الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
تحالف قيم... النشأة والهوية
بقلم : ضرغام علاوي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

منذ سنين طويلة مرت الحركة المدنية بعدة اطوار وحالات مختلفة منذ اسقاط النظام العراقي السابق على يد قوى الاحتلال الامريكي في عام 2003 وقد تراجع الدور المدني بعدما اجتاح الشارع قعقعة السلاح في الحرب الطائفية (2006 – 2009)

وما رافقها من ارتفاع للمد الاسلامي السياسي المسلح وقتها, مما جعل القوى المدنية تقود مواجهات كبيرة معهم للعودة بالمجتمع العراقي للمزاج المدني, وكان ذلك من خلال قيادة حملات توعوية وورش ثقافية وندوات كثيرة جدا حتى كانت الذروة في المظاهرات الممتدة من عام 2011 ولغاية 2015 حيث كان لظهور داعش الارهابي واحتلاله مساحات كبيرة من الاراضي العراقية دورا في تراجع تلك الحملات المدنية وعادت من جديد الاحزاب الدينية والتي تحمل السلاح بقوة اكبر ونفوذ اوسع وزخم اقوى.

لم يتوقف النضال المدني وعاد يظهر قويا جليا بعد عام 2018 رغم كل المحددات التي كانت تفرض عليه مع كل امكانيات احزاب الفساد والسلاح لكن الايمان بمدنية العراق كان عاملا قاطعا في دعم الخط المدني خصوصا ان تلك الاحزاب صارت تتبجح بانتماءاتها الخارجية وولاءاتها. وبقي الصراع محتدما حتى انفجار الشعب في انتفاضة تشرين المباركة التي اعادت الامور لنصابها واعلنت بالواضح والملموس أن العراق مدني ولا يمكن ان يحمل الصبغة الدينية رغم كل المليارات من الدولارات التي صرفت بهذا الشأن وخلال عشرون عاما من قبل دول الجوار لكن اللافت أن انتفاضة تشرين كانت ملهمة لشعب احدى تلك الدول بالخروج على نظامها الديني والمطالبة بالاصلاح وعودة بلادهم للخط المدني.

كانت تشرين انعطافة مهمة في التاريخ العراقي المعاصر ونصر كبير للخط المدني رغم كل محاولات البعض في الدخول والادعاء بالانتماء لتشرين والسيطرة عليها وصبغها بصبغة دينية لكن المدنية كانت اقوى لانها متجذرة في العمق الاجتماعي العراقي مما اضطرهم للانقلاب عليها والدخول في التحالف الديني لشيطنة وقمع تشرين.

انا أؤكد دائما أن انتفاضة تشرين ادت اهدافها العظيمة فقد قضت مضاجع الفساد الذي أيقن أنه بما يمتلك من ادوات السلاح والمال والاعلام والنفوذ سيكون عاجزا امام الارادة الشعبية العارمة ومن ناحية اخرى هيأت الارضية لدور اكبر ومسؤولية اهم, حيث حان لنا كأحزاب وحركات مدنية أن نوسع صراعنا من الاحتجاجات والمظاهرات لفتح جبهة جديدة هي الجبهة التشريعية والتي سيكون النصر حليفا لنا مثل كل مرة وخصوصا أننا نجحنا في محاصرة تلك الاحزاب في جمهور ضيق منتفع من تلك الطبقة وفسادها بينما رفض المواطن العراقي بعمومه وبمختلف توجهاته كل اساليب المحاصصة المقيتة ولم يعد الخطاب الطائفي ذا اثر في النفس العراقية بل أن تلك الاحزاب نفسها صارت تتوالد وتفرخ واجهات تدعي المدنية كمنهاج عمل سياسي وهذا بحد ذاته اذعان منهم لمزاج المجتمعي العراقي المتوافق مع الفكر المدني.

وبالفعل ولد تحالف (قوى التغيير الديمقراطية)وهو تحالف فكري سياسي وطني يحمل مشروعا مدنيا لإدارة الدولة العراقية يضم مجموعة من قوى التي وحدها حمل هم الوطن والعبور به لبر الامان بعدما عبث به العابثون وافسد فيه الفاسدون, وقد خلق نوعا من التوافق الفريد بين قوى تعدد توجهها السياسي بدءا من الاحزاب اليسارية مثل الحزب الشيوعي والتيار الاجتماعي والتيار الديمقراطي واحزاب تشرينية مثل حركة نازل اخذ حقي الديمقراطية والبيت الوطني واحزاب وطنية مثل الحركة المدنية وحركة المثقف العراقي وحزب ريادة والتجمع الجمهوري. وقد انبثق تحالف (قيم) الذي هو الذراع الانتخابي لقوى التغيير الديموقراطي والذي ضم بدوره مجموعة المستقلون وكتلة وطن النيابية التي تتكون من سبع نواب شباب ومستقلون وحزب تنوير.

وقد كتب قادة تحالف قيم منهاجا سياسيا ضم تلاقحا بين الافكار المدنية والديمقراطية ومتبنيات تشرين العظيمة في اطار اهداف وطنية جعلته الناطق الرسمي باسم المدنية الحقيقية التي حافظت على ثباتها ومبدئيتها خلال الاعوام السابقة بعيدا عن تلك الاحزاب المدنية التي تجاورت مع السلطة أو تلك التي صارت تبحث عن رعاية ابوية كما رح البعض أو افراخ احزاب السلطة وواجهاتها المدنية وأنا مؤمن أن الجمهور المدني من الفهم الكافي والوعي العالي للتميز بين الغث والسمين والمدني الحقيقي ومن يرتدي المدنية كثياب يتنكر فيها بعدما رفض المجتمع توجهاتهم الطائفية والاثنية والعرقية.

وقد تبنت قوى السلطة استرتيجية تتلخص بخطين رئيسيين

اولا - اقدمت على خلق شخصيات شبابية معروفة بانتمائها لتلك الاحزاب ومن الخط الثالث وسوقتها على أنها شخصيات احتجاجية تشرينية ومن ثم صارت تنفق أمولا هائلة والغاية من ذلك فضحها فيما بعد بحجة أنهيار مبادئ رجالات تشرين وشخوصها وقبولهم بالرشى ودخولهم منظومة الفساد كعامل احباط لجمهور تشرين اولا وكتسقيط لهذه التجربة العظيمة ثانيا

ثانيا - ايجاد تحالفات واصطفافات تدعي المدنية غايتها تمزيق الصف المدني من جهة والاستحواذ على جزء من اصوات الجمهور المدني وتحويلها لمقاعد تتجاور وتتخادم مع اربابهم ومسخريهم ودافعي اموال حملاتهم الانتخابية وهذه حقيقة سيثبتها الزمن قريبا فالانتخابات ومخرجاتها ليست بالبعيدة.

وكجزء من الاستراتيجية الاعلامية (التسقيطية) راحت كثير من الاصوات المحسوبة للأسف كخط مدني وبنية السوء تختزل تحالف (قيم) بتشرين العظيمة ومتبنياتها بعيدا عن عمقه الفلسفي والفكري والثقافي والسياسي وبالتالي تحميله وزر كل الاخفاقات التي وقعت بها احزاب وحركات تشرينية معروفة لم تتقن ممارسة العمل السياسي لقلة الخبرة أو بسبب الحماس والاندفاع الغير مدروس

بالتالي صار لزاما علينا توضيح امر مهم جدا وجوهري للجمهور العراقي الوطني أن انتفاضة تشرين العظيمة هي نتاج عمل مدني كبير ومعركة وجود حاسمة تمكنا من خلالها هزم القوى الظلامية وتثبيت هوية المجتمع العراقي المدنية وقد كانت معركة سطر فيها الخط المدني الوطني اروع الملاحم في التضحية والفداء والثبات وتحولت ساحة التحرير لمدينة فاضلة بكل المقايس الاجتماعية, وكانت منعطفا هاما في التأريخ السياسي العراقي وتحولا هاما في الصراع بين قوى الدولة وقوى اللادولة حيث ظهر الخير كله وظهر الشر كله وهنا كان علينا أن لا ننسى دور المرجعية الرشيدة في دعم الانتفاضة ومنحها الشرعية الانسانية والوطنية حيث كان الخطاب يذكر مفردة (شبابنا) كما ووصف ضحايا تشرين بـ(الشهداء) بعدما كانت الاحزاب الدينية تدعي ذلك الحق.

حقا كانت ملحمة انتهت بنصر عظيم وبالتالي كان يجب استثمار ذلك النصر بفتح جبهة جديدة يناضل بها الخط المدني الحقيقي ليهزم من يريدون تقسيم المجتمع العراقي واذابته في بوتقة المكونات والعرقيات والاثنيات ليستمروا في عملية نهب ثرواته ومقدراته, وستعتمد المعركة التالية تعزيز مبدأ المواطنة وتعزيز سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة واستعادة سيادة البلاد التي صارت في اسوء حالاتها منذ نشوء الدولة العراقية ومحاربة الفساد الذي كان نتاج عملية المحاصصة المقيتة ومنح المواطن العراقي استحقاقه في العيش الكريم من موارد وخدمات في كافة المجالات.

ولتحقيق كل ما سبق لابد لنا من خلق ادوات المواجهة في هذه المعركة الكبيرة والمهمة وتتلخص في الحصول على موطئ قدم في الجهد الرقابي سواء كان عبر مجالس المحافظات أو من خلال مجلس النواب كي يكون لنا الحق في محاسبة التقصير الحاصل من خلال ما منحه الدستور والقوانين من صلاحيات لعضو البرلمان وعضو مجالس المحافظات واداء دورهم الرقابي التشريعي دون النزول للشارع وممارسة حيل الاحزاب الانتخابية في الايحاء انهم من بلط هذا الشارع أو اصلح المحولة تلك.

ستكون حربا طويلة نتعرض فيه لصعوبات جمة فهم يمتلكون المال الحرام والدولة العميقة وأغلب وسائل الاعلام مملوكة لهم والسلاح المنفلت وربما ستحصل كبوات وسقطات لكن الاصرار والعزيمة على التغيير والايمان بالشعب العراقي العظيم وحب العراق واستحضار تاريخه المجيد خير دافع وخير معين وإنا بالنصر إن شاء الله لموقنون.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 07-11-2023     عدد القراء :  795       عدد التعليقات : 0