الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل المقاطعة كفيلة بإخراج العراق من نفق المحاصصة؟

تتفاعل وبشكل حاد ولافت قضية انتخابات مجالس المحافظات القادمة في شهر كانون الأول (ديسمبر)2023 بين الأوساط العراقية المعنية بها والتي تشكل هما يوميا لكل الفصائل الوطنية العراقية، "حاكمة" ومعارضة، على أمل أن الأجواء تكون ملائمة وعدم جنوح المارقين باستهداف الناخبين. ولا تزوير الانتخابات ولا توظيف مال السحت الحرام ولا توجيه سلاح الفصائل المارقة بوجه من لا يذعن لإرادتهم.

ولا أظن بأن عراقيا لا يرغب بإجراء الانتخابات، ما عدا أولئك المقاطعين رسميا وأهمهم اتباع التيار الصدري، الذي يبقى عزوفهم عن المشاركة لغزا محيرا، والناخبون موزعون بين من يريد التغيير الجذري، ومن يسعى للبقاء على سدة الحكم وبشتى الوسائل، بعد أن تبين للقاصي والداني، بأن ساكني الخضراء مستعدون لنحر من لا يريد لهم البقاء في السلطة بعد أن حولوا العراق الى ضيعة وملك عضوض، بل وأباحوا لأعداء العراق أن يلعبوا كيف يشاؤون في الساحة العراقية طولا وعرضا.

إن من يقول بعد ما (ننطيها)، لا يمكن أن يحترم النظام الديمقراطي وهو الحل الوحيد لمشاكل العراق بعد أن يقتنع ساسة العراق بأن لا حل أمام العراقيين إذا ما أرادوا العيش بسلام وتآخي والاعتراف بالآخر المغاير لمواقفهم، رأيا وموقفا واحتراما وتعايشا مجتمعيا وتأسيسا لمستقبل زاهر وآمن، وإلا سيبقى التوتر سيد الموقف في الشارع العراقي، ويظل المتحجرة عقولهم وبشكل غير مفهوم، مصرّين على أن العراق بات لعبة بأيديهم، مقتنعين ببلادة من لا يريد أن يستوعب الأحداث ومجرياتها، بل ونتائج مغامراتهم، انهم وحسب قناعاتهم الملّاك الشرعيون للسلطة، وكأن أمرا ربانيا أختارهم كفلول مقربة من الله، وحاشى أن يكون التفكير عقلانيا بهذه الطريقة الفجة والمتخلفة.

طرح الحزب الشيوعي العراقي ورقة عمل وطنية يشرح فيها شروط المشاركة في الانتخابات، بعد أن اعلن موقفه الواضح بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات ما لم تكن مشروطة، وتجرى بظروف طبيعية من شأنها أن تحافظ على سلامة المصوت، ومنع توظيف المال لشراء الذمم، ونزع السلاح بالكامل من مليشيات القتل وأذرع الخراب، وإنجاز البطاقة البايومترية، والبحث عن البطاقات المسروقة والتي تعد بالملايين، خوفا من استخدامها في عملية التزوير، ثم تعديل قانون الانتخابات التي تعتريه الكثير من الشوائب الملغومة، والأهم من كل ذلك اشراك الأمم المتحدة للإشراف المطلق على الانتخابات، ثم المطالبة بالتصعيد في ملاحقة قتلة ثوار تشرين والجرائم التي ارتكبتها فصائل منحرفة وتحديد هويات القتلة والمجرمين، على الا يبقوا طليقين أيام الانتخابات، لانهم عناصر في غاية الخطورة تم تدجينهم ليكونوا أدوات تنفيذ لكتلهم الموالية للدول الأجنبية التي لا تريد الخير للعراق.

رشح الحزب نخبة من الوطنيين الأحرار ليشاركوا في تسيير مجالس المحافظات بروح وطنية خالصة بعيدة عن نوايا الفساد والنهب وبيع الذمم، شباب وطنيون همهم تصحيح المسار ووضع البلاد على سكة التغيير الحقيقي.

ان الانتخابات القادمة ستكون مصيرية وستعتبر الفيصل في تحديد مستقبل العراق، اما نحو البناء وإعادة الاعتبار للناس والوطن، لينطلق العراق في مناخات صحية جديدة، أو تتمة مسلسل الخراب الذي يقينا سيؤدي الى تفتت العراق وتشرذم العراقيين، حيث لا سبيل للعودة وتصحيح الأخطاء القاتلة، بعد فوات الأوان.

يبدو لكل المراقبين للمشهد السياسي العراقي بأن الوضع معتم وضبابي، وغير مفهوم على الإطلاق، من حيث استمرار الفساد وبشكل علني ووقح دون التنبه لمخاطر هذا السلوك الإجرامي الخطير، ثم استمرار رفص المليشيات مع أسلحتها الفتاكة لاستهداف من تسول له نفسه الاقتراب ولو بالكلام أو التذمر من تلك الفلول وافعالها المارقة، والأخطر الإعلان من حين لآخر من قبل بعض رؤوسا الكتل، بأنها ستحصل على كذا صوت وكذا صوت ومن ثم نيل (الثقة)  وبعدد مقاعد كذا وكذا، فهل تناهى لأسماعكم بأن التصويت محسوم سلفا في تاريخ انتخابات العالم، أم أن الانتخابات تخضع للتنجيم وقراءة الطالع! ولم تنته الترتيبات بعد للوصول الى التاريخ المعلن للانتخابات!

تلك هي وكما تصدينا في مقالاتنا سابقا، السمة السريالية التي يتميز بها الوضع السياسي في العراق وفنتازيا ما يجري.

صحيح أن الانتخابات دعوة لم تستوف شروط إنجازها بسبب جملة من المشاكل والعقبات التي يقينا ستكون ملاذا للمتنفذين سياسيا وماديا وتسليحا، للتلاعب بالنتائج ضدا على أماني الجماهير العراقية المتضررة من السياسات الهوجاء للنخب المتنفذة، للخروج من المحنة وقمقم المحاصصة، سيما الثوار من شباب تشرين الأبطال الذين يعولون ومعهم الشعب العراقي برمته على الخروج من نفق أحزاب الفساد والأوضاع الشائنة التي جاهد الطائفيون على فرضها على الواقع العراقي، مما دفع بظروف العراق التي كنا نتأمل خيرا منها بعد زوال الصنم، الى حالات كارثية، يصفها المراقبون بأنها أسوء مما سبق، وهنا تكمن المعضلة.

نقتطع هنا فقرة من أجوبة الرفيق أبو رواء والتي تناول فيها أهم النقاط الأساسية والتي تعتبر تشخيصا دقيقا لطبيعة الانتخابات وما ينبغي أن تكون عليه وأهم الشروط التي ينبغي أن يتم تنفيذها لإنجاح عملية الانتخابات حيث قال:

(إن مجالس المحافظات هي شكل من أشكال المشاركة، وهي صيغة رقابية مطلوبة في الأنظمة اللامركزية. وان السعي لإعطاء المركزية للمحافظ في ظروفنا الحالية ستمكن الفساد ولن تمنعه، ونحن كحزب شيوعي مع وجود مجالس المحافظات.

ان للقرار المركزي المتفرد سلبيات وإيجابيات، ولكن مخاطر غياب الرقابة فيه تحمل أنواعًا من السلبيات. لذلك نحن مع مجالس المحافظات، لكنها يجب أن تكون نشيطة ورشيقة بدون ترهل. ثانيًا يجب أن تكون متمكنة من ممارسة دورها الرقابي ودورها التشريعي المحلي، وان مجالس المحافظات حملت ثمن فساد المنظومة الحاكمة، وهي ذاتها الحاكمة الان ومن المفترض إزاحتها).

من هنا يتضح أن الانتخابات القادمة لم تكن بالعملية اليسيرة وبمستوى من الشفافية والوضوح، لأن حيتان الفساد والمحاصصة يتربصون بكل ما أوتوا من قوة وبمغامرات قد تؤدي الى صدامات قاتلة، من أجل كسب أعلى عدد ممكن من الأصوات وبشتى الطرق والوسائل، حيث أنهم قاموا بزرع العملاء والمندسين والمزورين ومنحوهم مناصب وامتيازات عديدة، تؤهلهم للتلاعب بالنتائج كيفما أرادوا، هذا من داخل فضاءات التصويت، أما من خارجه فالعراقيون على بيّنة تامة، أن أساليب التزوير وشراء الذمم وتحريك مال السحت الحرام المنهوب من أموال الفقراء، ثم الأكاذيب التي تصدر من هنا وهناك، بعد أن جنّدوا العشرات من الإعلاميين للقيام بمهمات رثة من أجل دعم مواقف الساسة للبقاء على سدة القرار، وتسقيط المنافسين الحقيقيين بأساليب قذرة، علما أن العراقيين يوما بعد آخر باتوا يعرفون هذه الألاعيب والحيّل التي لم تعد تنطلي على أحد، خصوصا شباب ثوار تشرين وكل المتضررين والجائعين والمهمشين من جراء السياسات الرعناء التي ابتلى بها العراقيون منذ عشرين عاما، وبوسائل أقل ما يقال عنها، انها معادية للعراق ولشعبه وحضارته وسيادته ومستقبل أجياله.

من حق المواطن العراقي المبتلى بسياسة المحاصصة والفساد والتلاعب بمقدرات البلاد والعباد أن يتوجس خيفة من نتائج الانتخابات نظرا لسوابق ما فعلته قوى الأحزاب المتسلطة والناهبة لخيرات البلاد والمعطلة لمسلسل التنمية الذي وبنذالة اوقفوه وعرقلوه واقاموا كبديل له نظاما فصّلوه على مقاساتهم، سيما مجالس المحافظات السابقة والتي الغتها ثورة تشرين المباركة كونها كانت مصدر فساد وتلاعب ونهب لخيرات البلاد وبتبعية مفضوحة، ومن حق العراقي المغلوب على أمره أن يتخذ موقفا معارضا للانتخابات اليوم، ولكن ما البديل؟ هل يترك الساحة للميؤوس من نقائهم وصحوة ضمائرهم ويلتفتوا للبناء وانصاف الوطن الجريح.

لقد فقد العراقي الأمل في تصحيح المسار والقرار ما زال بيد اللصوص واعداء الوطن، ويبقى مجرد أمل وسط تعاظم الرفض لعبث الفاسدين والجهلة، ولعل النتائج القادمة قد تزيح شيئا من غبش الوضع المعتم ويتحسس المواطن قليلا من الضوء في النفق المظلم كبداية لطوفان قادم يكنس الطارئين، وهذا ما كنا نتمناه من التيار الصدري بزحف جماهيري لا يستهان به للخروج من المحنة، لا أن يتخذوا قرار المقاطعة الذي سيفسح المجال واسعا لقوى المحاصصة لترسيخ وجودهم وتتمة مسلسل الخراب الذي مارسوه وما زالوا ليبقى العراق يدور في فلك من لا يريد الخير للوطن ولشعبه المظلوم.

  كتب بتأريخ :  الأحد 17-12-2023     عدد القراء :  732       عدد التعليقات : 0