياتها الصحية، ضمن الاهتمام الدولي المطلوب لمعالجة هذا التهديد ذي الأهمية العالمية. ويوم اَخر للشباب، والأطفال، والتعليم، والمهارات. ويوم اثالث ستناقش خلاله المساواة بين الجنسين ضمن قضايا أخرى.

وتؤكد التقارير أن الإستعدادات لـ"كوب 28" في دبي أصبحت جاهزة من قبل غالبية الأطراف،وقد إستعد كل طرف من الأطراف المعنية بإعلان موقفه من المشكلات الساخنة المطروحة على المؤتمر الأممي، والمساهمة في إيجاد الحلول والمعالجات المطلوبة لها.

وتنتظر الدول النامية، والفقيرة بخاصة،على أحر من الجمر، إعادة عرض مشكلاتها الساخنة، بما فيها خسائرها وأضرارها الناجمة عن تفاقم التغيرات المناخية غير المسؤولة عن الغالبية العظمى من أسبابها، موثقة إياها بدراسات ومصادر علمية، ساعية لتحقيق طموحاتها بالحصول على دعم ومساعدات عاجلة وفاعلة للتخفيف من أعبائها.

بذات الوقت،ستنقل وفود أطراف عديدة تجاربها الناجحة في مجالات المشكلات الساخنة المطروحة على مؤتمر دبي الأممي، الى جانب زج النساء والشبيبة في المشاركة الطوعية الجدية والفاعلة في حماية البيئة ومواردها الطبيعية، وفي مكافحة التغيرات المناخية وتداعياتها، تاركة للدول المعنية خيار الإستفادة منها، مع إعادة التذكير بان النجاح في هذه المجالات الحيوية لن يتحقق بدون توفير الأسس والمحفزات والضمانات الثابتة للشرائح الإجتماعية المذكورة، وفي مقدمتها متطلبات الحياة الحرة الكريمة، الآمنة والمستقرة، المفعمة بالصحة والبيئة السليمة، وبالرفاهية والسعادة.وسيكون من حق هذه الأطراف ان تتفاخر وتتباهي أمام وفود العالم بمنجزاتها الحقيقية والملموسة والمتنامية لصالح صحة وحياة ونمو ورفاهية الأمومة والطفولة والشبيبة، من الجنسين، المبنية على واقع قائم ومعاش، ثابت ومستدام، لا مبالغة أو تزوير فيه..

فما هو موقف الحكومة العراقية من القضايا الهامة المطروحة على المؤتمر الأممي؟

وما الذي أعدته للوفد العراقي الذي سيشارك فيه

بالرجوع للتصريحات الرسمية، فأن "العراق إستعد مبكراً لمؤتمر دبي"، لكن من يدقق يجد في الواقع يؤكد أنه متأخر جداً، اخذين بنظر الإعتبار ان الأطراف الأخرى أصبحت مستعدة منذ نحو 9 أشهر، وأقلها 6 أشهر، وأعلنت عن أجندتها وبرامج وفودها المحددة، بعد ان تمت دراستها وإقرارها من قبل المختصين المعنيين في بلدانها..

المعلومات الرسمية المنشورة تؤكد ان (اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية) قد "عقدت أول إجتماع لها في 13/7/2023، برئأسة وزير البيئة المهندس نزار ئاميدي، وبحضور وكلاء الوزارات المعنية واعضاء اللجنة كافة، لمناقشة تحضيرات العراق لمؤتمر دبي واعداد الوفد التفاوضي الوطني له".تلكم كانت " اهم المحاور التي تم مناقشتها بالتزامن مع تنفيذ توجيهات رئيس مجلس الوزراء بضرورة تعزيز العمل المناخي واتخاذ اجراءات فاعلة من قبل القطاعات الحكومية وغير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني كافة "

وعقدت اللجنة إجتماعها الثاني يوم 26/7/2023 برئاسة وزير البيئة، وبحضور وكلاء الوزارات المعنية، وممثلي برنامج الأمم المتحدة الانمائي (UNDP).وحضر الأجتماع أيضاً رئيس لجنة الصحة والبيئة البرلمانية الدكتور ماجد شنكالي، وسفير جمهورية العراق في الامارات، وممثل عن هيئة حماية وتحسين البيئة في اقليم كوردستان – العراق عبر دائرة تلفزيونية الكترونية.

وناقش الأجتماع مرة أخرى، نصاً: " اهم التطورات بشأن التحضيرات للمؤتمر، وتشكيلة الوفد الوطني التفاوضي له، بالإضافة الى الاستماع الى العرض المقدم من قبل (برنامج الأمم المتحدة الأنمائي) لخطة العمل الموضوعة مع وزارة البيئة للتهيئة للمؤتمر".

ولعل أبرز ما جاء في التقرير الذي نشر عن الإجتماع هو مداخلة الدكتور أمجد شنكالي الذي نبه فيها بكل صراحة وموضوعية الى وجود إخفاقات للوفود العراقية في المؤتمرات السابقة، ودعا الى تجاوزها، والحاجة الماسة لفريق وطني للتفاوض، يمتلك مهارات تفاوضية عالية ويجيد اللغة الأنجليزية جيداً.

في ضوء الإجتماعين المذكورين لمسنا إرباك وتخبط في التحضيرات وضبابية مقصودة في عدم الإفصاح عن التفاصيل، وكأنها " أسرار دولة "!!. فقد نُشِرَ بأن: " تحضيرات هذا العام جاءت من خلال إعمام مكتب رئيس الوزراء بضرورة أن تكون هناك استعدادات بما يليق بالعراق كونه أصبح من أكثر الدول تأثراً بالتغيرات المناخية"- كما صرح مدير "مديرية التغييرات البيئية" في وزارة البيئة، يوسف مؤيد، في 9 اَب الماضي. لكنه لم يشر الى تأريخ صدور الإعمام، الذي تؤكد توجيهاته على ضرورة الإستعدات المطلوبة لمشاركة العراق في مؤتمر دبي.

والمفارقة، هي إنشغال (اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية) في إجتماعين متتالين بتشكيلة الوفد، أكثر من إنشغالها بتحديد أجندة العراق، وبرنامج الوفد، والمهمات المطروحة عليه، ومتطلبات نجاحه بالمفاوضات التي سيجريها مع الأطراف..وهنا ينطبق المثل الشعبي:" جَلبَوا العلف قبل الحصان ". فليس من المعقول ان يجري إختيار أعضاء الوفد قبل تحدبد القضايا والمهمات التي ستناط بالوفد. وتحديد القضايا والمهمات يستلزم دراسة مستفيضة،وبعد إقرارها يتم إختيار أعضاء الوفد. ويشترط بإختيارهم ان يمتلك كل واحد منهم المؤهلات المطلوبة لينضم لفريق، لأن كل مهمة تستوجب ان ينفذها فريق، وليس فرداً.

وتواصل الإنشغال بالوفد، فبعد 6 أسابيع، وتحديداً في 13 أيلول الماضي،أعلن السيد مؤيد:" أن الحكومة تعمل على تطوير فريق تفاوضي أساسي في المؤتمر، مكون من 13 ـ 18 شخصاً، يمثلون وزارات البيئة والزراعة والمالية والتخطيط والنفط والكهرباء والصناعة والتربية والتعليم العالي والإسكان والإعمار، للتفاوض حول مواضيع الصافي الصفري للكربون، والتخفيف، والحوض الكربوني،وسوق الكربون الطوعي، والتكيف، والخسائر والأضرار، وتمويل المناخ، ونقل التكنولوجيا، وبناء القدرات، والشفافية "..

وهذه القضايا تستوجب، بلا شك، ان يمتلك كل عضو من أعضاء الوفد التفاوضي، التخصص والكفاءة والقدرة التفاوضية، الى جانب إجادة اللغة الأنجليزية إجادة تامة. وإلا، ستتكرر الأخفاقات السابقة للوفد.

فهل جري إعداد الوفد التفاوضي وفق المؤهلات المطلوبة، أم وفق مبدأ المحاصصة الطائفية والإثنية

ولعل الأهم،هل تم تنفيذ ما طالب به الدكتور شنكالي اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية بتلافي الإخفاقت، أم بقي حبراً على ورق

والمفارقة الثانية، هي ما أعلنه مدير عام دائرة التوعية والاعلام البيئي بوزارة البيئة، امير علي الحسون، في 11 اَب الماضي:" العراق سيشارك في المؤتمر بأكبر وأفضل وفد على مستوى الدول في مؤتمرات الأطراف التي أقيمت سابقاً ".ولم يوضح ما هي معايير "الأفضل"، التي تم تبنيها، وكيف " تم التأكد " من ان الوفد العراقي "سيكون الأفضل" والمؤتمر لم ينعقد بعد.. أليس التقييم (ناجح،أفضل، فاشل) يجري عادة بعد إنتهاء الفعالية!!

والسؤال الآخر: ما هي "المميزات" التي "برز فيها" الوفد العراقي في المؤتمرات السابقة ليكون وفده الى مؤتمر دبي "الأفضل"..أهي إمتلاكه للمهارات التفاوضية العالية، والتخصص، والكفاءة، والمقدرة، وإجادة اللغة الأنجليزية بمستوى "أفضل" من بقية وفود العالم!!

والسؤال الثالث: ما ضرورة " العدد الأكبر" للوفد العراقي وما مبرراته وما فائدة الإصرار عليه، وقد شارك العراق في المؤتمر السابع والعشرين في شرم الشيخ، في العام الماضي، بوفد يتألف من أكثر من 200 عضواً.. فما الذي قدمه ذلك الوفد الكبير جداً، وما الذي حققه للعراق، وما الذي ربحه العراق من مشاركته في المؤتمر السابق، حتى يتم إرسال "أكبر وفد" على مستوى الأطراف في دبي!!

  كتب بتأريخ :  الإثنين 23-10-2023     عدد القراء :  1056       عدد التعليقات : 0