الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أنالت الصحافة حقها؟

  يحكى أن ثلاثة أشخاص حكم عليهم بالإعدام بالمقصلة وهم: عالم دين، محامي، مهندس. وعند لحظة الإعدام تقدم عالم الدين ووضعوا رأسه تحت المقصلة، وسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تود قولها؟ فقال: الله.. الله.. الله.. هو من سينقذني، وعند تنفيذ الحكم نزلت المقصلة، وقبل وصولها رأس عالم الدين توقفت، فتعجب الناس، وقالوا: أطلقوا سراح عالم الدين فقد قال الله كلمته، ونجا عالم الدين.

 وجاء دور المحامي إلى المقصلة، فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تود قولها؟ فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين، ولكن أعرف أكثر عن العدالة، العدالة.. العدالة.. العدالة.. هي من ستنقذني. وعند تنفيذ الحكم نزلت المقصلة، وقبل وصولها رأسه توقفت فتعجب الناس، وقالوا: أطلقوا سراح المحامي، فقد قالت العدالة كلمتها، ونجا المحامي.

وأخيرا جاء دور المهندس، فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تود قولها؟ فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين، ولا أعرف العدالة كالمحامي، ولكني أعرف أن هناك عقدة في حبل المقصلة، تمنع المقصلة من إكمال شوطها والوصول الى رأس المحكوم. فنظروا الى المقصلة ووجدوا بالفعل ان هناك عقدة تمنع المقصلة من النزول، فأصلحوا العقدة وانزلوا المقصلة على رأس المهندس وقطع رأسه.

 أسوق مقدمة مقالي هذا وأنا استعرض حالات عديدة، كانت قد دارت أحداثها حول صحفيين وإعلاميين نشطاء، حيث الكلمة الجريئة فرضت نفسها بوجه الجلادين، وقُطعت في سبيلها رقاب صحفيين وإعلاميين كثيرين، بمقصلات أحكام طُبقت فقراتها بحقهم، خلال حقب مر العراق فيها بصراعات على يد جهات عدة، حيث كان أغلبها من الداخل، وقد خضع هذا الأغلب إلى تأثيرات وضغوطات تنوعت مصادرها، وتشعبت دوافعها، وأشارت أصابع الاتهام إلى بعضهم، معلنة تسببهم في ضياع العديد من الشخصيات والأسماء البارزة في مجال الصحافة والإعلام، والتاريخ شاهد على أسماء الضحايا ومصائرهم، وكذلك أسباب تعرضهم للعنف حد الموت، وما يؤسف له أن بعض هذه الأحداث قُيدت ضد مجهول حتى اللحظة.

 كلنا يعلم أن الصحافة يطلق عليها مصطلح (مهنة المتاعب) غير أن التسمية الأدق وصفا عالميا هي السلطة الرابعة (Fourth Estate) ونعلم أيضا أن تسميتها هذه، لم تتأتّ من كونها تنقل الأخبار فحسب، بل لأنها تمثل رأيا، وتنقل وجهة نظر، وتسلط الضوء على أمور يريد بعضهم إخفاءها، وتخوض في قضايا عامة أو خاصة، بغية تنوير شرائح المجتمع بتفاصيلها، ولفت الأنظار الى ما يحيطها من غموض، كما أنها -الصحافة- تنطق باسم الشعب أمام الحكومة، وأحيانا تمثل الحكومة لدى الشعب، وهي أيضا تسهم بشكل مباشر في صنع القرار، أو التأثير في صنعه على أقل تقدير.

 من مجمل ماتقدم من وظائف ومهام تقوم بها الصحافة، فإن تسمية السلطة الرابعة لائقة بمكانتها بين الأمم، ومناسبة لدورها الذي تقوم به، في السلسلة الهرمية لتشكيلات الدول والحكومات، ومادام العراق دولة لها ثقلها في المحافل الدولية، تدير شؤونها حكومة شرعية، يرفرف فوق مؤسساتها علم، يعد من أول الأعلام العربية التي رفعت فوق سارية عصبة الأمم في جنيف، في 3 تشرين الاول 1932، يكون حريا بدستوره وقياداته إيلاء السلطة الرابعة اهتماما مناسبا، لاسيما وإن العراق الحديث منذ ثلاثينيات القرن المنصرم، وحتى ساعة إعداد هذا المقال، بات ارضا خصبة لتقلبات سياسية، تتلاعب بدواليب عجلاتها شخصيات تلفت النظر، وتثير الانتباه، الأمر الذي يعد الخوض فيه مادة دسمة للصحافة، وموضوعا ثرا للإعلام، زاخرا بتغيرات ومستجدات تغري الأقلام لمتابعة شؤونها، فهل أولت الحكومات المنتخبة بعد عام 2003 الاهتمام المناسب بالسلطة الرابعة؟

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 12-03-2024     عدد القراء :  390       عدد التعليقات : 0