الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
النساء والانتخابات في العراق: مشاركة خجولة، لولا الكوتا
بقلم : بشائر موسى
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

تقول الصحفية والسياسية والدبلوماسية الامريكية(كلير بوث لوس) "في السياسة تقوم النساء بكتابة الرسائل ولعق الطوابع وتوزيع الكتيبات ثم يخرجن للتصويت ليتم انتخاب الرجال!"، وكان يمكن أن ينطبق هذا التوصيف على مشاركة النساء العراقيات في الإنتخابات لولا إقرار الدستور العراقي (الكوتا النسوية) بنسبة 25% في قوائم الترشيح للانتخابات.

ومع إعلان الحكومة العراقية الموعد المحدد لإجراء انتخابات مجالس المحافظات والمزمع عقدها منتصف كانون الاول القادم، وإعلان مفوضية الانتخابات موعد انطلاق الحملة الدعائية للمرشحين والأحزاب والتحالفات الخاصة بانتخابات مجالس المحافظات. يراودنا سؤال مهم لطالما تم طرحه في كل عملية انتخابية والذي يدور حول مدى إمكانية أو ضمان مشاركة فعالة وواسعة للمرأة العراقية في الانتخابات سواء كانت مصوتة أو مرشحة.

النساء وحسب الاحصائيات هن النسبة الاكبر بين الناخبين، لكن وفي كل عملية انتخابية هن الاقل مشاركة بين الرجال سواء اكانت مصوتة أو مرشحة وكيل كيان سياسي، وحتى مراقب اعلامي، كذلك هن الأكثر عرضة للتسقيط في كل انتخابات من خلال استهدافهن في مواقع التواصل الاجتماعي والتعرض لصورهن اللاتي يستخدمنها في الحملات الانتخابية الخاصة بهن سواء كانت المعلقة في الطرقات او التي يتم نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي. وايضا من خلال تعرضهن لحملات تنمر قاسية لا بل في بعض الحالات يكون الاستهداف لهن لا اخلاقي من خلال التحرش بصورهن المنشورة في الحملة الانتخابية وبالخصوص النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب.

مشاركة المرأة العراقية بحقوقها المتمثلة بالمشاركة السياسية بشكل فعلي بعد عام 2003, كان بقرار سياسي خارجي، وليس رغبة من القوى السياسية التي تصدرت المشهد السياسي بعد تغيير النظام السياسي في العراق، فهذه القوى التي كانت تعمل بعنوان معارضة لنظام حكم صدام، لم تقدم مرشحة واحدة لعضوية مجلس الحكم، وهو الذي دفع سلطة الائتلاف إلى اختيار نساء ليس من ضمن دائرة أحزاب المعارضة. ومن هنا، تمثلت اول مشاركة للمرأة في مجلس الحكم وتصدرت هذه التجربة ثلاثة نساء هن(عقيلة الهاشمي التي تم اغتيالها واختيار سلامة الخفاجي بديلا عنها, رجاء حبيب الخزاعي, صنكول جابوك)، بيد أن رئاسة مجلس الحكم لم تسلم لأي أمرأه من هؤلاء النسوة وبقت حصراً على الرجال!

وفي اول انتخابات جرت في العراق ووفق امر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 96(قانون الانتخابات رقم 2004) الذي اشترط ان تكون نسبة تمثيل النساء لا تقل عن 25% وهذا الحد الادنى أي ربع عدد اعضاء مجلس النواب وقتها حصلت النساء على 87 مقعد من اصل 275 ما نسبته 31,6%. وهذا ما يعني ان نسبة الكوتا التي حددها القانون هي الحد الادنى أي انه يمكن ان تتجاوز نسبة النساء ال25% لتصل حتى الى النصف من عدد اعضاء مجلس النواب.

تدرجت نسبة مشاركة النساء وتمثيلها في مجلس النواب في الانتخابات التي تلتها لتتذبذب بين صعود ونزول وحسب الظروف المرافقة لكل انتخابات الا انها في انتخابات 2021 كانت الافضل اذ حصدت النساء 97 مقعدا بفارق 14 مقعد عن الحصة المخصصة " الكوتا" اذ اظهرت النتائج فوز 57 امرأة بقوتهن التصويتية فيما حصدت البعض منهن اصوات اكثر بكثير من الرجال.

رغم كل الاختلافات في الكيفية التي سيكون عليها دور المرأة العراقية مستقبلا فان البعض يرى انها حققت تقدما كبيرا خلال الانتخابات الماضية, حيث يرى البعض ان النساء العراقيات اثبتن انهن اذا ما اتيحت لهن الفرصة لدخول السياسة فأنهن يتفوقن على الرجال مستندين بذلك الى النتائج التي حققتها المرأة في انتخابات 2021وهذه تعد سابقة الاولى من نوعها منذ اول انتخابات في 2005, وهذه النتيجة حسب رايهم تعطي دليل على ان الشارع العراقي ليس متعصبا ضد النساء.

الا اننا نرى ان السبب هذا التفوق للنساء هو قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2020 خاصة وانه قسم البلاد الى 83 دائرة من خلال اعتماده نظام الدوائر المتعددة مع اشتراطه ان يكون في كل دائرة انتخابية امرأة واحدة على الاقل, وهذا ما نتج عنه زيادة فرص النساء بالفوز بالمقاعد لنيابية الامر الذي استثمرته الاحزاب في ترشيح النساء "المؤثرات " في الدوائر لتي يمتلكون نفوذا فيها.

فلو كان هناك دعم للمرأة فعلا لشاهدنا انعكاس ذلك على تشكيل الحكومة وعلى المناصب العليا فيها اذ كان من المفترض ان تأخذ المرأة المكانة التي تستحق في السياسة وفي جميع عمليات صنع القرار.

الانتخابات حق في حين قد يعتبرها البعض واجب يغرم الناخب في حالة عدم ممارسته هذا الواجب كما في استراليا, وفي كلتا الحالتين فان المرأة لم تأخذ دورها الحقيقي في الانتخابات وتغيير ما يمكنها تغييره.

ففي العراق خصوصا من يسير امور البلاد هم الخاسرين في الانتخابات لانهم هم من يشكلون الحكومات ويشرفون عليها, وبالتالي ليس هناك احتمال لان تتصدر المرأة المشهد السياسي او حتى تكون صاحبة قرار فيه.

رغم ان النساء هن النسبة الاكبر في العراق, فلو شاركت النساء اللاتي يحق لهن التصويت جميعا في الانتخابات وصوتن لمن تقع عليه قناعتهن لاستطعن تغيير العملية السياسية برمتها, الا انه وللأسف فان مشاركة المرأة في الانتخابات تكون منخفضة مقارنة بالرجل سواء كانت مصوتة او مرشحة قد لا تصل في اقصى الحالات الى 25)%, بصورة عامة فان في كل عملية انتخابية جرت من 2003 حتى اخر انتخابات لم يتجاوز عدد المشاركين النصف بل الكثير من المرات كانت النسبة اقل من ذلك بكثير.

العوائق التي تحول دون ضمان بيئة آمنة لمشاركة المرأة كثيرة لعل ابرزها التحديات الامنية والادوار الثقافية والتقليدية للجنسين في المناطق الريفية والتي ترى ان دور المرأة يقتصر على المنزل وتريبة الاولاد مضافا لها خدمة الزوج, ايضا من بين تلك العوائق ظاهرة العنف ضد المرشحات والتي بانت بوادرها في الانتخابات القادمة من خلال انسحاب احدى المرشحات بسبب تهديدها باستهداف عائلتها, ايضا محدودية التدريب كذلك عدم كفاية دعم الاحزاب السياسية وقلة الموارد المالية.

يضاف لها الاختيار غير الصحيح للنساء من قبل احزابهن حيث يكون اختيار المرأة في هذه الاحزاب هو لأجل سد الشاغر فقط دون التركيز على اختيار الأكفأ وهذا ما ينعكس على دور المرة في البرلمان لأنها ستكون تابعة لا تمتلك أي قرار ولا حتى رأي وبالتالي فان وجود النساء في البرامان وعلى مدى دورات متعددة هو كمي فقط حتى ان العشرات منهن لا نعلم بوجودهن اساسا في البرلمان.

الحلول لمشكلة تمثيل النساء قد تكون صعبة بالنسبة للعراق لكنها ليست مستحيلة, لعل اهمها ان تعتمد الاحزاب الية معينة لاختيار المرشحات تقتضي اختيار النماذج التي تستحق ان تمثل هذه الشريحة المهمة في البرلمان والابتعاد عن اختيار النساء لسد الشواغر وملئ المقاعد فقط, ايضا ضرورة اصدر تشريعات للتصدي للعنف ضد المرأة, الزام الجهات المعنية بتوفير الدعم المالي والدورات المطلوبة لتمكين النساء وتخصيص برامج تدريب مصممة للمرشحات حصرا, ايضا توفير الامن للمرشحات في الواقع والمواقع من خلال فرض الرقابة المشددة على مواقع التواصل الاجتماعي والتصدي لكل حملة تشويه او تحريض ضد المرشحات.

  كتب بتأريخ :  الأحد 12-11-2023     عدد القراء :  4821       عدد التعليقات : 0